tag icon ع ع ع

عنب بلدي – روزنة

فاجأ الاغتيال الأمريكي لقائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، في 2 من كانون الثاني الحالي، العالم، وأثار المنطقة، المشتعلة أصلًا، بمخاوف وتهديدات بالتصعيد.

وربطت آراء وتحليلات ما بين الضربة الأمريكية والزيارة المفاجئة، التي كانت الأولى من نوعها، للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دمشق، بعد خمسة أيام من مقتل مهندس العمليات الإيرانية الخارجية.

هل كان لروسيا دور في مقتل سليماني؟ وهل تنبئ تلك العملية بمرحلة جديدة للعلاقة الروسية- الإيرانية في سوريا؟

طرح برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، تلك الأسئلة على محللين ومتابعين، للوقوف على أجوبتها وتوضيح أبعادها.

روسيا والمصلحة الإيرانية.. تنافس وتعايش

تدخلت إيران لدعم النظام السوري منذ الأيام الأولى للنزاع للمسلح، عسكريًا وماليًا، ولم تتأخر روسيا عن التدخل لمصلحته سياسيًا، قبل أن تدخل بدعمها العسكري بشكل مباشر منذ عام 2015.

ومع ما تمكن حليفا النظام من تحقيقه نيابة عنه، من استعادة معظم المناطق التي خسرها لمصلحة المعارضة في الأعوام الأولى للنزاع، لاحقت الشكوك والتأويلات علاقة الحليفين، ومن يملك بينهما اليد العليا والحصة الأكبر من الغنيمة السورية.

اختلفت طبيعة العلاقة بين البلدين مع النظام السوري، واختلفت الأهداف والمكاسب والمغارم لكليهما، فرغم التفوق الروسي دوليًا، حافظت الهيمنة الإيرانية إقليميًا على توازن القوى على الساحة السورية، حتى مقتل القائد العسكري الإيراني الأبرز على أرض العراق في اليوم الثاني من العام الجديد.

ورغم العلاقة الطويلة الأمد التي ربطت روسيا بسوريا، قبل النزاع السوري وبعده، فإن فلاديمير بوتين لم يزر دمشق قبلًا، وحين فعل كان توقيت زيارته بعد مقتل سليماني، وشكلها، غير المألوف بالأعراف الدبلوماسية، مثار جدل وإشاعات عن رسائل خفية حملتها.

برأي الصحفي السوري طه عبد الواحد، كانت تلك الزيارة “على عجل”، وتعلق معظمها بالوجود الإيراني وطمأنة إسرائيل بقوة الدور الروسي في سوريا.

وأضاف عبد الواحد في حديثه لـ”صدى الشارع”، أن الزيارة كانت “إعلانًا” روسيًا عن امتلاكها السيادة في الدولة السورية، مع قيام بوتين باستقبال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مقر قيادة مجموعة القوات الروسية في سوريا، أي على أرض روسية، حسب العرف الدبلوماسي.

ومع اختيار بوتين للمحطة السورية قبل لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للحديث عن الأوضاع الميدانية في الشمال السوري، كان ذلك الإعلان مقصودًا لإيضاح مدى السيطرة الروسية على القرار في سوريا لكل الأطراف الإقليمية.

سعي روسيا لإبعاد الدور الإيراني في سوريا، لا يعني سعيها لقطع علاقتها مع إيران بملفات سياسية ودولية أخرى، حسب رأي عبد الواحد، الذي أشار إلى الرغبة الروسية بتعزيز دورها الدولي من خلال لعب دور الوسيط بين إيران والغرب، خاصة مع التصعيد النووي الأخير الذي أعلنت عنه إيران بعد مقتل سليماني، بتجاوز الحدود المسموحة لتخصيب اليورانيوم.

إلا أن علاقة الشد والجذب بين إيران وروسيا “ليست بالجديدة”، حسب وصف اختصاصي إدارة النزاعات ومدير “مجموعة البحث والإدارة”، بسام القوتلي، الذي قال لـ”صدى الشارع”، إن روسيا “لا تحاول الاستئثار بوجودها في سوريا”.

وفي حين تملك روسيا القوة الجوية الأكبر في سوريا، إلا أنها لا تستهين بالوجود الإيراني برًا، خاصة مع إتقان إيران للحرب “غير المتوازنة” أو “حرب العصابات”، التي تجعل من فكرة إبعادها “غير عملية” بالنسبة للجانب الروسي، المهتم بالحفاظ على مكاسبه الاقتصادية أكثر من اهتمامه بالخسائر في صراعه مع إيران، حسب تقدير القوتلي.

ونفى اختصاصي إدارة النزاعات أن يكون لروسيا دور في مقتل سليماني، لأن قائد “فيلق القدس” لم يكن هدفًا للقوات الأمريكية سابقًا قبل محاولة إيران تغيير قواعد اللعبة ومهاجمة مصالح الولايات المتحدة في العراق، من خلال اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، في 31 من كانون الأول 2019.

سوريا بعين روسية وأخرى إيرانية

تختلف الرؤية الروسية عن الإيرانية لمستقبل سوريا، إذ تسعى روسيا لتحقيق الاستقرار السياسي في سوريا، بغض النظر عن دوام حكم آل الأسد والنظام الحالي، حسب رأي الصحفي طه عبد الواحد، “لتجميد الحصاد الاقتصادي من عمليتها العسكرية في سوريا”.

وهذا يجعل من تقليص النفوذ الإيراني هدفًا لها، لما له من آثار مزعزعة في المجتمع السوري، من إثارة النزعات الطائفية، وإحداث التغيرات في بنيته لها تداعيات مستقبلية، حسب تعبير عبد الواحد، الذي أشار إلى أن روسيا “غير معنية” بتلك الأهداف الإيرانية، وغير مرتاحة لنتائجها.

كما لا يعد الوجود الإيراني في سوريا مرحبًا به من قبل الأطراف الإقليمية الحليفة لروسيا، من دول الخليج ومصر وتركيا، لذا فهو لا يخدم باستقرار المنطقة، حسبما قال عبد الواحد.

إلا أن اختصاصي إدارة النزاعات، بسام القوتلي، رأى أن “الفائدة” الروسية تكمن في استمرار الصراع الإيراني- الخليجي، خاصة مع “التخلي الجزئي” لأمريكا عن دول الخليج، ما يعني اضطرار تلك الدول للجوء إلى روسيا.

وقال القوتلي إن إيران ترغب أن تكون طرفًا للحل في سوريا، “لتثبيت مكاسبها”، إلا أن صعوبة ذلك تكمن في عدم تخليها عن حكم عائلة الأسد أو إيجادها بديلًا موثوقًا عنه، لكنها لن تستغني عن مصالحها في سوريا بعدما أنفقته من جهد ومال، دون السعي لمواجهة مع روسيا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل.

إسرائيل شماعة “المقاومة” والصراع “المجمد”

تعلن إيران محاربة إسرائيل كهدف قومي وديني لوجودها وتمددها في سوريا، وتعرضت بسببه للاستهداف مرارًا بالضربات العسكرية الإسرائيلية، وكان مصدرًا للنقد والشجب الأمريكي والغربي بحقها.

ولكن إيران تحافظ على صراعها مع إسرائيل ضمن نطاقات معينة، فيما يعرف بـ”الصراعات المجمدة”، حسب وصف اختصاصي إدارة النزاعات، بسام القوتلي.

كما لا مشكلة لإسرائيل بالوجود الإيراني التام في سوريا، إلا أنها تحمل تخوفًا من اقترابها إلى حدودها الشمالية، حسبما قال القوتلي، إذ إن استمرار الصراع السني- الشيعي يصب في المصلحة الإسرائيلية، مع إلهاء أطرافه بعيدًا عنها، وإتاحته الفرصة لها للتحالف مع طرف دون آخر.

ومن جانبه وصف الصحفي طه عبد الواحد، الصراع الإيراني- الإسرائيلي بـ”المعضلة” أمام الروس، إذ إن استغلال إيران لشعارات المقاومة وتحرير القدس لتوسيع نفوذها والتمدد جنوبًا في سوريا “لتقوية موقفها التفاوضي مع الغرب”، الداعم لإسرائيل، “أربك روسيا” التي باتت مضطرة لطمأنة إسرائيل على الدوام لضمان أمنها عبر الأراضي السورية.

مرحلة جديدة ما بعد سليماني؟

يرى الصحفي السوري طه عبد الواحد أن المؤشرات التي يحملها النزاع السوري اليوم، بعد مقتل قاسم سليماني، تدل على تغيير في توازن قوى الدول الحليفة للنظام، مستشهدًا بمعلومات عن تشكيل وحدات في الجيش السوري ذات صلة مباشرة بروسيا، وتزايد الاستياء الشعبي من إيران ومشروعها الطائفي، بعد أن “أيقظت” الاحتجاجات في لبنان والعراق ضد الوجود الإيراني وعي الشعب السوري بضرورة طردها.

بدوره نفى اختصاصي إدارة النزاعات، بسام القوتلي، أن يكون لمقتل قائد “فيلق القدس” أثر واقعي، يتجاوز الأثر “الرمزي” الذي بُني له، من وصفه بالبطل الجريء القادر على تحقيق أهداف إيران ومنحه هالة من القدسية، تلاشت ودُمرت مع الصاروخ الأمريكي، مع ما تملكه إيران من قادة آخرين قادرين على القيام بدوره.

ولن يتعدى اختلاف النهج الإيراني في سوريا، حسب رأي القوتلي، سوى بالالتزام بالخطوط الحمر الأمريكية، من الابتعاد عن مصالح الولايات المتحدة وعدم جلب صواريخ متطورة إلى سوريا ولبنان.

تتمثل مشكة إيران الرئيسة حاليًا، بالمظاهرات الداخلية وتردي الوضع الاقتصادي، لذا فهي تلجأ لتصدير مشاكلها وخلق صراعات خارجية، وأشار القوتلي إلى وجود تحليلات ترمي مسؤولية مقتل سليماني على إيران دون غيرها، لما قد يخدمها مقتله بقمع الثوارت الداخلية.

واعتبر القوتلي أن النفوذ الإيراني سيبقى على حاله رغم التطورات الأخيرة، مع فشل المحاولات الأمريكية لخلق الصدام الروسي- الإيراني حتى الآن.


أعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة

مقالات متعلقة