تحييد المدنيين أولًا
عنب بلدي – العدد 90 – الأحد 10/11/2013
لا شكّ أن المتأمّل بحال الثورة السورية سيدرك بقليل من التفكير أنها تمرّ بمرحلة جديدة وخطرة، تختلف عن كل ما سبقها..
ربما يجوز لنا أن نسميها مرحلة «الفرّ» بعد مرحلة «الكرّ» والتقدم للجيش الحر في الفترات الماضية، ليس الأمر تشاؤمًا بقدر ما هو تحليل لمعطيات على الأرض بدأت من استرجاع النظام للقصير في حمص، العتيبة في ريف دمشق، السفيرة في حلب، ومؤخرًا السبينة في دمشق، كنقاط ذات أهمية استراتيجية قصوى لتلك المناطق..
كرٌّ وفرّ، مفردات طبيعية للحروب، والحروب -كما نعلم- سجال، لكن ماذا عن حال المدنيين في أتونها؟ وأيّ ظروف يعيش الإنسان في وطن صار جبهة قتال مستمرّ؟
للأسف فإنّ سيناريو المعاناة تكرّر في كثير من المناطق على الخريطة السوريّة، يحرّر الجيش الحرّ بلدة، فيحاصرها النظام ويمنع عنها قوت يومها «الذي لازال متحكّما به»، صمود صمود صمود، ثمّ صمود جائع، ثم صيحات جوع تطالب بتدخّل فوريّ، ثم انسحاب للجيش الحرّ، استعادة النظام للمنطقة، استخدام المدنيين كدروع بشرية من قبل النظام، ارتفاع معنويّات صفوف النظام بـ «نصر» جديد، وتمترس الجيش الحر ببلدة أخرى تكرر ذات المأساة الإنسانية.
لم تحوّلت الثورة إلى هذا النمط الجغرافيّ فجأة؟ ولمَ صارت قوّة أيّ من الطرفين تقاس بمساحات على الأرض يحكمها أي منهما؟
هذا التغيّر المفصلي في «نوعية» الثورة جعل الأنظار تتجه بعيدًا عن أهدافها الأولى -الحرية-الكرامة-إسقاط النظام..
وجعلنا نفرح بعدد الانتصارات، دون أن نعي حقيقة هامّة، أن تحرير أي منطقة مهما كانت مساحتها وأهميتها دون تأمين مصدر غذائي مستقل عن «مخصصات» الطحين والخبز والمياه والكهرباء والوقود من النظام، هو ضرب من الوهم.
هذا ما أثبتته التجارب واحدة تلو الأخرى.. هذا هو مصدر الخوف اليوم في الغوطة الشرقيّة، بكل بلداتها ومدنها.. مع تجويع وحصار جعل المصدر الغذائي الوحيد للبشر هو «أعلاف الحيوانات»! حالات وفاة شبه يوميّة بسبب الجوع، فماذا ننتظر لنقرع ناقوس الخطر؟ وما الذي ننتظره لندعو الجميع لتحييد المدنيين -في كل مكان- عن الحرب وويلاتها؟
تحدّثت قنوات النظام عن «طريق السلامة» بفتح حاجز مخيم النازحين لأيام معدودة يخرج فيها «الشرفاء» من أهالي الغوطة، لكنّ من ذا الذي يصدّق كلام من لا ذمّة ولا أمانة له؟
برأيي، فإن الواجب على الجيش الحر في الغوطة الشرقيّة فعله لتجنيب الناس ويلات الجوع والبرد والتصعيدات العسكرية القادمة، هو القيام بمفاوضات مع النظام هدفها إجلاء أكبر عدد من المدنيين «النساء والأطفال والشيوخ على الأقل» بشكل مضمون لا خديعة فيه يشرف عليه طرف ثالث كالهلال الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية.. فالأعداد الكبيرة الموجودة في الغوطة لا تنذر بخير أبدًا ما دام الحصار على حاله، والتخفيف من هذا الزحام السكانيّ يعني توفير القوت القليل الباقي لمن سيبقى في الداخل من جيش حر وعائلاتهم.
بشكل مشابه تمامًا، ينبغي تحييد المدنيين في دمشق عن أي صراع، استهداف المناطق الأمنية بقذائف الهاون لا يعني التفريط بأي مدنيّ يمشي في الشارع… أي روح تزهق بتفريط ما سنحاسب ﻷجلها جميعًا.
نشأ الجيش الحرّ ليحمي المدنيين ومظاهراتهم، وينبغي أن يبقى كذلك!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :