كيف قُتل باسل جاكيش في سجون “الشرطة العسكرية” باعزاز

احتجاجات طالبت الشرطة العسكرية بعدم الإفراج عن جثة الشاب باسل جاكيش من مستشفى أعزاز الوطني- 29 أيار 2023 (عنب بلدي)

camera iconاحتجاجات طالبت الشرطة العسكرية بعدم الإفراج عن جثة الشاب باسل جاكيش من مستشفى أعزاز الوطني- 29 أيار 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

قُتل شاب ينحدر من مدينة سلمية بريف حماة الشمالي تحت التعذيب، بعد أيام من اعتقاله من قبل “الشرطة العسكرية” في اعزاز بريف حلب الشمالي، وسط أنباء متضاربة عن كيفية مقتله ومصير جثته.

واعتقلت “الشرطة” التابعة لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” الشاب القتيل باسل محمد جاكيش، في 25 من أيار الحالي، برفقة المراهق يزن ياغي البالغ من العمر 16 عامًا، بعد دخولهما المنطقة بغية العبور نحو تركيا، ومنها إلى أوروبا.

عنب بلدي تواصلت مع ذوي القتيل في حماة ومع قياديين في “الجيش الوطني” و”الشرطة العسكرية”، ومتطوعين في مستشفيات المنطقة، لتوضيح ملابسات القضية وأسبابها وماذا حلّ بجثة الشاب.

ما قصة باسل جاكيش؟

حسابات إخبارية محلية نشرت عبر “فيس بوك” أن الشاب باسل محمد جاكيش قُتل، في 28 من أيار الحالي، تحت التعذيب في سجن “الشرطة العسكرية” باعزاز.

قريب للشاب، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية يقيم في مدينة سلمية، قال لعنب بلدي، إن فرع الشرطة الذي اعتقل الشاب في اعزاز حاول التفاوض مع عائلته للحصول على مبالغ مقابل إطلاق سراحه، برفقة المراهق يزن ياغي، لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة.

وعقب أيام على بداية المفاوضات قالت “الشرطة” لعائلة الشاب، إنه أُعدم ميدانيًا، ليتضح لاحقًا أنه لا يزال حيًا، عبر تسجيل مصوّر تداولته شبكات إخبارية محلية يظهر الشاب والمراهق الموقوفَين.

قريب القتيل قال لعنب بلدي، إنه بعد تأكيد مقتله هذا الأسبوع، تجري مفاوضات حول تسليم الجثة، إذ يطلب المفاوضون مبالغ (لم يحددوها بعد) لقاء تسليمها.

 

مدير إدارة “الشرطة العسكرية”، العميد الركن خالد الأسعد، نفى بدوره إجراء أي مفاوضات بين الشرطة وعائلة القتيل، متجاهلًا بقية الأسئلة المتعلقة بما إذا كان الشاب قد توفي فعلًا.

أحدث معلومة تلقتها عائلة القتيل من الجهة المفاوضة هي أن “الشرطة العسكرية” سلّمت جثة القتيل لـ”الدفاع المدني السوري” في المنطقة تمهيدًا لدفنه.

المتطوع في “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) زياد حركوش، قال لعنب بلدي، إن “الدفاع” يتبع آلية ثابتة بعمليات الدفن للجثث المسلّمة له من المستشفيات، وفقًا لتقارير الطب الشرعي، وتقرير من المحكمة يوضح ملابسات الحادثة، وتصريح دفن.

وأشار إلى أن “الدفاع المدني” لم يتعامل مع أي حالة مشابهة لتفاصيل الحادثة المذكورة خلال الفترة الماضية.

وحول الاتهامات التي وُجهت للشاب بأنه “شبيح” يعمل لمصلحة النظام السوري، قال قريبه، إن باسل تطوع في “الدفاع الوطني” قبل عدة سنوات لتفادي الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، علمًا أنه كان موظفًا في شركة النفط.

ولم يغادر باسل مدينة سلمية خلال السنوات اللاحقة، إذ كان يحاول جمع مبلغ يخوّله مغادرة البلاد إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، بحسب قريبه.

ماذا حصل في “السجن المؤقت”

قيادي في “الشرطة العسكرية”، مطلع على مراحل اعتقال الشاب منذ بدايتها، قال لعنب بلدي، إن القصة بدأت عندما ألقت “الجندرمة” التركية (حرس الحدود) القبض على الشاب باسل جاكيش برفقة مجموعة كانت تحاول العبور نحو تركيا، وأعادت تسليمهم إلى “الجيش الوطني” في اعزاز.

وعند نقل الموقوفين إلى مركز مؤقت لـ”الشرطة العسكرية”، أثيرت شكوك حول الشاب الذي ينحدر من مدينة سلمية شرقي حماة، وفي اليوم التالي تقدم شخص بشكوى في فرع “الشرطة” ضد باسل، لأنه يعمل لمصلحة “الدفاع الوطني” مرفقًا الدعوى بصور تثبت ذلك.

القيادي قال إن باسل لم ينكر التهم التي وُجهت له خلال التحقيق، واعترف أنه كان يعمل لدى “الدفاع الوطني”، وأحيل ملفه إلى القضاء مساء الخميس الماضي، لكنه لم يُنقل إلى القضاء العسكري في اليوم نفسه، بحكم أن المحكمة لا تعمل يومي الجمعة والسبت، ما دفع إلى تأجيل النقل حتى يوم الأحد 27 من أيار.

وخلال غياب قادة الفرع عن مركز الاحتجاز، دخل محقق وعنصران من “الشرطة العسكرية” إلى مكان احتجاز باسل، واعتدوا عليه بالضرب حتى فارق الحياة، علمًا أن العناصر والمحقق لا علاقة لهم بقضية باسل، وليسوا مسؤولين عن التحقيق معه.

تحقيق

القيادي في “الشرطة العسكرية” أضاف، خلال حديثه لعنب بلدي، أن من اعتدوا على الشاب أحيلوا إلى التحقيق في اليوم التالي، ومنذ ذلك اليوم هم خارج الخدمة، يخضعون للتحقيق.

ورفض القيادي ذكر أسماء عناصر الشرطة الذين أحيلوا للتحقيق، باعتبار أن ذلك من القضايا الأمنية المتعلقة بسلك الشرطة.

وأشار إلى أن الشاب ذا الـ16 عامًا يزن ياغي، الذي كان محتجزًا برفقة باسل، أُفرج عنه منذ يوم الأحد، ولا يعلم الوجهة التي سلكها عقب ذلك.

وهو ما أكده مصدر ثانٍ في “الجيش الوطني”، مطلع على عمل “الشرطة العسكرية”، موضحًا أن مجموعة من عناصر السجن نفسه أحيلوا للتحقيق دون معرفة عددهم بشكل دقيق.

حاجز للشرطة العسكرية في مدينة اعزاز شمالي حلب (مكتب اعزاز الإعلامي)

حاجز للشرطة العسكرية في مدينة اعزاز شمالي حلب (مكتب اعزاز الإعلامي)

أين الجثة؟

ذكر القيادي في “الشرطة العسكرية” لعنب بلدي أن مكان الجثة خارج عن نطاق معلوماته الآن، بعدما نُقلت إلى مستشفى “اعزاز الوطني”، دون معلومات أخرى حول الأمر.

تواصلت عنب بلدي مع أكثر من جهة في “الجيش الوطني” و”الشرطة العسكرية” بمدينة اعزاز لمعرفة مكان جثة الشاب، ولم تحصل على إجابة في هذا الصدد.

مصدر طبي في مستشفى “اعزاز الوطني” قال إن برادات الجثث في المستشفى لم تدخل إليها أي جثة بمواصفات الشاب باسل جاكيش، بعدما أرسلت عنب بلدي صورة الشاب له، علمًا أن الاحتجاجات التي دارت في محيط المستشفى متعلقة بجثة الشاب نفسه.

مدير إدارة “الشرطة العسكرية”، العميد الركن خالد الأسعد، تجاهل الأسئلة المتعلقة بمصير الشاب وجثته.

احتجاجات تطالب بتبرئة المسؤولين

مع استمرار تكتم “الشرطة العسكرية” على تفاصيل القضية، وعدم تأكيدها بشكل رسمي مقتل الشاب، أو المسؤولين عن تعذيبه، أو مصير بقية أفراد المجموعة التي اعتقلته، تكررت الدعوات للاحتجاج للمطالبه بعدم مساءلة العناصر المسؤولين عن مقتل الشاب.

مدنيون وعناصر من الشرطة العسكرية يقفون أمام مستشفى أعزاز الوطني للمطالبة بعدم الإفراج عن جثة الشاب باسل جاكيش- 29 من أيار 2023 (عنب بلدي)

مدنيون وعناصر من الشرطة العسكرية يقفون أمام مستشفى اعزاز الوطني للمطالبة بعدم تسليم جثة الشاب باسل جاكيش- 29 من أيار 2023 (عنب بلدي)

وشهد محيط المستشفى “الوطني” في مدينة اعزاز احتجاجات، الاثنين والثلاثاء 29 و30 من أيار، طالبت بعدم تسليم جثة الشاب، بعدما دعت لها حسابات إخبارية عبر تطبيق “تلجرام” للمراسلة (شائع الاستخدام في المنطقة).

وطالب المحتجون، ومن بينهم مدنيون وعسكريون، بعدم إحالة عناصر “شرطة اعزاز” إلى المقر الرئيس في حوار كلّس، كون القتيل باسل جاكيش يعد “شبيحًا” وعمل لمصلحة النظام السوري.

مظاهرة بالقرب من الشرطة العسكرية في اعزاز تطالب بالإفراج عن محققين قتلوا سجينًا تحت التعذيب في سجن الشرطة العسكرية باعزاز- 30 أيار 2023 (مكتب اعزاز الإعلامي)

مظاهرة بالقرب من الشرطة العسكرية في اعزاز تطالب بالإفراج عن محققين قتلوا سجينًا تحت التعذيب في سجن الشرطة العسكرية باعزاز- 30 من أيار 2023 (مكتب اعزاز الإعلامي)

آخرون رهن الاحتجاز

تسببت قضية الشاب باسل جاكيش بنوع من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب انخراطه في مجموعات رديفة للنظام السوري، لكنه ليس الموقوف الوحيد في المنطقة، إذ تتحفظ “الشرطة العسكرية” في اعزاز على مدنيين آخرين ينحدرون من مدينة سلمية أيضًا، بينهم أطفال ونساء.

ولا تزال “الشرطة العسكرية” تتحفظ على عدد من الموقوفين في “السجن المؤقت” بمدينة اعزاز حتى لحظة تحرير هذا التقرير، بينما لم ترد معلومات عن إحدى العائلات التي احتجزها فرع الشرطة نفسه قبل أيام.

ومن الأشخاص المحتجزين لدى الشرطة العسكرية في اعزاز، رجل وزوجته من آل زهرة، ينحدران من مدينة سلمية أيضًا، ولا تتوفر معلومات عنهما حتى لحظة تحرير هذا الخبر.

سجون “الجيش الوطني”

على مدار السنوات الماضية، سُجل في رصيد عديد من الفصائل العسكرية اعتداءات وتجاوزات بحق المدنيين أو العسكريين في الفصائل الأخرى، وخاصة العاملة في محافظة إدلب.

وتكرر تداول تسجيلات مصوّرة، من قبل ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عمليات تعذيب يقوم بها عناصر تابعون لأحد تشكيلات “الجيش الوطني”.

وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن ممارسات التعذيب في سجون “الوطني” ستؤدي إلى فرض عقوبات على فصائله التي صارت انتهاكاتها المستمرة “فضائح مخجلة لفصائل المعارضة”، والتي تضمنت انتهاكات بحق المدنيين، والسكان المحليين، أبرزها عمليات السرقة والخطف والنهب.

اقرأ أيضًا: “زنازين التعذيب” تهدد “الجيش الوطني” بالعقوبات





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة