تعا تفرج

تراب بلادنا “الطاهر”

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

قلت، في معرض ردي على صديقي “ميم ميم”، الذي طلب مني أن أكف عن ذكر الماضي، والاقتصار في كتاباتي على الحاضر والمستقبل، إن تاريخنا، بأبعاده الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، يكتبه الشعبويون.

يعرف الشعبويون، أصحاب الأجندات غير الوطنية، أننا نعيش على واردات الأذنين، نتلقى ما يردنا، ونقبله، ونحفظه، ونتداوله على أنه حقائق لا يأتيها شك، فيسارعون إلى استعباد عقولنا بالأكاذيب. يتجنبون، عندما ينقلون إلينا وقائع التاريخ، ذكرَ ما حدث على حقيقته، ويقولون لنا كل ما عدا ذلك.

كنت، قبل أيام، منهمكًا في نقاش عام، عبر تطبيق “تيك توك”، حول حاضرنا ومستقبلنا، وذكرت أن دولة السويد على وشك ترحيل لاجئين سوريين قاموا بأعمال شغب، خلال احتجاجهم على حرص الدولة السويدية على أطفالهم، وسحبهم بواسطة “السوسيال”، وعرضوا وجهة نظرهم القائلة: هؤلاء أولادنا ونحن أحرار بهم، نضربهم، نوبخهم، نُميتهم، أنتم ما لكم علاقة. المهم، هؤلاء الأشخاص المنكوبون، المُرَحَّلون، لا يعرفون إلى أين يذهبون، لأن حكومة بلادهم هي التي طردتهم. فكتب لي أحدهم: عدو جدك لا يودك. دهشت، وقلت إن جدي “الحاج خطيب بدلة”، رحمه الله، عاش ومات وهو لا يعرف السويد، وليس له فيها أعداء، فأوضح لي الرجل أن أهل السويد مسيحيون، ويعادوننا لأننا مسلمون! ونط آخر، وكتب لي: ثقافتك، أيها الكاتب المعتد بنفسك، ضحلة، مع الأسف، فلو قرأت التاريخ كما يجدر بأديب مثلك، لما دافعت عن الزعم الكاذب الذي يسوغ به السويديون فعلتهم الدنيئة المتمثلة بأخذ أبناء المسلمين من ذويهم.

ولأن هذا الرجل متخصص بالتاريخ، كما قال، فقد راح يشرح لي أن الجنرال غورو جاء على رأس جيش كبير إلى دمشق، يوم 25 من تموز 1920، ليفرض على سوريا الانتداب، متذرعًا بقرار عصبة الأمم، فهب البطل المغوار يوسف العظمة، وزير الحربية، مع ثلة من جنودنا الأبطال، ليذودوا عن حمى تراب بلادنا، ويواجهوا الأطماع الاستعمارية في بلادنا، ويثبتوا للفرنسيين، وللتاريخ، أن تراب الشام “الطاهر” لا يمكن أن يدنسه الغزاة الفرنسيون، وأرضنا عصية على كل الغزاة. قلت إن هذا الكلام إنشائي، ولكنه جميل، ويعني، تحصيلًا لحاصل، أننا لم نكن نعتبر العثمانيين الذين أقاموا في ربوعنا 400 سنة غزاة، ولا محتلين! لتعلمْ، يا أيها المؤرخ الفهمان، أن يوسف العظمة دارس في اسطنبول، وحاصل على رتبة “يوزباشي” (نقيب) في الجيش العثماني سنة 1907، ومثله إبراهيم هنانو، الذي درس في اسطنبول، وعُيّن بوظيفة قائمقام بأرظروم، وكلاهما أصبح من أركان الدولة الفيصلية، وفيصل لم يأتِ إلى دمشق بالمصادفة، بل إن والده، الشريف حسين بن علي، أمير الحجاز، هو الذي أرسله، وقال له: رح يا ابني إلى الشام، وأقم فيها مملكتنا، فقد منحنا إياها حلفاؤنا الإنجليز، بموجب مراسلات بيني وبين السير مكماهون، مكافأة لنا لأننا ساعدناهم في قتال العثمانيين، وقسم كبير من أهل الشام رحبوا بالحسين، وبالضابط الإنجليزي لورنس، الذي رافقه وكان، كما تروي كتب التاريخ، الحاكم الفعلي لبلادنا، ولم يعتبره أحد محتلًا، ولم يقفوا في وجهه منافحين عن التراب “الطاهر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة