ميادين مركزية للترحيل في اسطنبول يتجنبها السوريون

camera iconميدان أكسراي في مدينة اسطنبول - 29 من حزيران 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

يتوسط ميدان منطقة أكسراي مركز مدينة اسطنبول، ويعتبر من أكثر النقاط حيوية في المدينة المكتظة بالسكان واللاجئين، ونظرًا إلى تركز سوق العرب في منطقة الفاتح التي تضم حي أكسراي، يضطر معظم السوريين إلى المرور من هذا الميدان.

تحمل كلمة ميدان في اللغة التركية المعنى نفسه في اللغة العربية، وتُطلق على عديد من الأماكن في أحياء اسطنبول، ومنها ما تتجاوز شهرته ميدان أكسراي، كميدان جامع “السلطان أحمد” على سبيل المثال، لكن ميدان أكسراي يكتسب شهرة خاصة بسبب عمليات الترحيل اليومية التي تعترض السوريين المقيمين في المدينة.

الحال نفسها تنطبق على الميدان الواقع وسط حي أسنيورت غربي المدينة، الذي يقيم فيه عدد كبير من اللاجئين السوريين، نظرًا إلى انخفاض أسعار إيجارات المنازل فيه، لكن المرور من ساحته يعتبر مغامرة بالنسبة لبعضهم.

هل يحملون “كملك”؟

يمكن خلال السير في ميدان حي أكسراي الذي تتوسطه محطة “ميترو” كبيرة، ملاحظة غرفة صغيرة يجلس أمامها ضباط شرطة عددهم أكبر من أن تسعهم تلك الغرفة.

وإلى جانب الضباط حافلة متوسطة الحجم، تتسع لأكثر من 20 شخصًا، ونادرًا ما تلحظ هذه الحافلة فارغة، إذ يشغل الأجانب مقاعدها على الدوام، ومعظمهم سوريون، وأفغان في بعض الأحيان.

إسماعيل (27 عامًا) يقيم على مقربة من الميدان مع مجموعة من أصدقائه، وقد قضى عامين من إقامته في مدينة اسطنبول يدخل إلى محطة “ميترو أكسراي” دون أن يلحظه عناصر الشرطة المنتشرون في المنطقة.

قال إسماعيل لعنب بلدي، إنه تمكن قبل أكثر من عام من استخراج إذن للعمل في ولاية اسطنبول، ونقل بموجبه مكان إقامته إلى المدينة بعد عناء طويل، ليصبح وضعه القانوني فيها طبيعيًا، بعد عامين قضاهما محاولًا تفادي دوريات الشرطة في الميادين والأزقة.

وفي منتصف 2022، أوقف أحد عناصر الشرطة إسماعيل خلال توجهه لشراء حاجياته على مقربة من الميدان، وبسبب عدم امتلاكه إذنًا للسفر، وُضع في الحافلة إلى جانب سوريين آخرين كانوا ينتظرون اكتمال عدد الركاب لنقلهم إلى مركز الترحيل في ولاية أورفا.

وكونه يملك بطاقة “حماية مؤقتة” (كملك) صادرة عن ولاية غازي عينتاب، لم يُرحّل إسماعيل، على عكس من رافقوه الرحلة ممن لا يملون “كملك”، إذ أُطلق سراحه بالقرب من معبر “باب السلامة” في مدينة كلّس القريبة من ولاية غازي عينتاب، مع غرامة مالية، وأكملت الحافلة طريقها لنقل السوريين ممن لا يحملون أوراقًا ثبوتية إلى داخل المعبر.

“عند مروري بجانب الحافلة، أول ما يخطر في ذهني، هل يملك الركاب (كملك)؟”.

إسماعيل – لاجئ سوري يقيم في تركيا

الحالة نفسها واجهها عبد الله، الذي أوقفته الشرطة في المنطقة نفسها، وأرسلته إلى مركز “توزلا” للترحيل، لأنه نسي بطاقته الشخصية في المنزل، إذ رفض عناصر الشرطة منحه عشر دقائق ليحضر أحد أفراد عائلته “الكملك” من المنزل.

ومن مركز “توزلا” تفهّم الضابط المسؤول أن وضع عبد الله قانوني، وأطلق سراحه بعد أن تعرض للإهانات اللفظية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

يتوسط ميدان منطقة أكسراي مركز مدينة اسطنبول، ويعتبر من أكثر النقاط حيوية في المدينة المكتظة بالسكان، واللاجئين، ونظرًا لتركز سوق العرب في منطقة الفاتح التي تضم حي أكسراي، حيث يخشى السوريون دوريات الشرطة الباحثة عن المخالفين لترحيلهم- 29 من حزيران 2023 (عنب بلدي)

ميدان أسنيورت.. يتفاداه بعض السوريين

لا يختلف الوضع في ميدان حي أسنيورت عن نظيره في أكسراي بالنسبة للسوريين، إذ يجب على من يتوجه إلى المنطقة التأكد من وجود بطاقة “الحماية المؤقتة” عدة مرات قبل دخول الميدان.

يعمل رامي مبرمجًا من منزله الواقع في حي أسنيورت، إذ لا يخرج من المنزل كثيرًا، باستثناء اللحظات التي يحتاج فيها إلى شراء بعض الحاجيات.

وكونه يحمل بطاقة “حماية مؤقتة” صادرة عن ولاية غازي عينتاب، يعتبر التحرك دون حذر في المنطقة بمنزلة “انتحار”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إذ وصف ميدان الحي بأنه أشبه بشيء لا يرغب السوري في رؤيته، حتى ولو كان وضعه القانوني سليمًا.

وأضاف أنه في بعض الأحيان كان يضطر لاستخدام سيارة أجرة ليقطع مسافة 500 متر بين منزله و”البقالية” السورية التي يشتري منها الخبز والمتة وحاجيات أخرى.

يعيش رامي على هذه الحال منذ عدة سنوات، ولم يتمكن حتى اليوم من نقل قيوده الشخصية المثبتة في مدينة غازي عينتاب، وهو ما قد يعرضه للمساءلة في حال ضبطه.

يعيش رامي مع مجموعة من رفاقه في منزل مشترك بمدينة أسنيورت باسطنبول، وكان عدد المقيمين في المنزل نفسه أكبر من اليوم، بحسب ما قاله لعنب بلدي، لكن عديدًا من رفاقه رُحّلوا، أو عادوا إلى سوريا، أو توجهوا نحو أوروبا.

وقال إن هذه الخيارات غير متاحة بالنسبة له، كون سوريا ليست ملاذًا آمنًا، ولا يملك المال الكافي لعبور الحدود نحو القارة العجوز بالطريقة التقليدية (غير الشرعية)، ولم تقبض عليه الشرطة حتى اليوم، وهو ما أبقاه في منزله نفسه منذ نحو خمس سنوات.

“علامة سورية”

تحدث الشاب السوري قصي لعنب بلدي عن شعوره نحو عناصر الشرطة المتمركزين في الميادين الرئيسة، وعلى محطات المواصلات الأكثر ازدحامًا، قائلًا إنهم يتحينون الفرصة لاقتناص من تبدو عليهم “علامة سورية”.

“لا أعرف كيف يميزون بين السوري والأجنبي، حتى أصدقائي الأتراك يخبرونني أنني أبدو تركيًا، ولغتي التركية جيدة جدًا، لكن الشرطي ينظر إليّ لحظة مروري من المنطقة، ويطالبني ببطاقة (الحماية المؤقتة)”.

قصي – شاب سوري مقيم في اسطنبول بصفة لاجئ

في 31 من كانون الثاني الماضي، تداول ناشطون تسجيلًا مصوّرًا يظهر فيه عدد من الشبان السوريين يحملون أوراقهم الثبوتية في تركيا، وهم يحتجّون على قرار ترحيلهم “القسري” من الأراضي التركية.

ورحّلت السلطات حينها نحو 150 شخصًا، تم توقيفهم في عدة أحياء بمدينة اسطنبول التركية، منها أسنيورت وتشاغليان وجونيشلي، واحتُجزوا لمدة عشرة أيام في مركز الترحيل “توزلا”.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من الناشط المختص في قضايا اللاجئين طه الغازي، فإن بعضهم يحمل إذنًا للعمل في اسطنبول ولوحات ضريبية، وآخرون يحملون بطاقة “حماية مؤقتة” صادرة عن ولايات أخرى، ولفت إلى وجود طالب جامعي يحمل بطاقة جامعية.

وحصلت عنب بلدي على وثائق بعض الأشخاص المرحّلين الحاصلين على لوحة ضريبية وإذن عمل من ولاية اسطنبول.

اتهامات حقوقية ونفي حكومي

في تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا، قالت فيه إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز الماضيين.

وذكرت المنظمة في تقريرها نقلًا عن سوريين مرحّلين، أن الشرطة التركية اعتقلتهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزتهم في ظروف سيئة.

وأضافت أن الشرطة ضربت معظمهم وأساءت إليهم، وأجبرتهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتادتهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمالي سوريا، وأجبرتهم على العبور تحت تهديد السلاح، رغم امتلاكهم بطاقة “الحماية المؤقتة”.

وعقب أيام، نفت رئاسة الهجرة التركية “مزاعم” المنظمة، إذ نقلت قناة “TRT” التركية بيانًا قالت إنه صادر عن رئاسة الهجرة، يصف السياسة التركية بـ”النموذجية” في التعامل مع اللاجئين، ويتهم تقرير المنظمة بـ”الفاضح البعيد عن الواقع”.

بيان رئاسة الهجرة قال، إن ما ورد في تقرير المنظمة من “ادعاءات” بأن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت تعسفيًا ورحّلت مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، “عارية عن الصحة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة