مظاهرات الشمال السوري.. دعاء الثورة الذي لا يتوقف

camera iconمظاهرة في مدينة إدلب - 7 تشرين الأول 2021 (عنب بلدي \ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

بما يمكن تشبيهه باللقطات السينمائية التي يتصدّر البطل فيها الكاميرا ليقدم انفعالات إنسانية قد تصل إلى حد التناقض، حمل “أبو رأفت” علم الثورة السورية في مظاهرة خرجت في عفرين، شمالي حلب، مطلع تشرين الثاني الحالي، ليرقص ويغني للثورة السورية، قبل أن يبكي واقعها بين لافتات تحمل منذ سنوات طويلة المطالب نفسها دون أن تتكلّل الآمال الثورية بالتحقق.

ومع سيطرة النظام على مساحات واسعة كانت شوارعها ميادين للتظاهر، تحوّلت مناطق شمال غربي سوريا إلى متنفس المعارضين، في استمرارية للمطالب التي نادى بها الشعب السوري منذ عام 2011، وبكى لأجلها “أبو رأفت” عام 2021.

وشكّلت المظاهرات الأحرف الأولى من أبجدية الثورة السورية، فرغم بداياتها الخجولة، سرعان ما تحولت إلى سيل بشري عارم في مختلف المدن، للمطالبة بإسقاط النظام، وبقيم الحرية والكرامة والعدالة.

وخلال الحراك الثوري، حمل يوم الجمعة في سوريا رمزية أخرجته من سياقه العام، فصار بعيون المعارضين يومًا ذا اسم آخر يحمل بعد صلاته أصواتًا تنادي في سبيل واقع مختلف، في الوقت الذي تعامل به النظام مع اليوم نفسه بحذر أمني مفرط انعكس على الأرض بصورة قمعية، دون نتيجة، فتعذُّر التظاهر في شارع ما، أو بعد الخروج من جامع ما، كان يعني بالضرورة أن سوريين في شارع آخر يتظاهرون ضد النظام.

“الإنسان الثائر بحد ذاته مظاهرة”

“أخرج بشكل متكرر في المظاهرات لإيصال صوتي إلى العالم، ولأقوم بواجبي تجاه الثورة”، هكذا يعبّر فراس سراقبي، وهو مهجر سوري من محافظة حماة، يقيم في مدينة الباب، عن الهواجس الثورية التي يحملها في ظل تراجع الحراك الثوري المدني في سوريا، أمام اقتراب الثورة السورية من عامها الـ11.

يؤمن فراس بجدوى التظاهر، ويؤكد في حديث إلى عنب بلدي نيته الاستمرار بالتظاهر، على أمل أن “تؤتي أكلها”، موضحًا أن ما يفعله حق مشروع لإيصال صوته بأن الشعب السوري موجود وصابر وصامد حتى إسقاط النظام.

وتكفل العديد من الاتفاقيات الدولية حق التظاهر للإنسان، ومنها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1950، لا سيما المادة الـ”9″، والمادة الـ”11” منه، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1966، لا سيما المواد من “18” وحتى “22”.

ومع تراجع السيطرة العسكرية للمعارضة على الأرض، لمصلحة تقدم النظام مدعومًا بحليفه الروسي، وفي ظل حالة الإنهاك الاقتصادي التي يعاني منها السوريون، جراء انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار، وتجلي الآثار الاقتصادية للسنوات العشر الأخيرة، انحسرت المظاهرات على مستوى المناطق والأعداد، وتنوعت أغراضها وغاياتها والرسائل التي حملتها، والشعارات التي نادت بها، لكنها مستمرة.

إبراهيم الزير، يعرف نفسه على أنه “ناشط ثوري”، يرى أن أقل ما يمكن تقديمه مقابل ما قدمه الشهداء والمعتقلون خلال الثورة، هو المظاهرات السلمية.

ومن الضروري، وفق إبراهيم، الخروج كل يوم وكل جمعة لتسليط الضوء على قضية الثورة التي تعني الشهداء والمعتقلين والوضع الإنساني في الشمال السوري، باعتبار أن المظاهرات السلمية وسيلة للتعبير عن الغضب الشعبي من النظام، ولتذكير العالم بعدالة القضية السورية وشرعية مطالبها.

ويبدو بوضوح تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري، على حساب مناقشة قضايا ومواضيع تفصيلية في الملف نفسه، كالمساعدات الإنسانية، وجولات اللجنة الدستورية، والمسارات السياسية التي لم تقدم للسوريين أي نتيجة على الأرض بعد سنوات من انطلاقها.

المنشد الثوري قاسم جاموس، يرى أن استمرار المظاهرات برهان واضح على استمرار الثورة، وعدم إمكانية “انطفائها أو استسلامها”، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن شرارة الثورة السورية كانت عبر مظاهرات هتف خلالها الشعب الثائر بأهدافه وشعاراته وتطلعاته.

وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضح قاسم أن تأثير الجغرافيا على المظاهرة، والمقارنة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، مغلوطة من حيث المبدأ، باعتبار أن الثورة السورية انطلقت من بيوت السوريين حين كان النظام يفرض سيطرته على كل الأراضي السورية، و”الإنسان الثائر بحد ذاته مظاهرة ورفض بمعزل عمن يشارك أو لا يشارك بها”.

وأكد قاسم أن من فقدوا ذويهم تحت القصف أو أبناءهم في المعتقلات لن تتوقف مظاهراتهم.

وحول قدرة المظاهرات في الشمال السوري على استقطاب الشارع للمشاركة والانخراط في الحراك الثوري المدني، لفت قاسم إلى أن مصطلح الاستقطاب ربما ينطبق على الأشهر والسنوات الأولى من عمر الثورة، في سبيل جذب أكبر شريحة أو أكبر عدد ممكن من الناس للتعرف إلى الثورة بصورتها الحقيقية، لا كما صوّرتها الرواية الرسمية للنظام.

واليوم الوضع مختلف، كما يراه قاسم، باعتبار أن الملف السوري صار واضحًا ليس أمام السوريين فحسب، بل وأمام المجتمع الدولي أيضًا، وما يتعرض له السوريون من قتل وقصف وتدمير وتهجير، يجري على مرأى ومسمع العالم كله، فلا حاجة إلى الاستقطاب طالما أن هناك اتفاقًا ضمنيًا على المبدأ والهدف.

وبالحديث عن أسباب ضعف المظاهرات اليوم، وانخفاض قدرتها على التأثير الثوري أو على بعض القادة العسكريين ضمن صفوف المعارضة، لفت قاسم إلى ما اعتبره تشرذمًا في الرأي، وعدم العمل تحت سقف واحد جامع، فمظاهرات السنوات الأولى من الثورة كانت تسير على خط موازٍ للعمل العسكري الثوري، وقادرة على استقطاب الرأي العام الدولي والاهتمام العالمي، لكن مظاهرات اليوم تفتقر للطابع الحماسي الموحد.

قاسم جاموس، الملقّب بـ”صدى حوران” بناء على نشاطه الثوري وهتافاته في المظاهرات، يحمّل مسؤولية تراجع حراك التظاهر في الشمال السوري لما يقول إنها “أيادٍ دخيلة على الثورة السورية”، تسهم في انحراف نشاط التظاهر عن غاياته النبيلة عبر تحميله أهدافًا شخصية.

مشكلات مختلفة علاجها التظاهر

أمام تنوع وتباين مستوى المشكلات التي يعاني منها السوريون على مدار السنوات العشر الأخيرة، لم يعد استخدام التظاهر مرهونًا بيوم محدد للمطالبة بإسقاط النظام، وتنحية الأسد عن الحكم، فالواقع المعيشي المتردي، والمناخ السياسي، وعوامل مختلفة أخرى، أسهمت في تكوين مشهد سوري معقّد تفاعل معه الشارع بالتظاهر في أكثر من منطقة، إما تعبيرًا عن الرفض، وإما مناداة بمطالب.

وفي تشرين الأول الماضي، شهدت مدينة إدلب مظاهرة شعبية رافضة لسياسة حكومة “الإنقاذ“، مطالبة بالعديد من الخدمات التي تحتاج إليها المنطقة.

وجاء في مقدمة هذه الطلبات تخفيض أسعار المحروقات، التي صارت محكومة بنشرات شبه أسبوعية ترفع أسعارها وفق أسعار صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.

وفي الفترة الممتدة من مطلع تموز الماضي حتى أيلول الماضي، خرجت مناطق مختلفة بمحافظة درعا في مظاهرات طالبت بفك الحصار عن درعا البلد، ونددت بتعامل النظام الأمني مع موضوع تسليم الأسلحة الفردية في المنطقة.

تظاهرات درعا التي جرت في جنوبي سوريا، فتحت في الوقت نفسه باب التظاهر في محافظة دير الزور، شرقي سوريا، فخرجت، في 30 من تموز الماضي، مظاهرات مناهضة للتصعيد العسكري في درعا، في الوقت الذي لجأ خلاله النظام للحصار والتجويع، والتصعيد العسكري، لتطويع أولى المدن التي نادت بإسقاط النظام، وشكّلت على مدار سنوات الثورة خاصرة هشة غير مأمونة الجانب بالنسبة إلى النظام.

وفي 29 من تشرين الأول الماضي، خرجت مظاهرة من الجامع “الكبير” في مدينة الأتارب، بريف حلب الغربي، ضد قتال “هيئة تحرير الشام” فصائل “المهاجرين” الأجانب في جبل التركمان، بدل التوجه إلى قتال النظام وحلفائه، كما طالب المتظاهرون بالإفراج عن المعتقلين في سجون “الهيئة”.

طريق لمجتمع مدني

الباحث في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، يؤكد أن المظاهرات في مناطق سيطرة المعارضة صارت جزءًا لا يتجزأ من وسائل التعبير لدى أبناء تلك المناطق، للتأكيد على حقوقهم، وفي مقدمتها العيش الآمن والكريم الذي كان النظام السوري سببًا في سلبه سواء بالنسبة إلى المجتمع المضيف أو النازح.

وفسّر عاصي استمرار التظاهر في الشمال السوري رغم انحسار الآمال بنتائج ملموسة وذات تأثير قد يحققها في ظل المتغيرات المحيطة بالملف السوري، بأن التظاهر يعني إصرار السكان على مواجهة النظام بصرف النظر عن تغيّر خارطة السيطرة والنفوذ لمصلحته عسكريًا وسياسيًا، وهو أسلوب لدعم فصائل المعارضة المسلّحة والضغط عليها لمواجهة النظام، سواء في حالة الدفاع والردع أو الهجوم إذا ما توفّرت الظروف الملائمة له.

وشدد الباحث على ضرورة وأهمية ظاهرة الاحتجاج في الشمال السوري، باعتبارها هاجسًا مرتبطًا بالخوف على مصير المناطق التي يجتمع على أرضها نحو أربعة ملايين سوري، مع تهديد النظام وحليفه الروسي بشكل متواصل بعمل عسكري، وعدم اتخاذ المجتمع الدولي أي إجراء لوقف إطلاق النار بشكل دائم، وتوفير بيئة مستقرة تضمن العيش الكريم للسكان.

وبالإشارة إلى الرسائل الإيجابية التي يحملها استمرار المظاهرات، أوضح عبد الوهاب عاصي أن تواصل التظاهر يعني تبلور مجتمع مدني قادر على تطوير أدوات الاحتجاج، وهو ما قد يتخوف منه النظام السوري الذي عمل منذ عام 2011 على إخماد الثورة ومنع السكان من التعبير عن حقوقهم، بما يجعله على مواجهة دائمة مع السكان حتى في حال استعادة السيطرة على كامل البلاد، ويُمكن استحضار نموذج درعا في هذا الصدد للدلالة على عجز النظام عن استعادة السيادة، رغم استعادة الأرض أحيانًا.

ويمكن أن يشجع استمرار المظاهرات السكان المحليين في مناطق سيطرة النظام على استخدام هذا الشكل من الاحتجاج للمطالبة بحقوقهم، وبدا ذلك بوضوح مؤخرًا من خلال مظاهرات قائمة على مطالب يومية ومعيشية حملت أهدافًا وشعارات مختلفة، بحسب عاصي، الذي استبعد توقف ظاهرة الاحتجاج في مناطق المعارضة، رغم إمكانية تباين وتيرتها بين فترة وأخرى، لأسباب وعوامل أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة