tag icon ع ع ع

صالح ملص | حسن إبراهيم

“بدأت قضية انفصالي عن زوجي منذ أربع سنوات ونصف، لم يصدر قرار بالهجر حتى اليوم، أجريتُ جلستي استجواب في المحكمة الروحية، حضر المحامي الذي وكّلته في قضيتي ضمن العديد من الجلسات، دون أي حلول جذرية، وما زلتُ أعاني حتى اليوم من الإهمال وعدم التوافق بيني وبين زوجي”.

تشكو “كرستينا” البالغة من العمر 30 عامًا، لعنب بلدي، معاناتها من تجربة حياتها الزوجية التي بدأت ظروفها بالتعثر منذ ثمانية أعوام، حتى وصلت إلى لحظة تراكمت فيها خيبات أملها بإصلاح حال علاقتها مع زوجها.

تقدمت “كرستينا”، المقيمة في مدينة اللاذقية شمال غربي سوريا، والتي اختارت هذا الاسم المستعار لأسباب اجتماعية، برفع دعوى “فسخ زواج وهجر” عام 2017، أمام المحكمة الروحية في المدينة، لأن طول الانتظار بتحسّن وضع زواجها تحوّل إلى مرض يضعفها معنويًا، حسب تعبيرها، لكن التقدم بهذه الدعوى تركها حائرة أكثر أمام غياب حكم قضائي يحسم وضعها.

تفتقد سوريا لـ”قانون مدني” ينظّم الأحوال الشخصية، وفي الوقت نفسه، هناك عدة طوائف معترف بها تملك قواعد ومبادئ خاصة تسيّر قضايا الزواج والطلاق والأسرة، بضمان دستوري واضح.

تستمد هذه القواعد بنودها من التشريعات الدينية بشكل أساسي، التي تفرض تفسيراتها في بعض الأوقات شروطًا صعبة لإنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين، وتفرز أنظمة وتشريعات من شأنها أن تحجب عن الزوجة حقوقًا أساسية.

يؤدي ذلك في حالات عدة، إلى الحد من إسهام الزوجة إيجابيًا لمصلحة الأسرة، والمحيط المجتمعي الذي تنتمي إليه. تعكس هذه الصورة مفارقات ومآسي ومشكلات ناتجة عن فشل المحكمة في معالجة عشرات القضايا المرتبطة بالأسرة، وتصير لهذه القضايا أبعاد بتعبيرات ومؤشرات خطيرة مع تراكم الوقت.

وتوجد زوجات يعشن حياتهن الزوجية بحسرة منذ أعوام، لم تستمع المحكمة الروحية في مدينة اللاذقية إلى حجتهن بالجدية المطلوبة.

تحاول عنب بلدي في هذا التحقيق، فهم النزاع الزوجي داخل أروقة المحكمة الروحية في محافظة اللاذقية، استنادًا إلى شهادات حصلت عليها من ثلاث سيدات يقمن في المدينة، وإبراز ما يعوق معالجة هذا النزاع، ويعرقل مساره نحو العدالة والمساواة، وفهم ما يمنع الزوجة من الحصول على حقوقها في المشاركة باتخاذ قرارات مصيرية ترسم مستقبل العلاقة الزوجية، أبرزها النفقة والحضانة.

المطران يعالج قضايا الزوجة بـ”السخرية”

تابع المحامي الذي وكّلته “كرستينا” الدعوى، رغم أنه “لا يستطيع إضافة أي تأثير على قرار المطران، الذي يعتبر صاحب القرار الأول والأخير في عملية الطلاق”، من وجهة نظرها.

المطران الذي ذكرته “كرستينا” هو المطران أثناسيوس (فهد)، الذي جرى تنصيبه “متروبوليت” على أبرشية اللاذقية وتوابعها، في 4 من أيار 2018، خلفًا للمطران يوحنا منصور، وذلك في صلاة شكر أُقيمت في كاتدرائية “القديس جاورجيوس” بالمدينة، وترأس الصلاة البطريرك يوحنا العاشر.

المطران أثناسيوس فهد ومسؤولين لدى النظام السوري بدار المطرانية في مدينة اللاذقية- 24 من نيسان 2022 (مطرانية اللاذقية للروم الأرثوذكس)

خلال مسار الدعوى، التي امتدت حتى عام 2019، لم تكن الإجراءات القضائية لـ”كرستينا” واضحة، أو على أي أساس استند المحامي في دفاعه عن قضيتها، بسبب عدم إيضاح ذلك لها من قبل محاميها.

في عام 2019، حكمت المحكمة الروحية في قضية “كرستينا”، التي تنتمي إلى الطائفة الأرثوذكسية، بمعاودة الحياة الزوجية.

“قرر المطران معاودة الحياة الزوجية لأن الزوج رافض للطلاق، ولأن الأسباب غير مقنعة وكافية للطلاق بالنسبة له وبالنسبة للمطران”، وفق ما ذكرته “كرستينا”، فقدّمت استئنافًا ضد هذا الحكم، الذي لا يزال ينتظر حتى اليوم الحكم النهائي.

منذ رفع الدعوى، عام 2017، تحصل “كرستينا” على نفقة قدرها 20 ألف ليرة سورية شهريًا (خمسة دولارات بسعر صرف اليوم أمام الدولار)، لكن حين تم إصدار الحكم بمعاودة الحياة الزوجية، توقفت هذه النفقة، واستؤنفت بعد تقديم “كرستينا” طلب استئناف ضد ذلك الحكم.

هذا المبلغ “لا يكفي ثمن فنجاني قهوة لضيوف المطران”، حسب تقديرها، إذ يوجد فجوة بين مبلغ النفقة وبين متطلبات المعيشة والواقع المأمول العيش فيه بحياة كريمة.

اطلعت عنب بلدي على تفاصيل قصة “كرستينا”، التي لا تملك معيلًا في الوقت الحالي لمساعدتها على تأمين معيشتها، بالإضافة إلى تفاصيل قصص سيدتين غيرها، جميعهن ينتمين إلى طائفة الروم الأرثوذكس، لمعرفة طبيعة الانتهاكات التي يتعرضن لها وحدودها ضمن حياتهن الزوجية، ومن يرتكبها، إلا أنها تتحفظ على نشرها خوفًا على سلامتهن من أي تبعات أمنية أو اجتماعية.

“زوجي غير معني باحتياجاتي لا ماديًا ولا معنويًا ولا بحقوق الحياة الزوجية. إذا ذكرت موقفًا معيّنًا بالتفصيل أخاف أن أُعرف، مجتمعنا صغير والكل يعرف مشكلات بعضه.

شرحتُ كل شيء للمطران أكثر من مرة،  لكنه واجه القصة بالسخرية، واعتبر أسباب طلبي الطلاق تافهة، وبدأ يضحك مع الخوري الذي يكتب محضر الجلسة.

لا يمكن للمطران أن يفهم المشكلة من ربع ساعة استجواب، ليقرر عنك حياتك”.

“كرستينا”

يسخر من الأوجاع، كل من لا يعرف آلامها، لسان حال “كرستينا”، التي تستبعد أن يقبل المسيح ما يفعله رجال الدين، “بدلًا من أن يرسموا أحلى صورة عن ديننا”.

قرار المحكمة الروحية “غير المنصف”، الملتصق بمرجعية دينية تنتمي إليها الزوجة، قد يهدد ثقتها بهذه المرجعية، وعلاقتها مع الكنيسة، فيما يتعلق بمواضيع الزواج وتنظيمه، وما ينشأ عنه من علاقات زوجية وحقوق وواجبات وإنجاب، وما قد تتطور إليه أمور الزواج من خلافات ونزاعات أسرية تؤدي إلى الطلاق، قد تشل حياة عائلات بأكملها. وتستدعي هذه القضايا البحث في حق الزوجة بتقرير المصير، والنفقة، لها أو لأطفالها، ومقدارها وشروط أدائها.

المحكمة تسرق وقت الزوجين

“كل امرأة تريد حكم الطلاق تنتظر سنوات، لكنهم يضيعون حياتها في المحاكم”، تسرد “علا” (29 عامًا، اسم مستعار) لعنب بلدي أزمتها بطول فترة النظر بدعواها، التي امتدت إلى عامين.

استمرت مدة انفصال “علا” عن زوجها حوالي عامين، قبل صدور حكم المحكمة بالهجر بينهما في العام الحالي. رغم أن الطرفين متفقان على الطلاق، لا توافق المطرانية والمحكمة الروحية على ذلك بحجة عدم وجود طلاق بالتراضي، و”يعتمدون على مقولة ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، ويؤجلون الموضوع بمحاولات لإقامة الصلح”.

رغم صدور حكم الهجر في العام الحالي، لا يزال انتظار “علا” قائمًا بسبب وجود مدة تسمى “الفسخ” تمتد إلى أشهر وحتى أعوام أحيانًا، لتباطؤ المحكمة بإصدار قرار الطلاق بين الطرفين.

يضاف إلى أزمة “علا” أن زواجها نتج عنه طفل، لم يعش حياة مستقرة بين أهله.

يستند محامي “علا” إلى ما يسمى بـ“المجمع المقدس”، وهو مجموعة من المطارنة والبطريركية، يصدرون قوانين المحكمة الروحية للطائفة الأرثوذكسية.

وتصدر النفقة بعد صدور حكم الهجر، و”المجمع” هو المختص بإقرارها وتحديد مقدارها، على أساس نوع العمل الذي تعمل فيه النسبة الكبرى من الأفراد في المجتمع، وهم الموظفون، وليس بالاعتماد على ما يملك الزوج.

حكمت المحكمة بنفقة 25 ألف ليرة سورية لـ”علا”، و35 ألف ليرة لطفلها، كمصروف شهري، وبعد أن تنتهي مدة الهجر (مدة يتم فيها محاولة إقامة الصلح) التي أقرتها المحكمة، تتوقف نفقة الزوجة، وحينها يصدر قرار الطلاق بعد عام من الهجر، وترفع الزوجة طلبًا باستمرار النفقة للطفل.

“السنتان اللتان انتظرت فيهما صدور حكم الهجر ضاعتا من عمري، ولم يعوضني أحد عنهما أبدًا”، وفق ما عبرت عنه “علا”.

قصص أكثر تعقيدًا

“زوجي مهمل لحياتنا الزوجية، وفوقها أشك بخيانته، ومرافقته بنات خارج المنزل، لكن المحكمة لا تحكم بالطلاق إلا في حال إثبات وجود زنا. أنا متأكدة من أن هذا يحصل لكن ليس بيدي دليل لإثباته”، تتعقد حالة “هدى” (33 عامًا، اسم مستعار) أكثر من سابقاتها بوجود مشكلات لم تستطع الزوجة استيعابها واحتواءها، كونها تُفقد الزواج تماسكه الذي يحتاج إلى صفات أساسية، أبرزها الاحترام والثقة والألفة.

“المحكمة تعلم أن حياتي واقفة، وهناك مثلي كثر ينتظرن”، بحسب ما قالته “هدى” لعنب بلدي، التي لولا أقاربها خارج سوريا وتحويلاتهم المالية لأنهكتها حياة الفقر، فهي وأولادها الثلاثة يعتمدون على مبالغ طفيفة في محاولة تخفيف ثقل الهموم عن كاهلها.

تابعت “هدى”، “حياتنا راحت هباء ونحن ننتظر. أكيد مظلومة وحزينة على السنوات التي تمضي من حياتي لا معلّقة ولا مطلّقة”.

“إذا كانت إحدانا ليست مرتاحة في حياتها، وأرادت قرار الطلاق، توقفها هذه المحاكم، التي تدفع المرأة لتحسب ألف حساب قبل التفكير بهذا القرار، وخاصة في حال وجود أطفال. لكننا نصل أحيانًا إلى مرحلة لا يمكن تحملها”.

“هدى”

تصطدم النساء لدى مبادرتهن لإنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة بهاجس فقدان أطفالهن في حال انقضت ما تُعرف بفترة حضانة الأم (التي يحددها عمر الطفل).

كما يواجه الأطفال انتهاكات لحقوقهم في تلك الحالات، ومن أهمها الحق في إيلاء الاعتبار الأول لمصالحهم الفضلى في جميع القرارات القضائية المتعلقة بمصيرهم، بما فيها الأحكام الخاصة بتحديد من سيرعاهم.

مَن المطران أثناسيوس (فهد)

– ولد في مدينة اللاذقية عام 1965 ودرس في مدارس المدينة

– حصل على شهادة مهندس في العلوم الزراعية من جامعة “تشرين”

– أنهى الخدمة العسكرية الإلزامية، وعمل لدى المديرية العامة للزراعة

– سافر إلى اليونان وتابع دراسة اللاهوت وحاز درجة “الليسانس” من جامعة “تسالونيك”

– تردد على الجبل المقدس وهو جبل آثوس، يقع شمالي اليونان ويعتبر منطقة سكنية، ويقيم هناك رهبان من مختلف الكنائس الأرثوذكسية

– ترهبن فهد في دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي على يد الأسقف يوحنا العاشر يازجي

– خدم في رعية باريس عندما انتخب المطران يوحنا يازجي “متروبوليت” على أوروبا العام 2008

– عاد من فرنسا وانتُخب أسقفًا مساعدًا لـ”متروبوليت” عكار حيث خدم في أبرشية طرطوس عام 2011

– شغل منصب الرئيس لدير مار إلياس الريح على طريق حمص- طرطوس

– تربى في مدارس الأحد الأرثوذكسية، وخدم في رعية مار إلياس الفاروس كمرتل ومرشد

– انتخبه المجمع الأنطاكيّ المقدّس، في 26 من نيسان 2018، “متروبوليت” على أبرشية اللاذقية وتوابعها

مدخل كنيسة القديس “اندراوس الرسول” في مدينة اللاذقية- 17 من نيسان 2022 (مطرانية اللاذقية للروم الأرثوذكس)

ما هيكلية المحاكم الروحية الأرثوذكسية

بعد فك الوحدة بين سوريا ومصر، في 28 من أيلول 1961، صدر قانون السلطة القضائية رقم “98” بتاريخ 15 من تشرين الثاني 1961، الذي أورد بالمادة رقم “32” منه تعدادًا للمحاكم السورية، وكان في مقدمتها “محاكم الأحوال الشخصية”، وهي تتألف وفق أحكام المادة “33” منه:

1-  المحاكم الشرعية.

2-  المحاكم المذهبية للطائفة الدرزية.

3-  المحاكم الروحية.

ونصت المادة “36” من هذا القانون على أن “تبقى المحاكم الروحية للطوائف غير الإسلامية واختصاصاتها خاضعة للأحكام النافذة”.

وبموجب مبدأ “وحدة القضاء” بدلًا من تعدد جهاته في مسائل الأحوال الشخصية، أُحدثت محكمة واحدة في كل منطقة للنظر في هذه القضايا، على أن تطبّق الأحكام التشريعية الخاصة بالطائفة التي ينتمي إليها أطراف الدعوى.

وتكون الدائرة المختصة لدى محكمة النقض مرجعًا للطعن بالأحكام التي تصدرها محاكم الأحوال الشخصية.

ويتم تطبيق ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية خاصة بها في مسائل الأحوال الشخصية المحددة بالمادة “308” من قانون الأحوال الشخصية رقم “59” لعام 1953، كما تطبّق الإجراءات القضائية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات رقم “84” لعام 1953.

ينتمي المسيحيون السوريون إلى أكثر من 11 طائفة معترفًا بها قانونيًا، ولكل واحدة من هذه الطوائف محاكمها الروحية الخاصة.

وبعد صدور المرسوم رقم “76” لعام 2010، القاضي بتعديل المادة “308” من قانون الأحوال الشخصية، صارت المحاكم الروحية للطائفة المسيحية، ذات اختصاص في مسائل الإرث والوصية التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية.

وبمقتضى أحكام القانون رقم “23” لعام 2004، المتضمّن تصديق قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس، يتكون القضاء الروحي الأرثوذكسي من محكمة الدرجة الأولى وهي محاكم البداية، ومحكمة الدرجة الثانية وهي محاكم الاستئناف.

أما محاكم البداية، فتقوم في مركز كل من أبرشيات الكرسي الأنطاكي (الأبرشية هي منطقة البطريركية التي فيها مركز البطريرك، ومنطقة المطرانية التي فيها مركز المطران)، وهي تتألف من قاضٍ منفرد أو من غرفة بدائية مؤلفة من رئيس وعضوين، وتتولى هذه المحاكم الحكم في القضايا المستعجلة وفق أحكام المادة “78” من قانون أصول المحاكمات.

وتقام الدعوى أمام هذه المحكمة بخيار المدعي، إما في محكمة الأبرشية التي أُقيم فيها الزواج، وإما في المحكمة التي يتبع لها محل سكن الزوجين المشترك قبل نشوء النزاع الزوجي.

كما أن دعاوى إنهاء العلاقة الزوجية (إبطال، وفسخ، وطلاق) هي دعاوى شخصية ينحصر الحق بتقديمها بالزوجين فقط.

وتصدر المحكمة أحكامها بالإجماع أو الأكثرية، وعلى المخالف بيان أسباب مخالفته في صك مستقل يُرفق بالقرار.

المادة “138” من الدستور السوري الصادر عام 2012، تنص على أن “تصدر الأحكام القضائية باسم الشعب العربي في سوريا”، وقد استقر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية على أن الحكم الذي لا يصدر باسم “الشعب العربي في سوريا” يعد معدومًا.

لذلك، درجت المحاكم الروحية على إصدار أحكامها باسم الكنيسة أو باسم الله، وباسم “الشعب العربي في سوريا”، لضمان تنفيذها من قبل دوائر التنفيذ المدنية المختصة.

داخل محاكم البداية

يتولى راعي الأبرشية مهام القاضي المنفرد ورئاسة الغرفة البدائية، وله أن يعيّن نائبًا عنه لكلا المنصبين، وفي حال تشكيل غرفة بدائية في أبرشيته فإنه يعيّن عضويها الأصيلين وعضوين ملازمين.

يرفع راعي الأبرشية أسماء القضاة المعينين إلى المقام البطريركي، لإحاطة محكمة الاستئناف ومطارنة الأبرشيات علمًا بذلك، كما يبلغ أسماءهم إلى السلطات المدنية المختصة.

ويمكن بقرار من “المجمع المقدس” تعديل تشكيل محاكم البداية بتحويل منصب القاضي المنفرد إلى غرفة بدائية وبالعكس.

داخل محكمة الاستئناف

يتولى البطريرك تشكيل محكمة الاستئناف من رئيس ومستشارين، ويعيّن معهم رئيسًا رديفًا ومستشارين ملازمين.

وتتكون محاكم الاستئناف من غرف يحدد عددها ونطاق عملها بقرار من البطريرك، على أن تكون من هذه الغرف غرفة أولى مقرها مركز البطريركية، أما الغرف الأخرى فيحدد مقرها في قرار تشكيلها.

المحكمة الروحية: المحاكم المختصة بالنظر في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين.

النفقة: موجب الزوج الميسور تأمين معيشة الزوج المعسور، بعد انتهاء العلاقة الزوجية، وتُعرف أيضًا بإعالة ما بعد الحل.

نفقة الزوجة: التزام الزواج بتلبية حاجات زوجته من غذاء وكساء ومأوى وغيرها من تكاليف المعيشة في أثناء الزواج، وتنتهي هذه المسؤولية بانتهاء الزيجة، وبموجب قوانين الأحوال الشخصية المسيحية الأرثوذكسية، يظل دفع النفقة واجبًا في حالات الهجر المؤقت، وتتميز نفقة الزوجة عن نفقة الأطفال، ويلتزم الزوج بدفع الأخيرة ليد زوجته طوال فترة حضانتها للأطفال.

البطلان: اعتبار الزواج الكنسي وكأنه لم يكن.

التعويض: وفق قوانين الأحوال الشخصية المسيحية، يعد الطرف الذي يعتبره القاضي مسؤولًا عن البطلان أو الفسخ أو الطلاق، مسؤولًا أيضًا عن تعويض الطرف الآخر عن الأضرار الناجمة عن إنهاء الزواج.

الهجر: بموجب قوانين الأحوال الشخصية المسيحية، يعرف الهجر بأنه الفصل بين الزوجين، ويعتبر ملغى بالمصالحة. عندما يقع الهجر، ينفصل الزوجان، ولكن الرابطة الزوجية تستمر بحيث لا يستطيع أحدهما عقد زواج جديد.

– هناك نوعان من الهجر: الدائم والذي يُبرر بالزنا، تعترف به الكنيسة الكاثوليكية فقط، والمؤقت، والذي يكون لفترة محددة أو غير محددة، وهو متروك لتقدير المحكمة، ويستمر حتى نزول أسباب الهجر، وهو المعترف به من الطوائف المسيحية كافة.

فسخ الزواج والطلاق عند الطوائف المسيحية: يتمثل بحل عقدة زيجة قانونية لأسباب يحددها ويحصيها القانون. أما الطوائف الكاثوليكية فلا تعترف به.

قوانين وأنظمة هشة لا تحمي الحقوق

لا يشكّل التشريع المصدر الوحيد لأوجه التمييز ضد الزوجة، بل تقع نتيجة الإجراءات أمام المحاكم الروحية على حد سواء، وقد أفادت جميع السيدات اللواتي أجرت معهن عنب بلدي الحديث أن العديد من العقبات الإجرائية، أبرزها طول أمد القضايا وغياب المساعدات القانونية والمادية في أثناء إجراءات الدعاوى، شكّلت عوامل أساسية في معاناتهن خلال الالتجاء إلى المحكمة لتحصيل حقوقهن المحدودة أصلًا.

المطران أثناسيوس فهد في كنيسة القديس “اندراوس الرسول” في مدينة اللاذقية- 17 من نيسان 2022 (مطرانية اللاذقية للروم الأرثوذكس)

غياب الاستقلالية والرقابة

رغم وجود بعض الآليات الداخلية للرقابة على عمل القضاة في المحاكم الروحية، أكدت المحامية والباحثة السورية سحر حويجة، في حديث إلى عنب بلدي، غياب فعالية تلك الآليات، إذ تشوب الآليات الرقابية غير الملائمة قلة الموارد البشرية وضعف التدريب وانعدام استقلالية المفتشين.

بحسب ما قالته المحامية حويجة، فـ”وفق قانون السلطة القضائية، لم يطبق قانون الرسوم العام على هذه المحاكم، ولم تنظم أصول تشكيلها، بل يكون تعيين رئيس وأعضاء محكمة البداية والاستئناف من اختصاص المرجع الديني للمحاكم الروحية”.

كما أن المحاكم الروحية “لا تخضع لأصول التفتيش القضائي المنصوص عليه في قانون السلطة القضائية، ربما احترامًا من المشرع لشعور الطوائف ورجال الدين، لكن كل ذلك يعتبر سلبيًا”، وفق المحامية.

“طالما المطران هو من يعيّن القضاة في المحاكم الروحية، وعليهم تنفيذ التعاليم الدينية، وغير خاضعين للسلطة القضائية، فهم بالتالي لا يتمتعون باستقلالية عن السلطة الدينية، ولا يوجد ما يمنع رجال الدين من التدخل بأعمال القضاة وتنفيذ إرادتهم”، قالت المحامية سحر حويجة.

كما تمارس محكمة النقض في سوريا، وهي أرفع محكمة مدنية، رقابة محدودة على إجراءات المحاكم الروحية وأحكامها.

وقضاة المحاكم الروحية سواء منهم الدرجة الأولى أو محاكم البداية أو قضاة محاكم الاستئناف، يجري تعيينهم من قبل السلطات الدينية الروحية العليا، و”لا يُشترَط من أجل انتقائهم أي شرط من الشروط الواجب توفرها في تعيين القضاة”، بحسب المحامية، وهذا أمر مخالف لمنطق عمل المحاكم في حل النزاعات الزوجية والأسرية.

وتكمن أسباب حل عقدة الزواج والهجر لدى الطوائف المسيحية، في حالة الهجر المؤقت، عند الشقاق اليومي، والخلافات الكبرى، واستحالة العشرة ولو مؤقتًا، أو أن يهدد أحد الزوجين حياة الآخر، وتحدد المحكمة مدة الهجر، على ألا تتجاوز ثلاثة أعوام متتالية.

أما الهجر الدائم، فلا ينطبق بالنسبة للطائفة الأرثوذكسية، وتبطل الزيجة في حال عُقدت في أثناء قيام زيجة سابقة، أو عُقدت بالمخالفة للقوانين الأساسية للكنيسة، كالزواج بين الأقارب حتى الدرجة الثالثة، أو عقد الزيجة كاهن لا ينتمي إلى طائفة أي من الزوجين، أو إذا عُقدت من دون تراضٍ أو نتيجة الإكراه أو التهديد، أو إذا كان أي من الزوجين غير مؤهل للحياة الزوجية في توقيت الزواج (لكن فقط في حالة غياب الأطفال وانقضاء فترة أقل من خمسة أعوام على الزواج).

وتفسخ الزيجة في حال اعتنق أي من الزوجين ديانة أخرى، أو أهمل أي من الزوجين الآخر لمدة ثلاثة أعوام متصلة، أو لم يتم الصلح بعد فترة الهجر، أو حاول أي من الزوجين قتل الآخر، وبهذه الحالة الأخيرة، رغم أن العنف الزوجي سبب للهجر، فإن هذا العنف دون مستوى الشروع في القتل لا يكفي للحصول على حل سريع لعقدة الزواج.

ويُمنح الطلاق لعلة الزنا، مثل حالة إذا تكرر التماس أحد الزوجين من الآخر بعدم التردد على مكان سيئ السمعة ولم يستجب، وإذا ظهر انحراف جنسي على أحد الزوجين.

بسبب النشوز

بالنسبة لدعوى النفقة، يجب أن تكون مرتبطة بدعوى الأساس، أي دعوى الهجر أو البطلان أو الفسخ، وتحكم بها المحاكم الروحية من تاريخ إقامة الدعوى أو ما قبل ذلك بستة أشهر على الأكثر، وفق ما أوضحته المحامية.

وللزوجة الحق في طلب نفقة معجلة خلال إجراءات المحاكمة، ويتم البت بها من قبل المحكمة الروحية قبل البت بأساس دعوى الهجر أو البطلان أو الفسخ.

وقرار المحكمة بالهجر يتضمّن النفقة في حال طالبت الزوجة بها، أما في حالة صدور قرار البطلان أو فسخ الزواج، فلا تعد النفقة واجبة على الزوج، لكن يحق للمرأة المطالبة بالتعويض، إذا كان الزوج يتحمل مسؤولية إنهاء الزيجة، ويسقط حق المرأة بالنفقة عند كل الطوائف المسيحية إذا كانت ناشزًا.

وينطبق مفهوم “النشوز” عند المحاكم الدينية على المرأة التي غادرت منزل الزوجية ورفضت مساكنة زوجها. وللمحكمة أن تأمر المرأة التي غادرت منزل الزوجية بمساكنة الزوج، وإذا رفضت فللمحكمة أن تحكم بنشوزها، ما يمكن في أغلب الأحيان استغلاله لإسقاط حقها في الحضانة ما لم تقدم سببًا شرعيًا لمغادرة منزل الزوجية.

“واضح من النص أن المرأة المطلقة تُحرم من النفقة، حيث لا يوجد طلاق رجعي، فإما فسخ وإما بطلان، وتُحرم المرأة من حقوقها بحال النشوز، لذلك فأحكام النفقة للمطلقة ليست واجبة، ولن تكون لها أهمية أو قيمة تحميها هذه المحاكم”، وفق ما ذكرته المحامية.

ولدى جميع الطوائف الدينية، تنص قوانين الأحوال الشخصية على أن واجب الزوج أن يعول الزوجة وأسرته، بينما ينحصر واجبها في رعاية الأطفال والمساكنة، وبموجب تلك القوانين، يتعيّن على الزوج إعالة زوجته وطفله، بما في ذلك توفير الغذاء والكساء والمأوى وغيرها من نفقات المعيشة.

أما الزوجة فعليها معاشرة الزوج ومساكنته في مسكن الزوجية، وهناك غياب للمعايير القانونية الواضحة التي تحدد مقدار النفقة، وتحصل الزوجات المطلقات في أغلب الأحيان على مبالغ لا تكفي لإعالتهن، كما لا توجد أي آلية بديلة لدعمهن اقتصاديًا في أثناء الإجراءات الاقتصادية الطويلة.

ويسقط التزام الزوج بإعالة الزوجة آليًا بمجرد صدور حكم ينهي الزيجة، وفور انتهاء الزيجة، لا يعود الزوج ملزمًا بإعالة زوجته السابقة ماليًا، بغض النظر عن احتياجاتها أو قدرته على إعالتها أو مساهمتها المالية وغير المالية في الزواج.

إيمان يتعرض لاهتزازات

بحسب قصص السيدات الثلاث، يوجد خلاف مجتمعي حول تعرض الزوجة للانتهاك في النزاعات الزوجية داخل أروقة المحاكم الروحية في اللاذقية، ففي الوقت الذي يعترف فيه بعض الناس بوجود امتيازات وتفضيلات تُعطى للزوج على حساب الزوجة، وبانتهاكات تطال المرأة وتجعلها أبعد ما تكون عن العدالة والمساواة مع الزوج، ينفي بعضهم الآخر تعرّض المرأة للإجحاف عمومًا أو الانتقاص من حقوقها الزوجية بوجه خاص، ويعتبر أنها تحصل على أكثر من حقها، فهي تكلّف بإدارة شؤون الأسرة وتربية الأولاد، وبالتالي فإن المجتمع يعترف بمكانتها وبدورها، ولكنه يضعها تحت إشراف الزوج.

توجهت عنب بلدي بأسئلتها إلى مطرانية اللاذقية للروم الأرثوذكس، عبر مراسلة إلكترونية، بشأن ما إذا كان هناك بالفعل عدم جدية في حل بعض النزاعات الزوجية، الأمر الذي يعرّض المطران للتشكيك بموضوعيته في العمل، ومدى استقلالية أحكام المحكمة، وأسباب طول أمد القضايا التي تؤثر على الزوجة بتحميلها منفردة تبعات فشل الزيجة، وكم عدد عقود الزواج وأحكام الطلاق التي تصدر في اللاذقية لفهم وتحليل حركة حالات الزواج والطلاق فيها.

إلا أن الأسئلة لم يقابلها أي رد من المطرانية، حتى تاريخ إعداد هذا التحقيق.

كما توجهت عنب بلدي إلى أربعة من رجال الدين المسيحيين السوريين بمناصب دينية مختلفة، إلا أن أحدًا لم يجب عن أسئلتها، بالإضافة إلى اعتذار الكاتب في مطرانية حمص وتوابعها الأب يوحنا شحود عن عدم تقديم أي معلومة تفيد سير التحقيق، والذي نأى بنفسه عن الإجابة.

تحدث عنب بلدي مع الأب نعمة صليبا من كنيسة الروم الأرثوذكس في جبل لبنان، إذ قال إن “طول مدة التقاضي في أحكام الطلاق تكون حسب ملف الدعوى، مثلها مثل أي دعوى أخرى، حسب الدفوع وحسب طلبات صاحب المصلحة في الدعوى، واحتمال وصول مدة القضية لأربع سنوات أمر محتمل جدًا، لأنها في بعض القضايا تحتاج إلى استدعاء خبير نفسي، أو عدة خبراء نفسيين، وهذه الأمور جميعها تلعب دورًا في مدة التقاضي”.

وأوصى الأب نعمة صليبا لحل مشكلة طول أمد القضايا بـ”تقديم الطرفين دعوى طلاق بعد أن يكونا قد عاشا فترة هجر ثلاث سنوات”، أو “إدخال وساطة للتدخل في القضية والوصول إلى حل يرضي الطرفين، وهذا أمر منتشر ضمن المجتمع العائلي والعشائري”.

القوانين والأنظمة القائمة المرتبطة بتسيير العلاقات بين الزوجين تتعرض لاهتزازات وإشكالات معيّنة بجميع المحاكم الدينية في سوريا، على اختلاف منابتها، وهذه الحالة بدورها تعرّض تجارب الزواج والأسرة لأزمات حقيقية، قد تمس ثقة الأفراد بالمنظومة الدينية التي ينتمي إليها الناس.

لا ينحصر واقع معاناة الزوجات ضمن محكمة أو طائفة معيّنة، بل ينتشر في معظم المحاكم الدينية السورية.

وتضمن القوانين الدولية لحقوق الإنسان مساواة المرأة في أثناء الزواج وبعده، وتلزم المادة رقم “16” من اتفاقية “سيداو” التي صدّقت سوريا على الانضمام إليها في 2003 (مع عدد من التحفظات)، الدول باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في “كل الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية”، وضمان تمتع المرأة والرجل بـ”نفس الحقوق والمسؤوليات في أثناء الزواج وعند فسخه”، وعلى نحو مماثل، تضمن المادة رقم “23” من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المساواة بين الزوجين “لدى الزواج وفي أثناء قيامه ولدى انحلاله”.

وبحسب الأب نعمة صليبا فإن كل هذه الأزمات “سبب رئيس للكره بين الأفراد والكنيسة، ويجب أن تكون هناك إصلاحات حديثة للقوانين الأرثوذكسية من مبدأ حفظ كرامة المرأة والناس”.

ويؤدي هذا التعدد في قوانين الأحوال الشخصية إلى اختلافات في معاملة السوريين بمواضيع تتعلق بالجوانب المحورية من حياتهم، وعدم الجدية في تطوير بنود تلك القوانين “له الأثر السلبي طبعًا” على حياتهم الدينية، كون تلك المحاكم تستند بأحكامها إلى الدين الذي يؤمنون به، وفق ما قاله الباحث الأكاديمي السوري في الفكر المسيحي الشرقي واللاهوت المسيحي نجيب جورج عوض، خلال حديث إلى عنب بلدي.

وأضاف الباحث عوض أن نصب الحواجز أمام السيدات الراغبات في إنهاء زيجات مسيئة أو تعيسة “يؤثر على علاقة الناس بالكنيسة والسلك الكهنوتي فيها، إذ تصبح الكنيسة مصدر عداء للناس أحيانًا”.

وتبرز هذه العداوة أكثر، بحسب الباحث، “حين تُستغل قضايا الطلاق وسواها من قبل بعض الكهنة في ابتزاز أصحاب الدعاوى ماديًا وفي الحكم أحيانًا مع الظالم ضد المظلوم لأسباب تتعلق إما بالمادة وإما بتفضيل طرف ما على آخر لأسباب عائلية ولعلاقات خاصة”.

المطران أثناسيوس فهد وعدد من الكهنة من داخل كنيسة “القديس جاورجيوس” (مار جرجس) في مدينة اللاذقية- 27 من نيسان 2022 (مطرانية اللاذقية للروم الأرثوذكس)

English version of the article