ما واقعية التبادل التجاري بالعملة المحلية بين النظام السوري وحلفائه

tag icon ع ع ع

تبرز التصريحات في حكومة النظام السوري عن السعي نحو تبادل تجاري بالعملات المحلية مع “الحليفين” الروسي والإيراني، دون أي اجراءات عملية في هذا الاتجاه، ما يثير التساؤل حول أسباب عدم تنفيذ مثل هكذا خطوة، بالرغم من العلاقة الطويلة القوية بين “الحلفاء”، وحاجة البنك المركزي السوري لتوفير العملة الأجنبية.

وكشف وزير المالية السوري، كنان ياغي، خلال مشاركته في منتدى “بطرسبرغ” الروسي بين 14 و17 من حزيران الحالي، عن وجود مباحثات بين المصرفين المركزيين السوري والروسي، لإطلاق نظام مصرفي لإدارة التجارة البينية بالعملتين الوطنيتين.

وقال ياغي في حديثه لوكالة “نوفوستي” الروسية، منتصف حزيران الحالي، “هناك العديد من الاتفاقيات لتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا وسوريا، ولكن كما نعلم جميعًا يعاني العالم من أحادية القطب، وتعمل دولنا بالتنسيق على كسر هيمنة الدولار وتنظيم المبادلات التجارية”.

واقترح ياغي لكسر هذه “الهيمنة”، إيجاد نظام تسوية للمعاملات التجارية بالعملات الوطنية، مشيرًا إلى أن البنوك المركزية في البلدين تدرس إنشاء نظام التسويات النقدية للمعاملات التجارية على أساس العملات الوطنية، وموضحًا أن الخطوة “قطعت شوطًا طويلً، وبدء العمل بها ليس ببعيد”.

وكان ياغي في ذات اليوم قد صرح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أنه يجري التخطيط لافتتاح فرع من بنك “سبيربنك” الروسي في سوريا.

ويرى ياغي أن التبادل التجاري بالعملات المحلية سيكون له “أثر إيجابي على حجم التجارة وستخلق بديلًا لنظام التسوية العالمي باستخدام (سويفت)، والدولار الذي أصبح أداة لتنفيذ عقوبات اقتصادية ضد الاقتصاد العالمي”.

ويأتي هذا الحديث بعد نحو شهر على إعلان النظام السوري، تسريع الإجراءات الثنائية لتأسيس مصرف مشترك سوري- إيراني، بهدف تسهيل التبادل التجاري.

وجاء الإعلان خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق مطلع أيار الماضي، حين شرح حساب “الرئاسة السوري” على “فيس بوك“، الخطوات الاقتصادية المتفق عليها خلال الزيارة، ومنها “تسريع الإجراءات الثنائية المطلوبة لتأسيس مصرف مشترك بهدف تسهيل التبادل التجاري”.

طروحات “غير قابلة للتطبيق”

الحديث عن تأسيس مصرف سوري- إيراني لا يعد جديدًا، إذ منذ عام 2019، أعلن رئيس البنك المركزي الإيراني توقيع اتفاق مع حاكم مصرف سوريا المركزي، لإنشاء وتطوير وإقامة علاقات الوساطة المصرفية بين البلدين، وإصدار رخصة إنشاء بنك مشترك بين إيران وسوريا في دمشق، وافتتاح الحساب بالتبادل المصرفي على أساس العملة الوطنية للبلدين، وتوفير إمكانية استخدام البطاقات المصرفية بين طهران ودمشق، إلا أن ذلك الاتفاق لم يترجم عمليًا.

ويعود الحديث الرسمي في فترات متفاوتة عن إنشاء البنك المشترك، دون أي ترجمة فعلية.

الباحث الاقتصادي، زكي محشي، قال لعنب بلدي، إن حديث وزير المالية السوري عن تبادل تجاري بالعملات المحلية، “غير عملي، أو قابل للتطبيق”، لعدة أسباب، أولها أن الاقتصاد السوري “ضعيف جدًا وحجم التبادل التجاري صغير جدًا”.

وتعاني تركيبة التجارة الخارجية بين سوريا وروسيا، أو سوريا وإيران من العجز التجاري الكبير بالنسبة لسوريا، وفق الباحث الاقتصادي، الذي قدر حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا أو إيران من 250 إلى 300 مليون دولار، وبنسبة 10% منه حجم الصادرات السورية لهذه الدول والبقية استيراد، وهو ما يولد الضغط الأكبر على العملة السورية.

وسبق أن قدر رئيس غرفة التجارة الإيرانية- السورية المشتركة، كيوان كاشفي، حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال 2021، بمبلغ 190 مليون دولار.

وأوضح الباحث السوري، أن حكومة النظام في حال تطبيق نظام الدفع بالعملات المحلية ستجبر لتغطية نفقات المستوردات بالروبل الروسي والتومن أو الريال الإيراني، في حين لن يكون بإمكانها شراء هذه العملات بالعملة السورية “غير المرغوبة”، لأن سوريا ليست دولة منتجة أو لديها مؤسسات مالية كبيرة، وهو ما سيدفعها للشراء بعملة وسيطة، مثل الدولار أو اليورو، وبالتالي ستزداد خسارة العملة الصعبة، وهو ما سينعكس سلبًا على الاقتصاد السوري.

جلسة مباحثات مشتركة لوزير المالية في حكومة النظام السوري كنان ياغي مع نظيره الإيراني إحسان خاندوزي في دمشق- أيار 2023 (سانا)

ما فائدة روسيا وإيران

يعد حجم التبادل التجاري الروسي والإيراني مع سوريا صغيرًا نسبيًا بالمقارنة مع حجم التبادل التجاري الإجمالي للدولتين مع بقية دول العالم.

الباحث الاقتصادي، زكي محشي، يرى أن روسيا وإيران لن تحققا فوائد كبيرة من التبادل التجاري بالعملات المحلية مع سوريا، نظرًا لأن الصادرات إليها تشكل رقم صغير بالنسبة إلى إجمالي حجم التجارة العالمي، معتقدًا أن المكاسب السياسية وبالأخص لروسيا هي أكبر من وراء هذه الخطوة، وهي التي تحاول مع الصين إيجاد نظام بديل عن الدولار وكسر هيمنة الدول الغربية على الاقتصاد العالمي.

وعلى هامش مشاركته في منتدى “بطرسبرغ” الروسي، قال وزير المالية السوري، لقناة “روسيا اليوم” الروسية، “نرى تراجعًا لدور الدولار في التعامل بين الدول، وهذا يؤسس لكسر الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي”، مضيفًا، “هناك خطوات جدية تقودها روسيا والصين لتغيير السياسات الاقتصادية التي هيمنت من خلالها الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي”.

ولا يعد التبادل التجاري العامل الاقتصادي الرئيسي بين النظام وحليفيه، إذ بعد مشاركته القتال خلال الثورة السورية ودعمه اقتصاديًا عبر النفط والقروض، بدأ كل طرف بمحاولة اكتساب مايمكن الاستفادة منه اقتصاديًا في سوريا.

وفي 25 من نيسان الماضي، اجتمعت اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية، بمشاركة وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، ووزير الطرق الإيراني، مهرداد بذرباش، الذي كشف عن تشكيل ثماني لجان تخصصية، إحداها لمتابعة الديون والمستحقات، لإجراء تحقيق دقيق لحجم الديون، بعد اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراضٍ كبديل لهذه الديون.

وبحسب دراسة لـ”مركز الحوار السوري”، فإن إيران اتخذت مجموعة من الخطوات للهيمنة على الاقتصاد في سوريا، تفاوت نجاحها وفشلها، وجاءت في قطاعات تربية الحيوان والزراعة، والتجارة الزراعية، إلى جانب الاستيلاء على أراضٍ زراعية.

وشملت أيضًا الثروات الباطنية والصناعات الاستخراجية، ومحاولات للسيطرة على الفوسفات وحقول النفط والغاز، وتكرير المواد النفطية، قوبلت بحضور روسي بارز ومنافس قوي إجمالًا في هذه المجالات.

الباحث السوري، زكي محشي، يعتقد أن التبادل التجاري ليس من أولويات إيران وروسيا في سوريا، وإنما هي الاستيلاء على الأراضي للتحكم بالقطاعات الربحية، مثل قطاع الاتصالات، وقطاعات الثروات الباطنية مثل الغاز والنفط والفوسفات، والاستثمار بالموانئ.

ووصف المحلل الاقتصادي سوريا بالنسبة لإيران اقتصاديًا بـ “العبء” نتيجة دعمها بـ “الخطوط الائتمانية المفتوحة” بالنسبة للنفط، الذي يسجل كديون على سوريا لأجيال قادمة، أو مثل أطنان القمح التي ترسلها روسيا وأغلبها من أوكرانيا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة