الوجهة أوروبا.. لاجئون يشقون طريقهم عبر مناطق النفوذ في سوريا

مدخل بلدتي نبل والزهراء عند التقاء مناطق نفوذ النظام السوري بمناطق نفوذ الجيش الوطني (rajanews/ Mohammad Reza Jofar)

camera iconمدخل بلدتي نبل والزهراء عند التقاء مناطق نفوذ النظام السوري بمناطق نفوذ الجيش الوطني (rajanews/ Mohammad Reza Jofar)

tag icon ع ع ع

يعاني لاجئون سوريون خلال رحلتهم باتجاه أوروبا من العبور في مختلف مناطق النفوذ وسلطات الأمر الواقع، في سوريا، وربما يكونون فيها ضحية لخلاف بين مهربين.

في 28 من آب 2022، كان محمد وشقيقته الكبرى يحزمان حقائبهما في منزلهما بالحي الغربي لمدينة سلمية، ينتظران خبرًا من المهرب لانطلاق رحلتهما باتجاه أوروبا مرورًا بمناطق سيطرة النظام السوري، ثم “الجيش الوطني”، ومنها إلى تركيا.

الروايات التي سمعاها عن تلك المناطق كانت كثيرة و”مخيفة” في الوقت نفسه، خصوصًا أنهما ينحدران من منطقة تشكّل الأقليات الدينية معظم سكانها، إذ تراكم لديهما تصور على مدار السنوات الماضية أن أبناء مدينة سلمية غير مرحب بهم في مناطق الشمال السوري.

لكن التجربة كانت أكثر بلاغة من الوصف، بحسب ما قاله محمد لعنب بلدي، وهو شاب عشريني كان يدرس فرع المعلوماتية في جامعة سورية، قبل قرار الهجرة للبحث عن مستقبل أفضل.

مناطق النظام أكثر خطرًا

تعتبر الحدود السورية- التركية منطقة خطرة، إذ شهدت خلال السنوات القليلة الماضية حوادث قتل واعتداء من قبل حرس الحدود التركي بحق لاجئين سوريين حاولوا الوصول إلى تركيا عبرها بشكل متكرر.

لكن رحلة العبور بين مناطق النفوذ المختلفة في سوريا كانت أشد خطرًا، لما تسببه من رعب لمن يعبرها، بحسب محمد، حتى ولو لم يتعرض خلالها الشخص لموقف سلبي.

وتختلف نظرة الشخص القادم من مناطق سيطرة النظام السوري إلى مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، بحسب معتقداته السياسية ومصدر معلوماته عن هذه المناطق، بحسب ما قاله الشاب لعنب بلدي.

أول المواقف التي واجهها محمد وشقيقته كان عند تبديل الحافلة عند آخر حاجز للنظام السوري في بلدة نبّل شمالي حلب، بأخرى جاءت من مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، إذ أطلق الحاجز النار باتجاه السيارة بعد ابتعادها عن الحاجز ببضعة أمتار.

السائق قال للركاب حينها، “لا تخافوا كل شيء بخير”، رغم أن الرصاص كان يمر فوق سقف السيارة، بحسب محمد.

وعند وصول الشقيقين إلى مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، حاول السائق طمأنة الركاب عندما أخبرهم أن الحاجز لم يقصد إصابة السيارة، معتبرًا أنها “مجرد تصفية حساب بين القائمين على عمليات التهريب من الجانبين”.

وتنشط خطوط التهريب بين مناطق نفوذ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ومناطق يسيطر عليها النظام السوري بأرياف محافظة حلب الشرقية والشمالية، وتعتبر طرق التهريب هذه الأكثر نشاطًا في المنطقة، خصوصًا للقادمين من مناطق نفوذ النظام السوري باتجاه الحدود التركية.

وتختلف طرق التهريب باختلاف تكلفتها، إذ يشرف ضباط من جانب النظام السوري على رحلة التهريب في مناطق نفوذهم، بينما يشرف مهربون آخرون على متابعة الطريق داخل مناطق “الجيش الوطني”.

أين بر الأمان؟

قسّمت الحرب السورية أوصال البلد إلى مناطق نفوذ، ورسمت الحدود بين محافظاتها ومدنها، وظهرت من هذه الحدود حالة من العداء بين بعض سكان مناطق النفوذ وأقرانهم على الضفة الأخرى.

محمد كان يفكر منذ لحظة وصوله إلى شمالي حلب أنه شخص منبوذ في المنطقة، عليه الخروج منها بأسرع وقت، كونه ينحدر من منطقة تُحسب بأنها موالية للنظام، لكن لدى المهرب الجميع سواسية “طالما يحملون مالًا”.

ولم تختلف معاملة مهربي “الجيش الوطني” بالنسبة لمحمد وشقيقته عن بقية المشاركين معهما في الرحلة من القادمين من محافظة حلب، أو من مناطق أخرى، خصوصًا أن المهرب ينتظر وصولهم إلى تركيا ليقبض أمواله الموجودة لدى طرف ثالث كضمان.

ولأن محمد ينحدر من عائلة معارضة للنظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، يرى أنه وصل إلى بر الأمان عند دخوله شمالي حلب، لكن الخوف الذي سببته بطاقته الشخصية التي كُتب عليها “مواليد سلمية” أربكه، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وبات ينتظر انطلاقه باتجاه تركيا بفارغ الصبر.

تمكّن محمد والمجموعة التي ترافقه من عبور الحدود بين سوريا وتركيا من المرة الأولى، رغم أنه قابل عديدًا من الأشخاص في منزل المهرب سبق وحاولوا العبور أكثر من خمس مرات، ومعظمهم تعرض لضرب من قبل حرس الحدود التركي، وأُعيدوا قسرًا إلى سوريا.

وفي أحدث إحصائية عن محاولات الدخول إلى تركيا بطريقة غير شرعية، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إنه خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، ضبط الأمن التركي 126 ألف مهاجر غير شرعي، وأعاد 44 ألفًا و933 شخصًا منهم إلى بلدانهم الأصلية.

ولم يحدد الوزير أعداد محاولات الهجرة من الحدود السورية- التركية على وجه الخصوص، بحسب ما نشرته وكالة “الأناضول” التركية.

المهرب “حريص”

رحلة التهريب بين الحدود السورية والتركية مقسّمة إلى عدة مراحل، ويتولاها عدة أشخاص، لكن الأفراد الذين يتعامل معهم طالب اللجوء أو المسافر قليلون، من بينهم شخص قاصر (عمره أقل من 18) أرشدهم من البيت الذي أقام فيه محمد وشقيقته إلى الطريق عبر الحدود.

المهرب كان حريصًا على من يطلق عليهم اسم “مسافرين” سيعبرون الحدود، خصوصًا أنه لم يتسلّم أمواله بعد، إذ كان يتحدث للشباب الموجودين ضمن المجموعة ويطلب منهم الابتعاد عن النساء وفتح الطريق لهن، إلى جانب مجموعة أخرى من العِظات التي نقلها عن النبي محمد، وأخرى استمدها من القرآن.

تابع محمد وشقيقته طريقهما نحو اليونان بعد انتظار استمر لشهرين في مدينة إزمير التركية بمنزل تعود ملكيته لمهرّب، بينما ينتظران اليوم في أثينا اليونانية المهرّب الثالث الذي سيؤمّن طريقهما نحو ألمانيا، وجهتهما النهائية.

وفي أيلول من عام 2022، بلغ عدد المتقدمين بطلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي 90545 لاجئًا من بينهم سوريون ومن جنسيات أخرى، بحسب أحدث إحصائية نشرها موقع “يورو ستات” الأوروبي.

ولا يقتصر الأمر على رحلات تهريب الأشخاص مقابل المال، إذ تُتهم فصائل منضوية تحت راية “الجيش الوطني” بإدخال وإخراج المواد والمنتجات من وإلى مناطق النظام، وبتهريب عناصر متعاونين أو تابعين للنظام مقابل مبالغ من خلال معابر داخلية، إلا أن الفصائل تنفي هذه التهم.

كما ترتكب بعض الفصائل انتهاكات وثّقتها منظمات حقوقية وإنسانية من فرض إتاوات على المحاصيل الزراعية، ومصادرة بعض الأملاك، وتهريب الحبوب المخدرة والإشراف على عمليات تنقيب “غير شرعية” عن الآثار.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة