tag icon ع ع ع

حسن إبراهيم | لجين مراد

“نجونا من الزلزال فاستقبلتنا الأمطار وتركتنا بلا مأوى، في تشريد اعتدناه منذ سنوات”، هكذا لخّص الشاب إبراهيم المحمد قصة نزوحه مع عائلته المكوّنة من تسعة أفراد، منذ ضرب الزلزال المنطقة في شباط الماضي حتى الهطولات المطرية التي تعرضت لها المنطقة في آذار الماضي.

شرّد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية أكثر من 57 ألف عائلة شمال غربي سوريا، معمقًا الفجوة في الحصول على مأوى، في منطقة مكتظة بالمخيمات غير المؤهلة، إذ تشير الأرقام الأممية السابقة إلى وجود نحو 1.9 مليون سوري داخل خيام أو أماكن تفتقد للخدمات الأساسية، ومع كارثة الزلزال يكون العدد قد تجاوز المليونين.

منطقة “منكوبة”، زادت في بؤسها، خلال السنوات الماضية، موجات النزوح الداخلي المدفوعة بقصف النظام وحلفائه.

وآخر الحلقات كانت فتح المعابر الحدودية مع تركيا، لدخول “المنكوبين” إثر الزلزال، مستقبلة أكثر من 71 ألف عائد.

ولم توفر الظروف الجوية الفرصة، إذ تتسبب الثلوج والأمطار كل عام في تعميق المعاناة، وقبل أيام اقتلعت الرياح العاتية الخيام وأغرقت قسمًا منها، لتترك قاطنيها في العراء من جديد.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مسؤولين ومنظمات عاملة في الشمال وباحثين، واقع الإيواء في المنطقة، ومدى الحاجة الملحة إلى مأوى على المدى القريب والبعيد، وتوجه الحكومات والمنظمات لتأمين منازل وتجمعات سكنية وتأهيل ما تضرر منها، والمعوقات أمامها، والحلول المقترحة لتجاوز مأساة السكن المتكررة.

أربعة أسباب دفعت إلى العراء

أوضح الشاب إبراهيم، المنحدر من دير الزور، أنه انتقل مع عائلته بعد الزلزال من منزل في مدينة جنديرس إلى مركز إيواء يتكون من عدة خيام، داخل أرض زراعية بين أشجار الزيتون غربي المدينة، ولكون المركز على أرض منبسطة محيطها مرتفع، تحولت إلى مصب لمياه الأمطار التي رافقت العاصفة الأخيرة، فغرقت الخيام.

مساعدة الأهالي القريبين من المخيم وقدوم فرق الإنقاذ سرّعا من سحب المياه من أرض الخيام عبر فتح قنوات، لكن الأمطار ألحقت الضرر بالشوادر والفرش والأثاث، مرجعة النازحين إلى مرحلة “تحت الصفر”، يبحثون عن أدنى مقومات البقاء، مع افتقار المركز بالأساس إلى شبكات الصرف الصحي والمياه ومراكز التعليم والمساحات الآمنة للأطفال، وفق إبراهيم.

حالة الشاب واحدة من عشرات آلاف الحالات التي طالتها أضرار الهطولات المطرية في 18 و19 من آذار الماضي، والتي ألحقت الضرر بـ33742 ألف شخص بينهم 11457 امرأة و13566 طفلًا، في 63 مخيمًا و21 مركز إيواء شمال غربي سوريا، ووصل عدد الخيام المتضررة بشكل كلي إلى 514 خيمة، وبشكل جزئي إلى 1044 خيمة، وفقد 6732 شخصًا المأوى إثر الهطولات المطرية.

الأمطار تغمر مخيمات النازحين شمالي سوريا- 19 من آذار 2023 (الدفاع المدني السوري/ فيس بوك)

هطولات مطرية وسيول اجتاحت المخيمات بعد أكثر من شهر على زلزال ضرب المنطقة، أسفر عن تسجيل أكثر من 4500 حالة وفاة وأكثر من 8700 إصابة في شمال غربي سوريا، وشرّد أكثر من 57 ألف عائلة بعد أن تأثرت به ما لا يقل عن 148 مدينة وبلدة، ودمّر أكثر من 1869 بناء بالكامل، ولحقت أضرار جزئية بأكثر من 8731 مبنى.

بعد الزلزال فتحت المعابر الحدودية مع تركيا أبوابها أمام السوريين المتضررين من الزلزال في عشر ولايات تركية “منكوبة”، مستقبلة أكثر من 71 ألف عائد في إجازة مشروطة إلى الشمال السوري، الأمر الذي فرض أعباء جديدة في مقدمتها تأمين مأوى، ضمن منطقة “منكوبة” منذ لحظة وقوع الزلزال.

الهطولات المطرية والزلزال والإجازات من تركيا، زادت الحاجة إلى الإيواء، وتفاقمت أزمة البحث عن أبسط مكوّنات المأوى المتمثلة بشادر أو قطعة قماش تربطها حبال ويسندها وتد، في منطقة جمعت أبناء سوريا من مختلف المناطق هاربين من قصف النظام السوري وحلفائه.

وضم الشمال السوري قبل الزلزال أكثر من 1490 مخيمًا، يقيم فيها حوالي 1.52 مليون شخص في ظروف متردية، مع وصول محدود أو معدوم إلى الخدمات الصحية أو المياه النظيفة أو الكهرباء، ليصل العدد إلى 1.9 مليون شخص بعد الزلزال.

وكانت أكبر موجة نزوح شهدتها المنطقة في تشرين الثاني 2019، حين قاد النظام مدعومًا بالطيران الروسي حملة تصعيد واسعة على أرياف حماة الشمالية وأرياف إدلب الجنوبية والشرقية، أفضت إلى سيطرته على مئات القرى، واعتُبرت الحملة الأعنف على آخر معاقل المعارضة.

حكومات تقيّم الأضرار وتنتظر الدعم

تتقاسم منظمات إنسانية وإغاثية وفرق تطوعية وحكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” جهود الاستجابة للأضرار المتتالية التي تلاحق الأهالي شمال غربي سوريا، لكن قدرتها محدودة أمام سيل من كوارث بأسباب طبيعية وبشرية متتالية.

رئيس حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، علي كده، قال في مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي، إن المنطقة أمام أزمة تتعدى كارثة الزلزال، وهي تبعاته التي سترافق المنطقة لفترة طويلة، لافتًا إلى أن “الإنقاذ” طلبت من الوفود العربية والدولية التي وصلت إلى المنطقة، تحويل الدعم من العيني إلى بناء الوحدات السكنية.

وأضاف كده خلال المؤتمر، في 9 من آذار الماضي، أن المخططات السكنية جاهزة والأراضي القابلة للبناء موجودة، مشيرًا إلى أن تداعيات الزلزال من تشريد وتهدم البنى التحتية، وتصدع مئات الأبنية، أدت إلى كارثة إنسانية تفاقمت بشكل متصاعد خلال المدة الماضية، وتدهور اقتصادي بدأت تنعكس تداعياته على الشمال السوري.

وسلّمت “الإنقاذ” حوالي 600 شقة سكنية لعائلات متضررة من الزلزال، وكانت من ضمن مشاريع سابقة لتأمين سكن مؤقت أو شبه دائم لنقل العائلات من المخيمات إلى المساكن، مع وعود بتسليم شقق في المرحلة المقبلة وفق المتاح، بحسب كده.

مدير العلاقات العامة في حكومة “الإنقاذ”، جمال الشحود، قال لعنب بلدي، إن وزارة التنمية والشؤون الإنسانية تدرس حاليًا عدة مشاريع قدمتها منظمات إنسانية لبناء وحدات سكنية، إضافة إلى تنفيذ عدة جهات أخرى حملات تبرع لبناء أبنية أخرى إضافية، لكن حتى الآن لا توجد أبنية قائمة لمتضرري الزلزال، وتحتاج إعادة إعمار المتضررة منها إلى فترة طويلة.

وبلغ عدد مراكز الإيواء لمتضرري الزلزال في مناطق سيطرة “الإنقاذ” 58 مخيمًا، يقيم فيها 12 ألف نسمة، تم إحداثها، وفق الشحود، بشكل مؤقت نتيجة حالة الطوارئ، وتعمل الجهات الحكومية على إلغاء هذه المراكز ونقل الأهالي إلى أبنية سكنية دائمة حسب الإمكانيات المتاحة.

وأوضح الشحود أن هناك عدة مستويات لترميم الأبنية بدءًا من الهدم أو التدعيم أو الترميم أو التشققات البسيطة، وتعمل الجهات الحكومية بالتعاون مع المنظمات على تقديم ما يلزم حسب الإمكانيات المتاحة.

رئيس المجلس المحلي في مدينة جنديرس شمالي حلب، محمود حفار، أوضح لعنب بلدي أن الجهود لا تزال منصبة على رفع الأنقاض في المدينة التي كانت أكثر المناطق تضررًا في الشمال السوري، تعقبه مرحلة إعادة تأهيل البنى التحتية.

وقال حفار، إن أغلب السكان أصبح لديهم مأوى مؤقت (خيام)، بعد إنشاء أكثر من 70 مركز إيواء، وبالنسبة لمراكز الإيواء الدائمة من ترميم الأبنية المتضررة أو بناء تجمعات جديدة، رفع المجلس الدراسات والتقييمات إلى المنظمات وإلى “الحكومة المؤقتة” التي تدير المنطقة، لكن لم يتم الاعتماد حتى الآن.

وأضاف حفار أن المجلس المحلي يرفع الدراسات متضمنة التقييمات والاحتياجات لأي جهة تطلبها، سواء لمنظمات أو لـ”الحكومة المؤقتة”، التي بدورها ترفع الدراسات للجهات المانحة، لافتًا إلى أن الاستجابة حاليًا جرت بإعادة تأهيل شبكات المياه وإغلاق الخطوط غير المؤهلة وضخ المياه تدريجيًا إلى الأحياء.

منظمات بإمكانيات محدودة.. تبرعات وحلول مؤقتة

أطلقت منظمات وجمعيات وناشطون حملات لدعم المتضررين من الزلزال في الشمال السوري، كان معظمها مواد إغاثية وعينية، والقليل منها توجه نحو إعادة الترميم أو بناء تجمعات ومشاريع سكنية.

بعد الزلزال، أطلق فريق “ملهم التطوعي” العامل بالشمال السوري وفي تركيا حملة بعنوان “قادرون”، بهدف جمع مبلغ 20 مليون دولار أمريكي كمرحلة أولى لإعمار أربعة آلاف منزل، بتكلفة خمسة آلاف دولار للمنزل الواحد، شمال غربي سوريا.

مدير قسم المأوى في فريق “ملهم التطوعي”، براء بابولي، قال لعنب بلدي، إن العمل بدأ بتوزيع الخيام في المرحلة الأولى، ومع وجود وتدخل واسع من منظمات لتأمينها.

ووصل المبلغ الوارد حتى 24 من آذار الماضي إلى ما يقارب 12.46 مليون دولار، ما يعني أن عدد البيوت المؤمّنة حتى اللحظة وصل إلى حوالي 2493، وتستمر الحملة رغم توقف “البث المباشر”.
وأوضح بابولي أن عدد المستفيدين في الوقت الحالي هو صفر، لكن الهدف المرصود بالمرحلة الأولى هو 2000 منزل بعدة مناطق في محافظة إدلب ومناطق طالتها الأضرار بريف حلب، ولا تشمل الحملة إعادة ترميم أو بناء الأبنية المتضررة لتجنب الدخول في مشكلات الورثة وتوزيع المساحات والحصص.

مدير مجموعة “هذه حياتي” التطوعية، سارية بيطار، قال لعنب بلدي، إن المجموعة تعمل وفق ثلاثة مستويات (خطوط)، يتمثل الأول بتأمين مراكز إيواء مؤقتة من خيام ومستلزماتها، والثاني ترميم البيوت المتضررة، والمستوى الثالث بناء قرى سكنية بمواصفات هندسية عالية.

وأوضح بيطار أن الفترة المحددة لكل مستوى مرتبطة بحجم الاحتياج، وهي ستة أشهر للمأوى المؤقت، وسنة لمرحلة المأوى الدائم.

مدير قسم الشراكات والمناصرة في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية”، سارية عقاد، قال لعنب بلدي، إن الجمعية تعمل وفق الأولويات التي حددها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، متمثلة بالتوجه لإنشاء مراكز الإقامة المؤقتة للمتضررين، ثم تزويدهم بالاحتياجات الأساسية من بطانيات ومواد مطبخ ومواد غذائية وملابس، ثم التركيز على ترميم الأبنية الخفيفة الضرر، وترميم الأبنية العامة المتضررة مثل المدارس والمستشفيات والعيادات.

وأضاف عقاد أن المرحلة الثانية في الاستجابة هي ترميم المنشآت التي تضررت بشكل متوسط أو ما يُعرف بقيمة متوسطة، مثل بناء حائط من جديد، أو ربما إصلاحات بشبكات المياه والصرف الصحي.

الأمطار تغمر مخيمات النازحين شمالي سوريا- 19 من آذار 2023 (الدفاع المدني السوري/ فيس بوك)

أزمات إيواء متراكمة.. ما الحاجة الآن؟

مخيمات معظمها في مناطق نائية، كانت الملاذ من سيل الكوارث في المنطقة، لكنها تفتقر إلى أدنى المقومات، وهي عرضة للانهيار والضرر مع أي عوامل جوية سواء في برد الشتاء أو حرارة الصيف، وغير مزوّدة بوسائل التدفئة ومياه الشرب ودورات المياه، إلى جانب اكتظاظ الخيمة الواحدة بعائلتين أو أكثر، مع مناشدات من داخلها وأصوات رافضة أن تتحول هذه الخيام إلى مأوى دائم.

وتنقسم احتياجات المنطقة في قطاع المأوى عقب كارثة الزلزال، بحسب تقرير صادر عن “كلاستر المأوى” في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى ثلاثة أقسام، هي:

-توفير الخيام والمساكن المؤقتة، وتلبية احتياجاتها من المواد الغذائية وغير الغذائية.

-توفير مأوى أكثر استدامة للناجين، إلى جانب إجراء عمليات الترميم الطفيفة للمنازل المتضررة جزئيًا.

-حماية المتضررين من الزلزال، من خلال دعم عمليات تقييم المنازل وإزالة الحطام.

“الكلاستر”: مجموعات عمل تضم منظمات إنسانية أممية ودولية ومحلية، مقسمة بحسب قطاعات الاستجابة الإنسانية (الصحة، الأمن الغذائي، الإيواء والحماية…).

وتعتبر اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) المسؤولة عن نهج “الكلاستر” (النهج العنقودي) لتنسيق عمل منظمات الاستجابة الإنسانية، وتعزيز قدرتها على الاستجابة الطارئة.

مدير قسم الشراكات والمناصرة في جمعية “عطاء للإغاثة”، سارية عقاد، قال، إن الأولوية في الوقت الراهن لم تعد تقتصر على تأمين الخيام ومستلزمات المخيمات، لافتًا إلى ضرورة التركيز على ترميم المنازل المهدمة، وإزالة الخيام لإيواء المتضررين في منازل مؤقتة، إلى جانب العمل على بناء منازل مستدامة.

وتتكون المنازل المؤقتة التي تحتاج إليها المنطقة من ألواح بلاستيكية وخشبية تشبه “الكرفانات”، تقي العائلات أضرار العواصف، وفق ما قاله عقاد لعنب بلدي.

ويتفق مدير قطاع المأوى في فريق “ملهم التطوعي”، براء بابولي، مع ما قاله عقاد، مشيرًا إلى أن الشمال السوري بحاجة إلى توفير أماكن إيواء سريعة للعائلات المتضررة، لكن ذلك لا يلغي ضرورة العمل على توفير حل دائم لمشكلة المأوى في المنطقة.

وأمام فوضى الأرقام وغياب الإحصائيات الدقيقة، قدّرت الأمم المتحدة حجم احتياجات مختلف مناطق سوريا في قطاع المأوى والمواد غير الغذائية عقب الزلزال، بنحو 51 مليونًا و900 ألف دولار أمريكي، بينما بلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مأوى شمال غربي سوريا فقط نحو 280 ألف شخص.

مخاوف أممية ودولية

عراقيل بوجه حلم “السقف والحيطان”

 

اتخذت بعض المنظمات خلال السنوات الماضية خطوات للحد من معاناة أطفال ترسم مفردة “البيت” في مخيلاتهم صورة الخيمة، وإنقاذ مئات العائلات من كوارث موسمية تشهدها المخيمات.

استطاعت المنظمات نقل آلاف العائلات من المخيمات إلى تجمعات سكنية، لكن خطواتها لم تقدم حلًّا جذريًا للكارثة، في ظل وجود أكثر من 1.9 مليون شخص يعيشون في المخيمات، بحسب الإحصائيات الأممية.

ورغم تفاقم أزمة المخيمات جرّاء كارثة الزلزال، ما زالت معظم المساعدات، خصوصًا الأممية منها، تتركز على تقديم حلول إسعافية ومؤقتة، ما يثير تساؤلات حول أسباب غياب الخطط التي يمكن أن تقدّم حلولًا جذرية للمشكلة.

مدير قطاع المأوى في فريق “ملهم التطوعي”، براء بابولي، أرجع غياب الحلول الجذرية لكارثة المأوى بالشمال إلى غياب الخطط من قبل المنظمات الأممية والدولية لتنفيذ مشاريع تقدّم مأوى دائمًا للعائلات.

وأوضح بابولي أن المشكلة الأساسية مرتبطة بمخاوف تلك الجهات من تضارب الإيواء مع مشاريع إعادة الإعمار المحظورة في سوريا، ما يفرض على المنظمات المحلية العاملة بالشمال الاعتماد على الدعم المقدم من قبل مانحين سواء كانوا أفرادًا أو منظمات غير دولية.

ويرى سارية عقاد أن مخاوف المنظمات ترتبط ببناء منازل من “الطوب”، إذ يمكن اعتبارها ضمن مشاريع إعادة الإعمار، أو جزءًا من التغيير الديموغرافي.

“بدأ التركيز على المشاريع السكنية المستدامة في (كلاستر المأوى) التابع لـ(أوتشا) منذ عام 2019، لكن توجيه الدعم بهذا السياق ما زال غائبًا بسبب المخاوف من إعادة الإعمار”

براء بابولي

مدير قطاع المأوى في فريق “ملهم التطوعي”

من جهته، قال الناشط في المجالين المدني والإنساني الدكتور زيدون الزعبي، إن الحديث عن إعادة إعمار تحل أزمة المأوى في الشمال السوري قد يعني الحديث عن إعمار يشمل كل سوريا، وهو ما ترفضه جميع الأطراف.

وأضاف الزعبي، المتخصص بإدارة الجودة والحوكمة، في حديث إلى عنب بلدي، أن المنظمات أمام خيارين، أولهما إعادة إعمار الشمال على قاعدة انقسام فعلي للبلد، لافتًا إلى أن المانحين لن يكونوا مستعدين لهذه الخطوة.

والخيار الثاني يتمثل بعدم تنفيذ أي مشاريع بهذا السياق، والاستمرار بتقديم الحلول الإسعافية، وفق ما قاله الزعبي.

وردًا على تلك المخاوف، قال الباحث القانوني والمختص في حقوق التخطيط العمراني والبيئة المقيم في فرنسا فراس حاج يحيى، إن العقوبات المفروضة على سوريا تقيّد تمويل ودعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، ولكن ليس بالضرورة أن تتضمن حظرًا شاملًا على جميع مشاريع البناء.

ومن المهم التشاور مع الخبراء القانونيين والسلطات في الدول المانحة ذات الصلة، لتحديد قيود تمويل ودعم مشاريع البناء في شمال غربي سوريا، وفق ما قاله حاج يحيى، لافتًا إلى أن تمويل مشاريع الإيواء ممكن مع عقبات يمكن تجاوزها.

وحول المخاوف من ارتباط دعم مشاريع الشمال بتمويل مشاريع مشابهة في مناطق سيطرة النظام، قال حاج يحيى، إن المساعدات يجب أن تقدم بناء على احتياجات السكان المتضررين، دون تمييز أو اعتبارات سياسية.

وأضاف أن دعم هذه المشاريع في منطقة معيّنة من مناطق الصراع، لا يعني بالضرورة أن يتم تنفيذ ذات المشاريع في مناطق سيطرة النظام.

ويتفق الباحث القانوني مع وجود مخاوف مرتبطة بالتغيير الديموغرافي، إذ قال، إن بعض هذه المشاريع قد تهدف لخلق واقع ديموغرافي جديد في سوريا، بناء على مخرجات الصراع الحالي وتوزع مناطق السيطرة.

متطوعون في “الدفاع المدني السوري” يحفرون ممرات لعبور المياه خارج مخيمات النازحين شمالي سوريا- 19 من آذار 2023 (الدفاع المدني السوري/ فيس بوك)

الأثر السريع أولوية

مشهد متكرر حوّل أزمة المخيمات إلى حالة موسمية ترتبط الاستجابة لها بوجود كارثة، لتبدأ مناشدات تأمين مساعدات طارئة تحدّ من معاناة الأهالي بشكل مؤقت.

الخبير والناشط بالمجال الإنساني ومشاريع الإيواء مازن طرابلسي، أرجع غياب الحلول الدائمة إلى غياب التركيز والاهتمام من قبل المانحين بتقديم مشاريع مستدامة.

ورغم استمرار الصراع في سوريا لأكثر من عقد من الزمن، لم يتخذ المانحون أي خطوات فعالة للانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة والبدء بمرحلة البناء لتجاوز أزمة المخيمات، وفق ما قاله طرابلسي لعنب بلدي، لافتًا إلى أن المبالغ التي صُرفت على المساعدات الإنسانية “خيالية”، لكنها لم تستطع حل أي مشكلة بشكل جذري.

وأضاف طرابلسي أن مشاريع “التعافي المبكر” والحلول المستدامة بدأت تدخل بشكل طفيف ضمن أنشطة المانحين خلال العامين الماضيين، لكنها لن تغطي الحاجة.

ويتفق معظم العاملين بالمنظمات ممن تحدثت إليهم عنب بلدي مع ما قاله طرابلسي، إذ أكدوا أن عديدًا من الجهات المانحة تركّز على المشاريع ذات الأثر السريع، بينما تعتبر المشاريع المستدامة مهمشة.

وأسهم الاعتماد على المشاريع ذات الأثر السريع والتركيز على المساعدات الطارئة للمخيمات دون تقديم حلول مستدامة، بارتباط المخيمات باستمرارية الدعم بالنسبة لعديد من الأشخاص، وفق ما قاله مدير قطاع المأوى في “ملهم التطوعي”ملهم التطوعي، براء بابولي.

وأوضح بابولي أن عديدًا من الأشخاص يتخوفون من فقدان الدعم المقدم لهم في حال نُقلوا إلى التجمعات السكنية، لافتًا إلى ضرورة وجود مشاريع تنموية مستدامة تدعم قاطني المخيمات والتجمعات السكنية على المدى الطويل.

“المال الإنساني سريع وأسهل من المال التنموي. ما زلنا نتعامل مع الأزمة السورية على أنها أزمة عابرة، وبالتالي إبقاء الناس بالخيام كارثة من كوارث الدنيا”

د. زيدون الزعبي

متخصص في إدارة الجودة والحوكمة

عراقيل إضافية

الخبير مازن طرابلسي، يرى أن ضعف مناصرة الحلول الدائمة من المنظمات المنفذة، والاكتفاء باتباع استراتيجية ورؤية الداعمين والمانحين، أحد أسباب استمرار أزمة الإيواء بالشمال السوري.

ويمكن أن تكون عديد من المشاريع المقدمة من قبل المانحين غير مصممة لسوريا، ما يجعل تنفيذها دون رؤية المنظمات المحلية المنفذة هدرًا للموارد والوقت، وفق ما قاله طرابلسي، متوقعًا نشوء مشكلة إضافية بتوريد المواد اللازمة للاستجابة المستدامة بقطاع الإيواء، جرّاء وجود طلب كبير على المواد في تركيا عقب كارثة الزلزال.

ولفت طرابلسي إلى وجود عديد من العراقيل المرتبطة بملكية الأراضي التي يمكن إقامة المشاريع السكنية عليها.

وذكر تقرير صادر عن “وحدة تنسيق الدعم” المسؤولة عن تنسيق عمليات الإغاثة الإنسانية في سوريا، أن ملكية معظم أراضي المجمعات السكنية في الشمال السوري كانت عامة تعود للحكومة قبل إنشاء المجمعات السكنية عليها.

كما أن بعض أراضي التجمعات السكنية كانت أراضي زراعية خاصة، وهناك بعض المجمعات بُنيت على أحراج وتلال غير مملوكة لأي جهة، وفق التقرير.

رجل يفتح قنوات لإخراج مياه الأمطار من داخل خيمته قرب جنديرس شمالي حلب- 20 من آذار 2023 (الدفاع المدني السوري/ فيس بوك)

حلول لإنهاء المأساة

في حين تغيب الحلول السياسية القادرة على إنهاء مأساة المخيمات، تتحمّل منظمات المجتمع المدني مسؤولية العمل على خطط تقدم حلولًا مستدامة تمنع تحوّل المخيمات إلى جزء من خريطة الشمال السوري.

يرى مازن طرابلسي أن الحل السريع والقابل للتطبيق على المدى القريب، هو استخدام منازل مسبقة الصنع، لا تحتاج إلى وقت للبناء، وتعتبر تكلفتها مقبولة، ويمكن أن توفر مأوى لآلاف العائلات لحين وجود حل جذري ينهي هذه “المأساة”.

وأوصى طرابلسي بالتركيز على دعم مشاريع أنشطة بناء المنازل وتجهيز البنية التحتية الخاصة بها، إلى جانب جعل المدة القصوى لأنشطة الطوارئ ثلاثة أشهر.

ويسهم تحديد مدة أنشطة الطوارئ بالحد من هدر الموارد في مشاريع مؤقتة ومحدودة الأثر، ويمكن أن يسهم إصدار خطة واستراتيجية واضحة لتوجه المانحين من قبل المنظمات المحلية العاملة بالشأن الإنساني، بتقديم حلول أكثر فعالية، وفق ما قاله طرابلسي.

من جهته، الباحث القانوني والمختص في حقوق التخطيط العمراني والبيئة فراس حاج يحيى، يرى أن الحلول الفعالة يمكن أن تشمل:

-إعادة تأهيل المأوى: إعادة تأهيل المساكن المتضررة أو المدمرة لجعلها صالحة للعيش مرة أخرى.

-المساعدة بدفع الإيجار: تقديم المساعدة في الإيجار للأسر التي فقدت منازلها.

– المساعدة النقدية: تقديم المساعدة النقدية للأسر التي فقدت منازلها، حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها الأساسية، وشراء مواد الإيواء أو دفع الإيجار.

– دعم المجتمع المضيف: تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة التي تستوعب أعدادًا كبيرة من النازحين، من خلال توفير الخدمات الأساسية وتحسين البنية التحتية.

وأوصى حاج يحيى بأن تُستكمل تلك الخطوات بجهود طويلة الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح، ولتعزيز الحلول الدائمة مثل توفير سكن آمن وميسور التكلفة، والوصول إلى الخدمات الأساسية، وفرص كسب العيش.

ويعد “النقد مقابل السكن” من ضمن الحلول المقدمة من قبل “كلاستر المأوى” في الشمال السوري، عقب كارثة الزلزال، إذ أوصى تقرير صادر في 22 من شباط الماضي، بضرورة تقديم مساعدات نقدية تؤمّن المأوى للمتضررين.

وتشمل المساعدات النقدية تقديم مبلغ لا يتجاوز 400 دولار أمريكي لأصحاب المنازل المتضررة بشكل طفيف، ومبلغ يتراوح بين 400 و1000 دولار للوحدات الأكثر تضررًا، وتشمل إنشاء مأوى آمن بتكلفة تتراوح بين 1500 و3500 دولار أمريكي ضمن معايير البناء المحددة وفقًا لـ”الإرشاد الفني للملاجئ“.

English version of the article

مقالات متعلقة