“تجارة الاعتقال”.. تحقيق استقصائي لصحفي سوري يفوز بجائزة “سمير قصير”

الصحفي السوري سلطان جلبي (تعديل عنب بلدي)

camera iconالصحفي السوري سلطان جلبي (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

فاز تحقيق “تجارة الاعتقال في سجون ومعتقلات النظام السوري” للصحفي السوري سلطان جلبي، بجائزة “سمير قصير لحرية الصحافة” عن عام 2021، لفئة التحقيقات الاستقصائية.

وفي 1 من حزيران الحالي، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، بالتعاون مع مؤسسة “سمير قصير”، نتائج الدورة السادسة من الجائزة، خلال برنامج تلفزيوني بثته قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال “LBC”.

ويتمحور التحقيق الذي أُنجز ضمن مشروع “سوريا في العمق” بالتعاون والشراكة مع المنظمة الدولية لدعم الإعلام (IMS)، ومؤسسة “الجارديان فاونديشن”، وموقع “حكاية ما انحكت”، حول مساومة المنظومة الأمنية للنظام على مصاير المعتقلين، والمتاجرة بحريتهم.

ما منهجية ونتائج التحقيق؟

التحقيق اعتمد على تقصي حالات 100 مواطنة ومواطن سوريين داخل وخارج سوريا، ممن تعرضوا للاعتقال أو الإخفاء القسري في سجون ومعتقلات النظام، عبر التواصل مع معتقلين سابقين، أو ذوي معتقلين حاليين، أو ذوي متوفين.

شملت العيّنة 32 شخصًا اعتقلوا على خلفية المظاهرات، مقابل 19 حالة اعتقال عشوائي، و17 حالة اعتقال بسبب ممارسة العمل السياسي، يليها العمل الميداني بـ16 حالة، في حين شكّل عناصر سابقون في “الجيش الحر” 12 حالة من عيّنة البحث، مقابل أربع حالات اعتقال بسبب ممارسة العمل الإعلامي.

وكشف التحقيق وجود سوق، عرّابوها عاملون في الأجهزة الأمنية والقضائية التابعة للنظام، تمارس تجارتها عبر وسطاء ومحامين، لتبيع ذوي المعتقلين معلومات عن معتقليهم، أو حريتهم، وكل بسعره.

85 عائلة ضمن العيّنة تعرضت للابتزاز المالي، أو طُلب منها دفع مبالغ لفعل شيء لمحتجزيهم، و75 عائلة دفعت ما مجموعه 160 دفعة مالية عبر وسطاء أو بشكل مباشر، إلى عاملين في القضاء والأمن، بمعدل يتراوح بين دفعة وسبع دفعات مالية.

وتراوحت الدفعات المالية المدفوعة بين خمسة آلاف وثمانية آلاف دولار، ما يجعل وسطي تكلفة المعتقل أو المختفي قسرًا من العائلات الـ75 التي دفعت فعلًا، أكثر من عشرة آلاف دولار.

وتذهب 42% من هذه المبالغ في سبيل معرفة مكان المفقود، و24% منها بغرض إخلاء سبيله، بينما تنوعت أغراض الدفعات المالية الأخرى بين تحويل الشخص إلى المحكمة، وتغيير مسار الدعوة القضائية، والزيارة والتحويل إلى السجن المدني، واستصدار حكم بحق المعتقل.

ويشرح التحقيق مراحل التجارة من لحظة اعتقال الشخص، أو إخفائه، باعتبار أن عائلة واحدة من العيّنات المئة تلقت بلاغًا مكتوبًا أو شفويًا عن موقع الاعتقال.

وتلقى 39 من المعتقلين تهمًا متعلقة بالإرهاب، ثم التعامل مع جهات خارجية لـ13 حالة، وعشر حالات للتظاهر دون ترخيص، بالإضافة إلى خمسة معتقلين تلقوا تهمًا جنائية، وثلاثة أشخاص اتهموا بنشر أنباء كاذبة وتحقير رئيس الدولة، في حين اتهم معتقل واحد باقتطاع أجزاء من الأراضي السورية وإلحاقها بدولة أجنبية.

ويلفت التحقيق إلى الأجهزة الأمنية الضالعة في عمليات الاعتقال والإخفاء القسري، التي كان نحو نصفها على يد فرعي “الأمن العسكري” و”الأمن الجوي”، بنسب متفاوتة، فيما تقاسم جيش النظام والميليشيات التابعة له و”الأمن الجنائي”، و”الأمن السياسي”، و”أمن الدولة”، 52 حالة من عيّنة البحث.

ووفقًا للتحقيق، تصدّر ضباط الأمن قائمة المستفيدين من الدفعات المالية التي قدّمها ذوو المعتقلين، ثم تبعهم القضاة، ثم المسؤولون في أجهزة النظام.

ووفقًا للتقديرات التي نشرها التحقيق، فقد تراوحت قيمة تجارة الاعتقال بين عامي 2011 و2019، بين أكثر من مليار دولار، ونحو ملياري دولار.

ظروف العمل

الصحفي السوري سلطان جلبي، تحدّث إلى عنب بلدي عن ظروف العمل على تحقيقه الاستقصائي.

وقال جلبي، إن فكرة العمل على التحقيق ظهرت أواخر عام 2012، بعد خروج صديقه من المعتقل ليروي قصص وظروف الاعتقال، ويفصح عن تقديمه أربعة ملايين ليرة سورية ثمنًا لخروجه من المعتقل.

ويرى جلبي أن هذه التجارة التي تمارسها أجهزة النظام قائمة على عمل منهجي، وليست مشكلة مسؤول فاسد فقط، لا سيما بعد تكرار أسماء شخصيات عاملة في القضاء والأمن، خلال جمع المعلومات.

وضع الصحفي منهجية استقصائية لمعرفة حجم هذه التجارة، وآلية رصد حالات وعيّنة للبحث، أمام تخوف الناس من الحديث للصحافة حول موضوع الاعتقال، لا سيما في الحالات التي لا يزال فيها المعتقل في قبضة أجهزة الأمن.

ويعتبر سلطان جلبي تجارة النظام بالمعتقلين إعادة توزيع دخل من المعارضة إلى النظام عبر وسطاء، في ظل معاشات شهرية بخسة يتقاضاها ضباط الأمن والقضاة، ما يفتح الباب أمامهم لتمرير صفقات من هذا النوع برضا ضمني من النظام.

وقال جلبي، “خلال العمل على التحقيق اكتشفتُ فداحة الجريمة التي تحصل، فالنظام يصوّر المعتقلين باعتبارهم خارجين عن القانون، لكن الحقيقة أن هناك مجموعة حاكمة تحاكم وتحاسب من يعارضها باسم القانون، وهي ليست دولة تحاسب مواطنيها”.

وأضاف أن النظام يتعامل مع المعتقلين على أنهم رهائن بيده، وحتى لو قدّم تنازلات سياسية فلن يقدم تنازلات في ملفهم، إذ يسعى إلى خلق رهاب الاعتقال لتخويف الشعب وإسكاته.

وأشار جلبي إلى وجود اتفاق ضمني بين قادة وضباط الأفرع الأمنية للاغتناء، عبر انتهاك حقوق الناس، وخلق اقتصادات للاعتقال والسمسرة، عبر فتح قناة مالية يستفد منها كبار المسؤولين في جهازي الأمن والقضاء، عبر شبكة من الوسطاء.

وبرأي الصحفي، فالنظام يحتفظ بأكثر المعتقلين خطورة عليه، مثل قادة الحراك المدني، مشيرًا إلى خروج بعض المعتقلين من سجونهم ومغادرة البلاد، واختفاء بعض آخر داخل السجون، وهؤلاء خسارة للحراك والثورة السورية.

وعن الجهود الدبلوماسية والحقوقية في قضيتهم، يؤكد سلطان جلبي أن النظام يرفض بشكل قطعي البحث في موضوع المعتقلين، إذ يشكل ملفهم بالنسبة له خطًا أحمر، وليس بصدد حتى الاعتراف بوجودهم في سجونه، فهو لا يخاف على صورته السياسية التي صارت مكشوفة أمام المجتمع الدولي.

ويعتقد أن حل قضية المعتقلين مرتبط جدًا بالتغيير السياسي في سوريا، والوصول إلى دولة قانون، دون أفرع أمنية مطلقة السلطة والصلاحيات والتحكم بمصاير الناس.

أكثر من 149 ألف معتقل

ووفقًا لتقرير أصدرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة، فقد بلغ عدد المعتقلين والمختفين قسرًا في سوريا أكثر من 149 ألفًا، بينهم خمسة آلاف طفل، وأكثر من تسعة آلاف امرأة.

وحمّلت “الشبكة” النظام المسؤولية عن 88% من مجموع المعتقلين والمختفين قسرًا، كما وثق التقرير مقتل أكثر من 14 ألفًا تحت التعذيب في سوريا.

وفي عام 2013، انشق ضابط سوري عن صفوف قوات النظام حمل اسمًا مستعارًا (قيصر)، واستطاع تسريب صور أكثر من 50 ألف صورة لجثث معتقلين قُتلوا تحت التعذيب في المستشفى “العسكري”، حيث كان مكلفًا بتصويرهم لحفظ الصور في ملفاتهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة