خطوة على طريق "منظمة سياسية غير متطرفة"..

“تحرير الشام” تجدّد دمها العسكري

camera iconمقاتلين في "تحرير الشام" في عرض عسكري في مدينة إدلب خلال إحياء الذكرى العاشرة للثورة السورية _ 18 آذار 2021 (انترنت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

تسيطر “هيئة تحرير الشام” على محافظة إدلب، وجزء من أرياف حلب الغربية واللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة.

وعملت “تحرير الشام” لبسط نفوذها على حلّ الفصائل بمختلف مسمياتها، وتدعيم صفوفها بمقاتلين وعناصر جدد، بعد إخضاعهم لتدريبات عسكرية وشرعية لها طبيعة تدريب مختلفة، بعيدًا عن التجنيد الإجباري.

كما تتضمّن دورات الانتساب عدة شروط، ترفع فيها من سويّة مقاتليها وتزيد من قوتها وتأثيرها.

حلّ ثم تنسيب

استطاعت “الهيئة” بسط سيطرتها العسكرية، بعد خلافات عديدة مع الفصائل الأخرى، بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (جبهة النصرة آنذاك)، و”جبهة ثوار سوريا” وبعض فصائل “الجيش الحر”.

وأدت هذه الخلافات الداخلية إلى حلّ العديد من التشكيلات المنضوية تحت لواء “الجيش السوري الحر”، إذ اعتقلت “الهيئة” عددًا كبيرًا من مقاتلي هذه الفصائل وصادرت أسلحتهم حينها، واستمرت الخلافات تدريجيًا حتى تمكّنت من بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسد العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ.

لم يقتصر نشاط “تحرير الشام” على إزاحة أو إبعاد الفصائل الأخرى المعارضة، أو إدماجها ضمن صفوف “الهيئة”، بل عملت على تدريب عناصر ضمن دورات للتدريبات العسكرية، وتخريج دفعات عديدة من هذه الدورات.
وشهد الجناح العسكري وإدارة التجنيد التابعان لـ”تحرير الشام” تزايدًا في عدد حملات الانتساب ودروات التجنيد، خلال كانون الأول 2021، بمختلف المسميات والاختصاصات.

المتحدث باسم إدارة التجنيد العسكري في “تحرير الشام”، أنس الشامي، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن التدريبات العسكرية التي يتلقاها المقاتلون في دورات الانتساب هي التدريبات الشاملة التي تخص المشاة، من رفع لياقة بدنية واستعمال الأسلحة الفردية، كما يتلقون العلوم العسكرية المختلفة.

تحت عباءة رفع السويّة

تختلف الدورات العسكرية التي تجريها “تحرير الشام” للمقاتلين، كدورات رفع الكفاءة ورفع المستوى، ودورات قادة ميدانيين، و”انغماسيين”.

وقال أنس الشامي، إن دورات رفع الكفاءة هي دورات عسكرية يخضع لها المقاتل كل فترة وفق نظام تدريبي مدروس، فالمقاتل بحاجة إلى المحافظة على مستواه العسكري الذي وصل إليه، والمحافظة على لياقته البدنية بشكل دائم، كما يحتاج إلى إضافة بعض المعلومات العسكرية إلى حصيلته العلمية بشكل مستمر.

أما دورات القادة الميدانيين، فهي دورات تخص المقاتلين الذين يتولون مهمة قيادة المعارك في أرض الميدان، يكتسبون فيها العلوم والمهارات المتعلقة بكيفية توجيه الجنود والسلاح تجاه العدو بشكل فعال في أرض المعركة، بحسب المتحدث العسكري.

وفي 18 من كانون الأول 2021، أعلنت “الأكاديمية العسكرية” التابعة لـ”تحرير الشام”، عن تخريج دورة “قائد مجموعة” لمقاتلي الألوية العسكرية، ونشرت صورًا لعشرات المقاتلين الذين تخرّجوا من هذه الدورة.

وتتضمّن جميع الدورات العسكرية تدريبات بدنية للمحافظة على نشاط ولياقة المقاتل، مهما كان اختصاصه العسكري.

أما بالنسبة إلى تدريبات التكتيكات العسكرية، فكل مقاتل يتلقى التدريب المناسب للجهة التي يُفرَز إليها في الجناح العسكري.

وفي أيار 2020، أعلنت “الهيئة” تخريج أكبر دفعة من مقاتلي “العصائب الحمراء”، ونشرت صورًا تظهر حضور قياديين عسكريين حفل التخريج.

وتعتبر “العصائب الحمراء” من القوات الخاصة، ويطلق على أفرادها لقب “الانغماسيين”، وتنفذ العمليات النوعية في العمق، والانغماس في المعارك واقتحام المناطق.

معايير للانتساب

الدورات التي أطلقتها “تحرير الشام” تحتوي على عدة شروط يجب توفرها في العناصر الجدد لقبول انتسابهم.

المتحدث أنس الشامي، أوضح أن الشروط المطلوب توفرها لقبول المنتسب، بشكل عام، هي اللياقة البدنية وعدم وجود أي إصابات تعوق المنتسب عن خوض التدريبات العسكرية.

وأيضًا أن تكون سنّ المنتسب الراغب بالدخول للجناح العسكري مناسبة لحمل السلاح وتلقي التدريبات، وهي ما بين 18 و35 سنة، أي أن يكون جاهزًا للقتال.

المدة الزمنية لهذه الدورات محددة، وتأتي على الشكل الآتي: دورة انتساب مدتها 30 يومًا يتلقى فيها المنتسب العلوم الشرعية والأحكام الفقهية التي لا يسع المقاتل جهلها.

ثم ينتقل إلى دورة عسكرية مدتها 30 يومًا، يتلقى فيها العلوم والتدريبات العسكرية الأساسية.

بعدها يُفرَز إلى جهته العسكرية ضمن الجناح، حيث يمارس مهامه العسكرية، ويتابع مسيرته التطويرية، حسب سلم الدورات الموضوع هناك.

وفي 7 من كانون الثاني الحالي، أطلقت إدارة التجنيد العسكري دورة بعنوان “بادر للحاق بالأبطال”، لانتساب عناصر ضمن صفوفها، واقتصرت على المتزوجين المتعلمين، وشملت قسمين، هما قسم دورات شرعية، وقسم دورات عسكرية، بمدة 30 يومًا لكل دورة.

انضباط وتقوية نفوذ

أكّد أنس الشامي أن هذه التدريبات والدورات لا تتعارض مع التدريبات التي تجريها الكلية الحربية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، فالكلية الحربية مختصة بتدريب القيادات العسكرية لتخريج ضباط لقيادة العمليات.

وكانت حكومة “الإنقاذ” التي تشرف على إدارة مناطق نفوذ “تحرير الشام” خدميًا وإداريًا، أعلنت، في 20 من تشرين الأول 2021، إحداث كلية تُعنى بالشؤون العسكرية باسم “الكلية العسكرية”، وتهدف إلى تدريب الطلاب المنتسبين إليها لتخريجهم ضباطًا عاملين مؤهلين للخدمة في صفوف التشكيلات العسكرية المقاتلة في الشمال السوري.

المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، يرى في حديث إلى عنب بلدي، أن “هيئة تحرير الشام” شأنها شأن كل الفصائل والتجمعات والفرق والألوية الموجودة في الشمال السوري، ونظرًا إلى عدم وجود مؤسسة عسكرية ثورية انضباطية واحدة، والحاجة إلى تقوية النفوذ، صار كل طرف من هذه الأطراف يستقطب مقاتلين من مختلف الأعمار، ويقيم لهم دورات اختصاصية عسكرية في معسكرات وتجمعات تتبع له دونًا عن غيره.

وأضاف أن دورات الانتساب في “تحرير الشام” وتجنيد العناصر ضمن صفوفها، يزيد من قوتها وتأثيرها وتعزيز سيطرتها على مناطق نفوذها، ويمنحها خطوة متقدمة لنيل الاعتراف الدولي بها.

العقيد فايز الأسمر أوضح أن أسباب قيام “تحرير الشام” بتلك الدورات عديدة، منها الحفاظ على تفوقها العددي والنوعي في مناطق سيطرتها ونفوذها الميداني، لتكون قادرة وبشكل كبير على مواجهة أي تحديات داخلية أو خارجية قد تهدد وجودها أو تؤثر عليها.

وأضاف المحلل العسكري أن “الهيئة” ترغب بالظهور أمام المجتمع الدولي أنها الطرف الأكثر قدرة على الحشد الميداني، وإدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها بشكل متكامل، بما تضمه من نازحين ومهجرين.

“الهيئة” تريد إظهار نفسها أنها صارت حركة إسلامية معتدلة، وذلك بغرض الحصول على الدعم من السكان المحليين، واعتراف أمريكا وبقية دول العالم بها كمنظمة سياسية ولا علاقة لها بالتطرف والإرهاب، بحسب العقيد الأسمر.

وغيّرت “تحرير الشام” في أيديولوجيتها، وحاولت على لسان قيادتها بثّ رسائل للدول الغربية مفادها أن “الهيئة” لا تعادي الغرب، وتقتصر في أعمالها العسكرية على الداخل السوري، وإسقاط النظام السوري.

الانتساب لاختيار العناصر

رغم إنشاء “تحرير الشام” إدارة التجنيد العسكري، وافتتاح شعب تجنيد، واستخدامها الألفاظ العسكرية، مثل “التجنيد العسكري”، فإن حملات الانتساب والدعوة إلى الانضمام ليست إلزامية.

وفي أيار 2021، أعلنت “الهيئة” عن تأسيس إدارة التجنيد العسكري، التي تتبع لها ثماني شُعب تجنيد، تتوزع ضمن مناطق سيطرتها على المدن والمناطق الكبيرة، وهي شُعب: أطمة، حارم، جسر الشغور، أريحا، المنطقة الوسطى، سرمدا، المنطقة الشمالية، مركز المدينة.

وأثارت حملات الانتساب والتجنيد المتزايدة تخوّف المدنيين من إمكانية فرض التجنيد الإلزامي، في المناطق التي تسيطر عليها “الهيئة”.

ونشرت “الهيئة” في عدة مدن ومناطق ضمن سيطرتها العديد من لافتات الانتساب، التي تحمل دعوات للانتساب إلى دورات “جيش المدرعات”، و”القناص”، و”المدفعية”، وعدة تخصصات عسكرية في “الهيئة”.

العقيد فايز لا يعتقد أن “الهيئة” ستفرض التجنيد الإجباري لضم عناصر إلى صفوفها، فهي تعتمد على النخبة من المقاتلين والمتطوعين المنتسبين، لذلك فهي تعتمد على النوع، وعلى رغبة المقاتل بالخدمة في صفوفها وأن يصبح أحد مقاتليها.

وتابع العقيد أن “الهيئة” لا تكترث بالتجنيد الإجباري الذي يضعفها، أو يدخل ضمن صفوفها عناصر وأشخاصًا غير مرغوب بهم.

وظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا نهاية 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحمي “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.

التمدد الأبرز لـ”تحرير الشام” وسيطرتها على المنطقة، جاء بعد المعارك التي خاضتها ضد “حركة أحرار الشام” و”حركة نور الدين زنكي” و”صقور الشام”، خلال العامين 2017 و2018.

ولا تزال “الهيئة” مصنّفة على لوائح “الإرهاب” في مجلس الأمن، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة