سلوم حداد.. الزير الذي لم يخلع لباس الحرب

camera iconالممثل السوري سلوم حداد (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

في الحلقة الـ22 من مسلسل “الزير سالم”، تجهز الزير للحرب، ولبس لباسها طلبًا للثأر من بني مرّة، إثر مقتل أخيه كُليب برمح ابنهم جساس.

وشكّل المشهد الذي أطل عبره الفنان سلوم حداد مرتديًا جبة الحرب “التي لا تُستعار”، نقلة نوعية وعلامة فارقة ليس بين ما سبقها وما تبعها في هذا المسلسل التاريخي فقط، بل في حضور الدراما السورية التاريخية عبر الشاشات العربية، وفي حضور سلوم حداد أيضًا.

وغطى “الزير سالم” على ما سبقه من أعمال تاريخية رغم ضخامة ونجاح بعضها، إذ قال سلوم، إنه لم يمثل بعده عملًا حقق مثل نجاحه.

كما استطاع العمل، الذي يندرج في إطار السيرة الشعبية، تحقيق جماهيرية عربية تعيده باستمرار إلى الشاشة، رغم مرور نحو 20 عامًا على صدوره للمرة الأولى.

وأخرج العمل حاتم علي عن نص الكاتب ممدوح عدوان، هذا النص الذي شبهه الفنان الراحل خالد تاجا بنصوص شكسبير، دفع سلوم حداد للتمسك به والسعي لتنفيذه.

وتركت حلقات العمل الـ40 لدى الجمهور وجهات نظر مختلفة حول شخصية الزير وطريقة تجسيدها، إذ لطالما أحاطت الحساسية بتجسيد الشخصيات التاريخية.

ويمكن القول إن العمل الدرامي لا يهدف لإثبات الخرافة أو الأفكار المتخيلة لدى الجمهور عن البطل الملحمي الكامل، فبرزت شخصية الزير خليطًا بين السيرة والتاريخ والبناء الدرامي والحضور البارز للبطل، بما يخدم الشخصية ويربط صورتها بصوته وصورته، في ذهن المشاهد.

تخرّج سلوم حداد في كلية الفنون الجميلة بتخصص الرسم والتصوير، وعمل خلال دراسته نادلًا في أحد المطاعم، ومعاونًا لسائق حافلة نقل بين المحافظات (بولمان)، كما أعاد رسم لوحات عالمية ونسخها وباعها لتأمين مصاريف دراسته، وهو عضو في نقابة الفنانين منذ عام 1980.

ثنائية البطولة

وفي عام 2019، أي بعد عقدين تقريبًا من ملحمة “الزير سالم”، أعاد المخرج سامر فهد جمع الزير وجساس في عمل درامي اجتماعي حمل اسم “عندما تشيخ الذئاب”، بعد اقتباسه عن رواية حملت نفس الاسم وصدرت في عام 2008، للكاتب الأردني جمال ناجي. 

يتقاطع العملان في نوعية العلاقة التي ربطت البطلين، ففي كلا العملين تبدأ الحكاية بعلاقة طيبة تجمع بينهما، لكن حدثًا ما يطرأ فيما بعد ويحيل هذه المودة المهزوزة إلى عداء اختلفت أساليب التعبير عنه باختلاف القصتين.

فيلعب سلوم حداد دور الشيخ عبد الجليل، أحد المحاربين القدامى في صفوف جماعة “الإخوان المسلمون”، الذين واجههم الأسد الأب بالحديد والنار، في مجزرة دخلت التاريخ، أما عابد فهد (جبران) فهو يساري معارض للنظام، أهدر سنوات حياته في سبيل التغيير والعدالة وأفكار لا زال الحديث عنها في سوريا حتى اليوم ضربًا من الكفر. 

كلاهما عارض النظام وفق أسلوبه، لكن التفاف الشيخ عبد الجليل وتحوله إلى واحد من أدوات السلطة وعيونها، خلق جوًا عدائيًا بينه وبين جبران، الذي تمسك بأفكاره، رغم نقمة السلطة التي أبقته تحت المجهر. 

وإذا كانت الرواية الحائزة على جائزة “بوكر” في عام 2010 أردنية المنشأ، لكنها تحاكي كثيرًا واقع شعوب المنطقة العربية المحكومة بسلطة الاستبداد. 

ويعود هذا الثنائي مجددًا للمرة الثالثة في موسم دراما رمضان 2021، في عمل سيحمل اسم “350 جرام”، كتبت نصه ناديا الأحمر، وسيؤدي عابد فهد فيه دور محامٍ متمرس، في حين سيؤدي سلوم حداد شخصية زعيم مافيا. 

المتنبي وقباني

في عام 2003، لعب سلوم حداد دور الشاعر العربي “أبو الطيب المتنبي”، في مسلسل دراما تاريخية عن سيناريو وحوار الكاتب ممدوح عدوان، وكان رهانًا موفقًا بالنسبة للمخرج فيصل الزعبي، إذ لا تصنّع أو استعراض عضلات أدائية في غير مكانها من قبل البطل الشاعر.

هنا الصوت رخيم وغاضب ومصحوب بملامح شرسة، وهنا نبرة هادئة ماكرة وابتسامة خبيثة، وهنالك حزن إن تطلّب المشهد، ودموع عند الضرورة، وبهذه المكوّنات وغيرها يناور سلوم حداد بكل انسيابية في الأعمال التي يحملها على عاتقه قبل تسليمها لذائقة المشاهد.

وبعد عامين فقط من المتنبي وشعره، جسّد حداد شخصية الشاعر السوري نزار قباني في مرحلة الكهولة، مستفيدًا من تشابه الملامح الذي عززه المكياج، بالإضافة إلى لغة فصيحة تمرّست في خمريّات الزير وقصائد المتنبي، وبدت بأوج بريقها عند محاكاته أسلوب إلقاء نزار قباني قصائد ملؤها الحب.

القفز على حبل الأنماط

رغم سحر الأعمال التاريخية، وغواية النجاح الذي ألحقته باسمه، كسر حداد نمطية الأداء والأدوار للانفتاح على تأدية المختلف، وعدم قولبة نفسه أو تكرارها في إطار درامي ثابت.

ومن أبرز الأعمال الاجتماعية الي شارك بها مضيفًا على المسلسل لمسة شيوخ الكار، مسلسل “الندم” الذي صدر عام 2016، من إخراج الليث حجو.

وأدى حداد في هذا العمل شخصية “أبو عبدو الغول”، وهو رجل يملؤه المال والمهابة، ويعيش طويلًا ليشهد ضعفه وقلة حيلته رغم سطوة أمواله، واستطاع من خلال القفز على مراحل عمر الشخصية وحيويتها، إقناع المشاهد بأنه يكبر فعلًا ويشيخ حقيقة، وبذلك وصل العمل لإعجاب الجمهور بالإقناع.

وعلى مستوى أعمال البيئة الشامية التي تستقطب جمهورًا عريضًا داخل سوريا وخارجها، ترك سلوم حداد بصمته وطبع جزئيًا مسلسل “زمن البرغوث” بالشخصية التي أداها، فكان “أبو نجيب” رجلًا شديد البخل، ذا طابع كوميدي مميز بالملابس والهيئة وطريقة الحديث، وبمعنى أدق، كانت الشخصية حالة مختلفة أداها سلوم حداد بكرم وإخلاص يدفع المشاهد للسؤال: “هل هذا هو الزير سالم حقًا؟”.

وفي عام 2018، أدى سلوم حداد شخصية “عاصم” في مسلسل “وردة شامية”، الذي حصد شعبية واسعة ونسب مشاهدة مرتفعة ضمن السباق الدرامي الرمضاني حينها.

وتقدم الشخصية رجلًا يعمل في تنظيف الحارة، ويتحول بعد ذلك من كنس الطرقات إلى كنس الجثث بالتعاون مع عصابة للقتل والسرقة.

عشرات الأعمال الدرامية وعدة مسرحيات وأفلام سينمائية، هذا زاد سلّوم حداد لجمهوره، بالإضافة إلى ما لم يبصر النور بعد، فالزير ما زال بلباس الحرب.

حضور نسبي

قدّم سلوم حداد عبر مسيرته مجموعة من الأدوار ضمن أعمال لم تحقق الشعبية المأمولة منها حين إنتاجها.

ومن هذه الأعمال، مسلسل “الإخوة”، الذي يجمع مجموعة من الإخوة وكل أخ يحمل جنسية دولة عربية مختلفة، في واقعة لا تحدث في الدراما الحقيقية، احترامًا لتفكير المشاهد، لا لجيوب المنتجين، واستمالة المحطات للشراء والعرض.

وانتقد حداد المسلسل، في لقائه ضمن برنامج “مجموعة إنسان” عبر “Mbc”، مبررًا مشاركته بضرورة العمل لكسب الأجر.

وشارك حداد في مسلسل “العرّاب” إخراج المثنى صبح، الذي لم يحصد النجاح الذي ناله مسلسل “العرّاب نادي الشرق”، الذي أخرجه حاتم علي عبر جزأيه، الأول والثاني.

ورغم الثنائية المتكررة التي تجمعه بعابد فهد، بدا ظهوره طفيفًا وبمساحة ضيقة في مسلسل “الولادة من الخاصرة”، في حين استأثر عابد فهد بهوية العمل وشخصيته.

سياسة وتصريحات

ظهر سلوم حداد في حزيران من عام 2011 عبر قناة “الدنيا” الموالية للنظام منتقدًا ممارسات قوات الأمن، و”المبالغة في مديح الأسد”، مبديًا دعمه بنفس الوقت للفنانين الذين وقّعوا على “بيان الحليب” لإدخال حليب الأطفال إلى درعا التي حاصرتها دبابات النظام منذ مطلع الثورة.

ولاقت تصريحات سلوم حداد غضب بعض العناصر المسلحين التابعين للنظام، فهاجموه في مقهى “الروضة” بالضرب والشتائم، ومُنع من الظهور عبر التلفزيون الرسمي لدى النظام، كما تعرضت سيارته لإطلاق نار على الطريق الدولي دمشق- حمص.

وإثر ذلك، آثر الصمت وغادر سوريا لنحو عامين، ثم عاد في 2014 ليظهر مجددًا عبر قناة “سما” ويذرف دموعًا لا يصعب على فنان محترف أن يجود بها حين يتطلب المشهد، فامتدح عناصر قوات النظام، وأثنى على “وطنيتهم”، في ظهور هو الأخير عبر الإعلام الرسمي.

ويعتبر حداد من الممثلين المقلّين في ظهورهم الإعلامي، والحديث حول الوضع السياسي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة