الكتاب الجامعي.. ضبط للعملية التعليمية أم تنظيف مستودعات
عنب بلدي – حسام المحمود
بدأ العام الدراسي للجامعات السورية الحكومية، نظريًا، منذ 18 من أيلول الماضي، بقرار من “مجلس التعليم العالي“، لكن البداية الحقيقية بالنسبة للطلاب مقرونة بصدور محاضرات المقررات الجامعية.
الدوام الفعلي بدأ، تقريبًا، خلال تشرين الأول الماضي، عبر محاضرات نظرية في قاعات الجامعة، فيما تأخر توزيع نصوص المحاضرات في مكتبات الجامعة، لتقدم “بالتقسيط”.
عامر (31 عامًا)، وهو طالب في كلية الآداب التابعة لجامعة “دمشق”، قال لعنب بلدي، إن المحاضرات لمعظم المواد لم تصدر عن مكتبة الجامعة بعد، مشيرًا في الوقت نفسه إلى عدم انتظاره المكتبة، بالنظر إلى ظروفه المادية، وعدم قدرته على شراء المقررات، ما يدفعه لاستعارتها من طلاب آخرين تجاوزوا تلك المقررات، وهو أمر شائع خلال السنوات الأخيرة، لتلافي تكاليف المحاضرات والملخصات، عبر تمريرها بين الطلاب بعد نجاح الطالب في المقرر.
كما يصدر بعض مدرّسي الكليات مقررات أقرب في حجمها للكتب، وقد تكون كتابًا كاملًا أُعيدت طباعته على شكل ملخّص، ما يسبب تكلفة مالية كبيرة على الطالب، تضاف إلى أعباء مواصلاته وطعامه وحاجاته الأخرى على المستويين العلمي والشخصي.
الشاب أشار أيضًا إلى الأوضاع المادية الصعبة بالنسبة للطالب الجامعي، ما يدفعه للبحث عن بدائل في سبيل توفير بعض المصاريف، موضحًا أن أسعار المحاضرات ليست منخفضة، لكنها على أي حال أقل تكلفة من الكتب الجامعية.
نحو الكتاب الجامعي
في 4 من تشرين الأول الماضي، قال عضو المكتب التنفيذي لـ”الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” عماد العمر، إن هناك توجهًا لربط الطالب بالكتاب الجامعي، كخطوة في سبيل الاستغناء عن المحاضرات والملخصات.
حديث العمر جاء بعد إعلان نُشر في كلية الآداب التابعة لجامعة “دمشق”، ونص على إلزام الطالب بشراء ثلاثة كتب جامعية لتثبيت تسجيله الجامعي، موضحًا أن الجامعة تدخلت وسحبت الإعلان من الكلية، وأنه لا قرار يلزم الطالب بشراء الكتب لتسجيله حاليًا.
التوجه الإداري ضد الملخصات والمحاضرات، ربطه عضو المكتب التنفيذي في حديث إلى إذاعة “مليودي إف إم” المحلية، بارتفاع أسعارها، بينما يراها الطلاب وسيلة أقل تكلفة من شراء الكتاب الجامعي، ولا سيما حين يلزم الدكتور المدرّس للمقرر طلابه بشراء كتاب محدد، قد يكون كتابًا شخصيًا له، لدراسة المادة، ما يعني السعي نحو ربح مادي.
المعيدة السابقة في جامعة “دمشق” والدكتورة في الإعلام هلا الملاح، أوضحت لعنب بلدي أن للكتب الجامعية حضورًا أكبر لدى طلاب التعليم المفتوح والتعليم الافتراضي، على مستوى جامعة “دمشق” على الأقل، بينما تطغى “النوط” والملخصات والمحاضرات على المقرر التعليمي لطلاب التعليم الحكومي النظامي، ما يلقي الضوء أيضًا على غياب مناهج متكاملة ضمن كتب لبعض المقررات الجامعية بالكامل.
الملاح اعتبرت أن خطوة من هذا النوع لها إيجابياتها المتعلقة بضبط العملية التعليمية، ودقة المنهاج، وتوحيده بين الطلاب، على اعتبار أن الكتاب خاضع للتدقيق والمراجعة قبل النشر، على خلاف المحاضرة، مع الإشارة إلى أن هذه المعطيات تنطبق على بلد طبيعي، لا يعيش ظروفًا كالتي يعيشها الطالب السوري.
وإلى جانب ما هو إيجابي، هناك أيضًا سلبيات بالنسبة للوضع في سوريا، والظروف الاقتصادية التي تمر على العائلة، والطالب جزء منها، وهو متأثر بالضرورة، ما يعني أن هذه الظروف بحد ذاتها معرقلة للعملية التعليمية، والطالب لا يدرس ليتعلم، مقدار رغبته باجتياز الجامعة نحو السفر.
كتب مكدّسة
ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، في 23 من حزيران الماضي، أن هناك ما تقارب تكلفته 1.2 مليار ليرة سورية، وهو ثمن مجمد لآلاف الكتب المطبوعة منذ سنوات، لا تلقى أي طلب عليها من الطلاب الجامعيين، سواء في التعليم النظامي أو المفتوح.
هذه الأرقام قريبة نسبيًا مما نشره موقع “أخبار الاقتصاد السوري“، في أيار الماضي، الذي تحدث عن 900 مليون ليرة سورية، كقيمة تقريبية للكتب الموجودة ضمن مستودعات تابعة لكليات جامعة “دمشق”، معتبرًا استمرار وضعها على هذا النحو خسارة مالية كبيرة للمال العام، ولمديرية الكتب والمطبوعات في الجامعة.
الموقع أشار أيضًا إلى انعكاس هذا الركود والتوجه نحو المحاضرة والملخص على مستلزمات العمل، وتأمين الورق اللازم لطباعة كتب جديدة.
في 3 من تشرين الأول الماضي، كشفت صحيفة “الوطن” عن توجه رئاسة جامعة “دمشق” للاشتراط على الطلاب في كلياتها شراء ثلاثة كتب دراسية خاصة في السنة الكاملة، أو روايات (فرنسية وإنجليزية)، من مستودع الكلية، بصرف النظر عن أسعارها ومحتواها، ليتسلّم الطالب وصلًا يسلّمه لمركز الخدمة مع وصل الدفع الخاص بتثبيت التسجيل كشرط للتثبيت.
الكتاب أفضل
عضو سابق في الهيئة التدريسية بجامعة “دمشق”، تحفّظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، أوضح لعنب بلدي أن الجامعات السورية بأنواعها، العامة والخاصة، تعتمد بشكل شبه كلي على المحاضرات والملخصات لمختلف مقرراتها.
وتركّز الجامعات ذات الثقل العلمي خارج سوريا على الكتب الشاملة للمادة، التي قد تكون ممتدة على عدة أجزاء أو فصول خلال المسيرة التعليمية، وهو أمر إيجابي يساعد الطالب في الاطلاع على معلومات أكثر ضمن المادة الواحدة، ولا سيما إذا كان اجتياز امتحان المادة لا يتطلّب أكثر من قراءة الملخص المعتمد من قبل دكتور المادة كبديل عن الكتاب.
وأضاف أن توجهًا من هذا النوع في سوريا، يتطلّب توفير الكتب بصيغة إلكترونية لمواكبة التطور التكنولوجي، ولتوفير الأموال الممكن إنفاقها على الطباعة ودفع ثمن المحاضرات، ورغم أن البنية التقنية في سوريا غير مساعدة، فإن بوسع الطالب الاستعانة على الأقل بجهاز الهاتف المحمول للاطلاع على المقرر.
وتساعد هذه الآلية في تحفيز أعضاء الهيئة التدريسية على التأليف أكثر، كما تخدم الباحثين من خارج الجامعة لاستخدام الكتب التي يؤلفونها.
“تقديم كتاب للطالب من 200 صفحة خلال الفصل، يختلف عن تقديم ملخص من 50 صفحة، فالحالة الأولى تحفّز على القراءة وإغناء المعلومات، والثانية بوابة للحفظ والتفريغ بصرف النظر عن الاستيعاب وتعميق الثقافة، وهذا لا يطور مهارات البحث والتحليل لدى الطالب”.
ورغم وجود بعض الأساتذة الذين يطالبون طلابهم بقراءة كتاب ما، وتقديم ملخص عنه، أو عرض ضمن المحاضرة، فإن العملية تنحصر في إطار المبادرات الفردية، بينما يعتبر تعميم الكتب الجامعية ظاهرة أكثر صحية على المستوى التعليمي، ما لم تُستغل القضية للمتاجرة بما هو ورقي ولا يتناسب مع روح المرحلة علميًا.
صحيفة “الوطن” نقلت عن مصدر مسؤول، أن جامعة “دمشق” بصدد تشكيل لجنة للكتاب الإلكتروني، لتأمين الكتب بصيغة إلكترونية يمكن طباعتها لتكون في متناول الطالب، بما يوفر تكاليف كبيرة كانت الجامعة تتكبدها في أعمال الطباعة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :