ذاكرة إبداعية للثورة السورية.. التاريخ “لن يكتبه المنتصرون”

camera iconمديرة ومؤسسة مشروع "ذاكرة إبداعية" سنا يازجي (غرامافون/ تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أدى انطلاق الثورة السورية في عام 2011 إلى ظهور مئات الأعمال الفنية للسوريين في مختلف المجالات، خارج الرقابة الفنية للنظام السوري.

أغانٍ ورسومات وأفلام وأهازيج وهتافات، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا عبر منصتي “فيس بوك” و”يوتيوب”، لإيصال صوت السوريين إلى سوريا وللعالم.

مع تغير شكل الصراع في البلاد، وتغير معايير نشر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، تعرّضت عشرات الأعمال الفنية للحذف، ما عرضها للنسيان من ذاكرة السوريين، وأثّر في النظرة إلى الثورة السورية وتاريخ سوريا الحديث، من المظاهرات في 2011 وصولًا إلى العمل المسلح والاشتباكات العسكرية مع النظام في 2023.

يأتي مشروع “ذاكرة إبداعية للثورة السورية“، الذي انطلق قبل عشر سنوات، توثيقًا لقضية سوريا ولآلام السوريين وأوجاعهم، وكمصدر معرفي للسوريين على اختلاف انتماءاتهم وأماكن وجودهم.

عنب بلدي التقت مؤسسة ومديرة “ذاكرة إبداعية”، سنا يازجي، للحديث حول التاريخ ومن يكتبه، وعلاقة الفن بحفظ “ذاكرة إبداعية” للسوريين.

التاريخ “لن يكتبه المنتصرون”

“التاريخ يكتبه المنتصرون”، إحدى أشهر العبارات المتداولة (تتضارب الروايات حول مصدرها الأساس) التي تشرح كيفية تزييف التاريخ لمصلحة من ينتصر في المعارك الكبرى والقضايا المختلفة.

هذا التاريخ الذي كتبته أيادي السوريين وأصواتهم طوال سنوات، يبدو مهددًا اليوم، مع استعادة النظام السوري سيطرته على عشرات المدن والقرى التي خرجت عن سيطرته، وتغير الظروف السياسية ومحاولة إعادة تعويمه عربيًا عبر “المبادرة الأردنية“.

كوسيلة لحفظ هذه الأعمال الفنية، المرتبطة بشكل مباشر بالظروف التي عاشتها سوريا، انطلق مشروع “ذاكرة إبداعية”، كأرشيف ضخم يضم مئات الأعمال الفنية ومعلومات عنها وعن أصحابها.

يضم الأرشيف 12 ألفًا و809 وثائق ضمن تسلسل زمني وتبويبات لكل نوع على حدة، وبثلاث لغات، هي العربية والفرنسية والإنجليزية.

بدأ التفكير بالمشروع بعد انطلاق الثورة السورية، وترى سنا يازجي أن التاريخ هذه المرة “لن يكتبه المنتصرون”، لأن الفن والإبداع يحفظان الذاكرة، وكل ما يعمل عليه السوريون سيتدخل بكتابة التاريخ، وهذا مكسب هائل بحد ذاته.

لم يكن المضي بمشروع من هذا النوع سهلًا على سنا يازجي وفريق عملها، فهناك تعرض يومي لعشرات المواقف والذكريات القاسية المرتبطة بأحداث ومجازر وانتهاكات، تُحفظ بأعمال فنية لكيلا تنسى.

قالت يازجي، إن مسيرة عشر سنوات تضمنت كثيرًا من الدموع والفرح، ومن المرض كذلك، لأن عملية التذكر هي أمر صعب للغاية تذهب بعكس الطبيعة الإنسانية المتمثلة بالنسيان لتستمر الحياة، وهو ما دفعها وفريق عملها للحصول على متابعة نفسية جعلتهم أكثر قوة وأكثر اكتشافًا لأنفسهم أيضًا.

طبيعة الأرشفة الخاصة بالثورة السورية وأعمالها الفنية سمحت لـ”ذاكرة إبداعية” بطرح أسئلة وجودية، فالثورة، وفق يازجي، قلبت الأرض على النظام وعلى السوريين، وفتحت الباب لإعادة التفكير حول أنفسهم وهويتهم واختلافاتهم وتجاه المكان والجغرافيا أيضًا.

“لولا الثورة لما خضنا كل هذه التجارب الصعبة والمسؤولة التي أسهمت بنشوء وعي جديد للسوريين ولأجيالهم المقبلة التي سيكون لها وصول لكل مصادر المعرفة”، قالت يازجي.

غيّرت الثورة أفكار شريحة من السوريين، سياسيًا واجتماعيًا وفنيًا، هذا التغيير يأتي في ظل ثورة على نظام حكم سوريا لأكثر من 50 عامًا، منذ وصول حافظ الأسد إلى حكم البلاد في عام 1971.

وهذا التغيير اليوم الذي أصاب يازجي ومئات السوريين غيرها، مع التجارب الصعبة التي خاضها السوريون عبر سنوات، أدى إلى نشوء هذا الوعي فرديًا وجماعيًا أيضًا، خاصة أنه لا توجد ذاكرة واحدة للجميع، هي ذاكرة حياة لكل السوريين.

كاريكانير حول جهود الدفاع المدني السوري- الخوذ البيضاء لإنقاذ المدنيين بعد زلزال شباط 2023 (عمار بويضاني/ ذاكرة إبداعية)

كاريكانير حول جهود “الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) لإنقاذ المدنيين بعد زلزال شباط 2023 (عمار بويضاني/ ذاكرة إبداعية)

مقاومة في وجه الحذف

بدأت منصة “يوتيوب” منذ عام 2016 بحذف مئات التسجيلات المصورة الخاصة بالثورة السورية، بما في ذلك تسجيلات تضمنت انتهاكات بحق مدنيين، وقد تحمل أدلة جنائية ضد النظام السوري.

وفي المقابل، فإن عملية أرشفة هذه الأعمال والاحتفاظ بها تشكّل مقاومة ضد النسيان، وفق سنا يازجي، التي قالت إن المشروع هو “معركة ذاكرة ضد الإنكار، وإثبات للوجود، خاصة في سنوات استدامة العنف الذي ابتلع كل شيء، ولا شيء يخرج من دائرته”.

يحاول المشروع المستمر منذ عام 2013 الإضاءة على الجانب الفكري لدى السوريين، الذي عبروا من خلاله عن مطالبهم الاقتصادية والسياسية والحياتية والاجتماعية، والإضاءة على الجانب الإبداعي خلال هذه الفترة الزمنية، وهو أمر مهم لقراءة مسيرة هذا العدد الكبير من السوريين، بحسب يازجي.

ويعمل مشروع “ذاكرة إبداعية” عبر جمع المعلومات الأساسية عن صنّاع العمل وتاريخ ومكان إنتاجه، وروابط نشره الإلكترونية الأصلية، كوثائق لحفظ هذه الأعمال.

بحسب يازجي، فإن المشروع احتفظ بكل ما وقع بين يديه من أعمال فنية، ولا يمكنه وضع نسخ من هذا الأرشيف على الإنترنت، لكنه بالفعل بانتظار قرار يسمح للمشروع برفعها على الإنترنت مع المعلومات الكاملة الخاصة به.

وأضافت أن معايير الأرشفة تتعلق بأن يدور العمل حول الثورة السورية وقيمها، فيما تنبذ كل ما يتعلق بالكراهية والعنف والطائفية.

من خلال هذه الأعمال الفنية كلها، من أغانٍ وهتافات ورسومات وأفلام، يمكن قراءة ومعرفة ما حصل للسوريين خلال هذه السنوات، حمل رسائل السوريين وتضامنهم مع بعضهم ومع العالم، هو إنجاز ومسؤولية أيضًا، قالت يازجي.

وهذه الأعمال والأرشيف والمبادرات المشابهة له، تحمل فائدة ما في ظل ألم السوريين، خاصة مع وجود تفاصيل مهمة وغنية ولها معنى، لإعادة إنتاج المعرفة والفعل والنضال لأجل قضية الإنسان السوري، وفق يازجي.

كاريكاتير في ذكرى مقتل المخرج السوري باسل شحادة (عمر الجبين/ ذاكرة إبداعية)

كاريكاتير في ذكرى مقتل المخرج السوري باسل شحادة (عمر الجبين/ ذاكرة إبداعية)

وكنوع من أنواع الدعم، أطلقت “ذاكرة إبداعية” مشروع “معتقلون ومغيبون”، وهو الأول من نوعه لتوثيق كل المبادرات التي عملت على قضية الاعتقال والتغييب القسري في سوريا.

في ختام الحوار مع يازجي، قالت لعنب بلدي، “هذا الأرشيف ليس كل ما أنتجه السوريون، هو جزء من الثورة وقيمها وعدالة قضية السوريين، ونأمل أن يعمل كل شخص منّا على ذاكرة ما، لتتكون مجموعة ذواكر تخص السوريين جميعًا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة