تكتيكات صامتة في إدلب.. الروس يحضّرون لاصطياد “الدرون”

تخريج دفعة مقاتلين جديدة من معسكرات الإعداد والتدريب في "الجبهة الوطنية للتحرير" - 1 تموز 2020 (عنب بلدي/يوسف غريبي)

camera iconتخريج دفعة مقاتلين جديدة من معسكرات الإعداد والتدريب في "الجبهة الوطنية للتحرير" - 1 تموز 2020 (عنب بلدي/يوسف غريبي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

هدأت الجبهات وتوقفت المعارك في إدلب مع دخول الاتفاق الروسي- التركي حيز التنفيذ، في 5 من آذار الماضي، لكن قصف قوات النظام للمناطق القريبة من خطوط التماس لم يتوقف، كما شهدت مناطق جنوب إدلب عدة عمليات عسكرية محدودة.

وثّق فريق “منسقو استجابة سوريا” 1064 خرقًا لوقف إطلاق النار (الذي نص عليه اتفاق موسكو)، من قبل قوات النظام وروسيا، تشمل الاستهداف بالقذائف المدفعية والصاروخية والطائرات المسيّرة والطائرات الحربية الروسية في عدة مناطق بإدلب وحماة وحلب، ما أوقع 18 قتيلًا من المدنيين بينهم خمسة أطفال.

قصف النظام لمناطق المعارضة وشنه هجمات على خطوط التماس بإشراف وقيادة القوات الخاصة الروسية، قوبل بقصف المعارضة لمنصات إطلاق الصواريخ وأماكن تمركز النظام والميليشيات الرديفة، بحسب ما قاله المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، ناجي مصطفى، لعنب بلدي.

لكن النظام وروسيا لم يكتفيا بالهجمات وذهبا إلى أبعد من ذلك، بإجرائهما تدريبات للطيارين بالذخيرة الحية تحاكي الواقع، معظمها كان في سماء مناطق سيطرة المعارضة.

تدريبات جوية لمعركة المستقبل.. تكتيك روسي- سوري جديد

تسلّمت قوات النظام السوري، في 31 من أيار الماضي، الدفعة الثانية من مقاتلات “MIG-29” الروسية الصنع، وبدأ طيارون سوريون بتجريبها، في 4 من حزيران الماضي، في إطار التعاون التقني بين روسيا وسوريا، حسب السفارة الروسية في دمشق.

ووثقت عدسات الناشطين في شمالي سوريا عدة تدريبات للطيران في سماء مناطق سيطرة المعارضة، اُستهدفت خلالها أهداف جوية، دون أي استهداف لأهداف أرضية.

الملمح الوحيد الواضح باستقراء بعض المعطيات الخارجية، دون وجود بيانات دقيقة، يظهر أن تدريب روسيا على طائرات “MIG-29” كان لاصطياد الطائرات دون طيار (الدرون)، بحسب ما يراه النقيب الطيار المتقاعد عبد الناصر العايد، في حديثه إلى عنب بلدي.

“MIG-29” طائرة اعتراضية، مهمتها صد هجمات الطائرات جوًا، وليس لديها مهمات قذف، لأن قوات النظام السوري لديها ضعف في هذا الجانب، وبالأساس لا توجد قدرات كبيرة لاعتراض الأهداف الجوية، فكيف إذا كانت صغيرة كـ”الدرون”، حسب العايد.

ولم يكن لدى النظام السوري اهتمام بهذه العمليات خلال السنوات العشر الماضية، وكرّس إمكانياته للطيران القاذف، لاستهداف مناطق المعارضة بقصف الأهداف الأرضية.

وبحسب العايد، لا يريد النظام السوري تطوير هذا الجانب بسبب الاحتمالات بمواجهة الطيران التركي المسيّر فقط، فهي معركة المستقبل بالنسبة له، إذ إن كل التنظيمات (بما فيها الصغيرة) صار بإمكانها امتلاك طائرات “درون”، وهو ما دفع النظام إلى شراء طائرات “MIG-29” رغم الضائقة المادية والوضع الاقتصادي المرتبك.

ورجح العايد تدعيمها بتجهيزات خاصة لاصطياد “الدرون”، وعلى الأغلب فرز النظام السوري 12 أو 13 طيارًا ليتدربوا على هذه العمليات، لذلك يجب أن تكون لديهم طلعات تدريبية مشابهة وتحاكي الواقع.

الفصائل تدرّب مقاتليها

خرّجت فصائل المعارضة عدة معسكرات تدريبية لعناصرها خلال الأسابيع الماضية من “باب الاستعداد” ورفع الجاهزية وإعداد المقاتلين، ورفع كفاءتهم القتالية، وزيادة القدرة على التصدي لمحاولات تقدم قوات النظام أو أي سيناريو يمكن أن تتخذه، حسب المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، ناجي مصطفى.

وكانت التدريبات مركّزة ومكثّفة لتدريب المقاتلين على أجواء القتال وظروف المعركة، إضافة إلى تدريبهم على تكتيكات خاصة ونوعية لتفادي الضربات الجوية الروسية.

كما أعلنت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ في إدلب، تخريج عدة دورات عسكرية لمقاتليها، منها دورات رفع مستوى، وتخريج أكبر دفعة من مقاتلي قوات النخبة “العصائب الحمراء” في أيار الماضي.

تكتيك جديد على الأرض بمشاركة القوات الخاصة الروسية

في 24 من حزيران الماضي، أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير” تصديها لهجوم قوات خاصة روسية على محور بينين في جبل الزاوية جنوب إدلب، ورغم إفشال هجومها، نعى فصيل “صقور الشام” (المنضوي في الجبهة) أربعة من مقاتليه نتيجة الهجوم.

وأوضح ناجي مصطفى لعنب بلدي أن قوات النظام حاولت سابقًا التسلل خاصة على محاور قرى بينين وحنتوتين وسهل الغاب، لكنها هذا الهجوم كان الأول للقوات الخاصة الروسية بعد توقيع الاتفاق الروسي- التركي، في 5 من آذار الماضي.

في اليوم التالي أيضًا، شنت القوات الخاصة الروسية، مدعومة بـ”الفيلق الخامس” المشكّل روسيًا، هجومين متتالين على محاور جبل الزاوية، لكن الفصائل أفشلت الهجوم وأوقعت قتلى وجرحى من القوات المهاجمة، وتبع ذلك إعلان الفصائل إفشال عدة محاولات تقدم حسب مصطفى.

ولا يصدر أي تعليق من قوات النظام أو روسيا حول هذه العمليات العسكرية.

واعتبر النقيب الطيار المتقاعد عبد الناصر العايد أن عمليات الروس جنوبي إدلب تمهيد وتذكير بأنها ستسيطر على منطقة جنوب الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4)، وهذا “لا نقاش عليه”.

ويمكن أن تكون هذه العمليات تدريبية، أو لمنع إنشاء “استحكامات” متينة أو نقاط استناد قوية في خطوط دفاع المعارضة يصعب تجاوزها لاحقًا.

العايد استبعد بدء الروس عمليات واسعة، إضافة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة أو عمل عسكري واضح خلال المرحلة الحالية، لكن من الناحية الاستراتيجية يريد الروس السيطرة على جنوب “M4” وجزء من شماله لتأمينه، والأيام المقبلة ستكشف كيفية تنفيذ الاتفاق الروسي- التركي، سواء بالاتفاق مع الأتراك أو الفصائل أو عبر عملية عسكرية، حسب العايد.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال، في 10 من آذار الماضي، إن جنوب “M4” سيخضع للرقابة الروسية وشماله سيكون تحت رقابة الأتراك، وذلك في إطار توضيح أحد بنود الاتفاق الروسي- التركي.

هل طوّرت المعارضة نفسها؟

استخدمت القوات الروسية منذ تدخلها إلى جانب النظام، في أيلول 2015، أسلوب الأرض المحروقة ضد المعارضة، واستهدفت كل شيء في مناطقها، من المدارس والمشافي والقرى والمدن والأسواق وحتى مخيمات النزوح، ما شكل ضغطًا على الفصائل العسكرية يضاف إلى الهجمات الموسعة على نقاط التماس.

واستخدمت روسيا بعض الأسلحة التكتيكية خلال معاركها الأخيرة، منها مناظير الرؤية الليلية المتطورة جدًا، التي أُضيفت إلى عناصر المشاة والقناصين، وأجهزة استطلاع عبر طيران “الدرون”.

ورغم قدرات فصائل المعارضة المتواضعة، استخدمت تكتيكات معاصرة ومخصصة لمقاومة تكتيكات الروس، خاصة خلال محاولات التسلل، حسب النقيب ناجي مصطفى.

وأوضح قائد ميداني في فصيل “صقور الشام” المنضم إلى “الجبهة الوطنية”، معروف بـ”أبو داود”،  أن عمليات الروس تجري عبر مجموعات روسية مدربة تدريبًا عاليًا تخترق خطوط التمركز من الخلف، بتغطية مكثفة من طيران الاستطلاع، اعتمادًا على المناظير الحرارية والقناصات الليلية البعيدة المدى.

لكن بعد عدة عمليات للقوات الروسية ودراسة خطط تقدمها، دربت فصائل المعارضة مقاتلين استطاعوا صد محاولات الروس، حسب القائد الميداني “أبو داود”.

كما نصبت قوات المعارضة عدة كمائن ليلية تساعد على كشف تسلل القوات المعادية، وزُودت بقناصات حرارية، إضافة إلى عناصر مدربين في الخطوط الخلفية، مهمتهم الانقضاض على قوات العدو خلال التسلل.

وتقصف قوات النظام بشكل مكثف نقاط التماس مع كل محاولة كشف وتصدٍّ، إضافة إلى رمي طائرات “الدرون” قنابل على أي هدف متحرك، حتى تستطيع القوة المهاجمة سحب القتلى والمصابين، إذ لم يسيطر النظام بكل هذه المحاولات على أي مناطق منذ اتفاق “موسكو”.

استطاع النظام السيطرة على مناطق واسعة بعد العمليات العسكرية التي أطلقها في نيسان 2019، باعتماده على الحشد الكبير للقوات العسكرية لتشتيت قوة فصائل المعارضة على الجبهات كافة، ثم اعتمد على القصف المكثف خلف الخطوط الأولى والثانية لإفراغ المنطقة من المدنيين، واستهدف أي شيء متحرك مع بدء الحملة العسكرية ضمن مسافة ثمانية كيلومترات خلف خطوط المواجهة، حسب قائد عسكري ميداني (تحفظ على ذكر اسمه) في حديثه إلى عنب بلدي.

لكن حرب الروس والنظام وتكتيكهم اعتمد بشكل أكبر على أسلوب الالتفاف (السيطرة على نقطة مقابل سقوط منطقة كاملة)، وهي سياسة جديدة لم تستطع فصائل المعارضة التعامل معها، ولم تمتص الصدمة حتى خسرت مناطق واسعة، إضافة إلى اعتماد الطيران الروسي على صواريخ ذكية وأسلحة متطورة أخرى.

وأشار القيادي إلى أنه عادة قبل بدء الحملة العسكرية بـ15 يومًا، يبدأ التمهيد العشوائي للنظام وروسيا بقصف من الطائرات المروحية بالبراميل، تتبعه ثلاثة أيام من التمهيد بالطيران الحربي الدقيق، الذي يستهدف المقرات والنقاط والخطوط الأخرى، ومع بداية الحملة تقطع طرق الإمداد بالقصف المكثف والاستطلاع في الجو.

واتبع كل من النظام السوري وروسيا في السابق أسلوب الاستطلاع بالقوة (أسلوب تسللات لكشف نقاط تمركز المعارضة، وطرق الإمداد، خاصة الليلية منها، لخرق الترددات والقوة الموجودة في النقطة العسكرية)، لكن حاليًا لا يمكن المراهنة على السياسة الجديدة التي سيتبعها النظام، حسب القائد العسكري.


أسهم ببناء هذه المادة مراسل عنب بلدي في إدلب يوسف غريبي



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة