نقد جريء لمحددات الشعر وآفاقه

مهمة الشاعر في الحياة

tag icon ع ع ع

مهمة الشعر هي التقرب من “المثل الأعلى” بنزعة كمالية تتطلب صدق الإحساس، وعمق التأمل، وبراعة التصميم. هذا ما حدده الناقد المصري الجريء، سيد قطب، وهو يحاضر، عام 1932، في دار العلوم في القاهرة.

لم يتوانَ الشاب ذو 26 عامًا عن طرح أفكاره، متوغلًا في تحديد ما للشاعر من صفات، وما للشعر من مقومات، رفع بها من شأن عدد من شعراء جيله الشباب المعاصرين على حساب من يعتبرون عمالقة عصره ومتقدميه في هذا المجال.

كتابه هذا قليل الصفحات، لكنه زاخر بالمعاني، قوي الخطاب، باعث على التفكير والنقاش، ابتدأه بالتعريف بأنه مجهود ضئيل أُعد ليكون محاضرة، وحدد أن أهم ما فيه هو اقتناعه بكل ما حمله من آراء وأحكام.

آراؤه وأحكامه قد تثير الكثير من النقد بدورها، وقد يتفق معها القارئ أو يختلف، إلا أن تميزها قد يكون سبيلًا للمغفرة، وهذا ما دفع أستاذه مهدي علام للإصرار على تقديم الكتاب مادحًا إياه: “أقول اليوم وبعد أن سمعت محاضرته إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورًا”.

كما عقب الأستاذ بمخالفته لقسوة طالبه على شاعر كبير كـأحمد شوقي، ضمن ما قدمه من نقد للذوق والوصف وتناسق الأخيلة، وهو ما لم يواريه سيد في صفحاته بل أكد عليه وشدد، مستنكرًا التسليم بجمال الشعر لشهرة الشاعر.

الشاعر، في عيني سيد، يحمل أحاسيس أعمق من أحاسيس الفيلسوف، ورؤية أدق من مدارك الجماهير، وتعابير أسمى من أوصافهم. يفيض شعره من صدق المشاعر لا من تصنعها.

ويشترط على تراكيبه وحدة الأفكار، واتساق المعاني، والذوق الرفيع، مع تحديد مفهوم مهمته الأدبية بالقول إنها “صلة بين الإنسان القاصر والطبيعة المحجبة، التي تدق على الأفهام، فينبعث الخيال ليقرب هذه الحقيقة”.

شخصية الشاعر، بحسب الكتاب، يجب أن تكون واضحة، مؤثرة، وهي انعكاس لروح العصر، دالة عليه، وفي عرض سيد لأعمال معاصريه، عقب على سوداوية أفكارها، وكآبة أبعادها، بكونها مرآة لواقع الأمة.

وأضاف الكاتب، “كل ما في البلد جدير بالشكوى، وكل ما فيها يلذع بالألم، وإن التألم والشكاة، لدليل عدم الرضا، ودليل السعي لتغيير هذه الحال، وتلك عدتنا للمستقبل، وأملنا الوحيد للإصلاح المنشود”.

شخصية الشاعر والذوق الشعري المستساغ لدى الكاتب قد لا يكون مقنعًا، إلا أن للكتاب بعدًا آخر يتمثل بتقديمه لمحة فريدة لشخصية مؤلفه، الذي يعد واحدًا من أبرز شخصيات القرن العشرين.

سيد قطب، الكاتب والشاعر والمنظر الإسلامي، قاد بفكره أجيالًا من الشباب بمؤلفات تعددت من المقالات إلى الروايات والكتب الأدبية والفكرية الإسلامية والاجتماعية، وكانت منارةً لأهم الحركات الإسلامية العربية في العصر الحديث.

ولد في أسيوط عام 1906، درس في دار العلوم في القاهرة وحصل على شهادة في فن التعليم عام 1933، سار في عالم الأدب والنقد إلى أن توجه لحركة الإخوان المسلمين متبحرًا في الفكر الإسلامي، الذي قاده للسجن والتعذيب، وحتى الإعدام عام 1966.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة