سوريون مرحلون من تركيا عالقون في الشمال السوري

سوريون عبروا إلى الأراضي السورية من معبر "تل أبيض" الحدودي قادمين من تركيا- 14 حزيران 2021 (معبر تل أبيض/ فيس بوك)

camera iconسوريون عبروا إلى الأراضي السورية من معبر "تل أبيض" الحدودي قادمين من تركيا- 14 حزيران 2021 (معبر تل أبيض/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

ارتفعت وتيرة عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا خلال الأسابيع الماضية تزامنًا مع حملة أطلقتها السلطات التركية لملاحقة المهاجرين “غير الشرعيين”، وتركزت عمليات الترحيل عبر منفذ “تل أبيض” الحدودي، ما تسبب بمشكلات لسوريين ينحدرون من شمالي حلب، نظرًا لعدم وجود طرق تمكنهم من العودة لمنازلهم في المنطقة.

الطريق الوحيد أمام اللاجئين المرحلين للعودة لمناطقهم هو التنقل بين مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ومناطق سيطرة “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، عبر طرق التهريب، ما يعرض حياتهم للخطر.

وقالت “وكالة هاوار” المقربة من “قسد”، الثلاثاء 25 من تموز، إن ثلاثة سوريين من المرحلين من تركيا حديثًا أصيبوا برصاص “الجيش الوطني”، بالقرب من مدينة تل أبيض أثناء محاولتهم الوصول إلى مناطق نفوذ “قسد”.

وبالنظر إلى توصيف الحكومة التركية للمستهدفين من الحملة بأنهم المهاجرين “غير الشرعيين”، رصدت عنب بلدي في رأس العين حالات لأفراد من حملة بطاقة “الحماية المؤقتة” (كملك) رحلوا إلى سوريا قسرًا بعد إجبارهم على توقيع أوراق “العودة الطوعية”.

ومن بين المرحلين ليث، البالغ من العمر 37 عامًا، وينحدر من محافظة حماة، الذي رحلته السلطات التركية من اسطنبول، دون عائلته، رغم امتلاكه الأوراق الثبوتية التي تجيز له الإقامة في البلاد.

مشتتون في تركيا وسوريا

رُحّل ليث إلى مدينة تل أبيض شمال غربي محافظة الرقة، قادمًا من اسطنبول، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ويرى اليوم خيارات العودة إلى مدينته في حماة معدومة كونه مطلوب لاستخبارات النظام السوري، ولأن طريقه يتطلب المرور ضمن مناطق نفوذ قوى عديدة.

وفي الوقت نفسه، اعتبر ليث أن انعدام فرص الحياة في مدينتي تل أبيض ورأس العين، حيث يتمركز “الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبل تركيا، يجعل المستقبل قاتمًا.

وتدار مدينتا رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، من قبل تركيا، وتدار المؤسسات الخدمية فيها عبر مركز ولاية أورفا التركية.

وتقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتحيط بهما جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية المغلقة أمام حركة المدنيين منذ عدة سنوات.

منتصف حزيران الماضي، كان سعيد (30 عامًا) يجلس في محله التجاري بولاية إزمير غربي تركيا، حين حضرت الشرطة وطلبت منه “الكملك”، فقدم لعناصرها بطاقة إقامته السارية، ولكن عناصر الشرطة أبلغوه أن إقامته متوقفة وأنه سينقل إلى قسم الهجرة في أزمير، حيث أجبر على توقيع أوراق “العودة الطوعية” ورحّل نحو سوريا.

برفقة 35 شخص، رحّل سعيد إلى سوريا من معبر “تل أبيض” الحدودي مع تركيا، حيث علق في المنطقة المغلقة، بمعزل عن أسرته التي تقيم في مدينة منبج شرقي حلب، ويتطلب الوصول إليها مئات الدولارات، والمجازفة بالحياة بين طرق تهريب البشر.

ويبحث الرجل اليوم عن طريق نحو منبج، لكن الطريقة الوحيدة المتوفرة هي التهريب، لا سيما أن منبج تخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، العدو التقليدي لـ”الجيش الوطني” وتركيا.

وإلى جانب خطورة طرق التهريب، تنتشر حواجز عسكرية للنظام و”قسد” على امتداد الطريق الواصل بين المنطقتين، وهو ما يعتبر انتحارًا بالنسبة لسعيد، المطلوب لتأدية الخدمة العسكرية لدى الطرفين.

كم بلغ عدد المرحلين عبر “تل أبيض”

من بين المرحلين الذين قابلتهم عنب بلدي، كانت نوال الوحيدة المرحلة إلى رأس العين، وتنحدر من المدينة نفسها، وكانت تقيم في ولاية أورفا التركية، الحدودية مع سوريا.

وبحسب ما قالته نوال لعنب بلدي، فإنها رُحّلت من تركيا بسبب تنقلها بين ولاية أوروفا ومدينة أخرى دون حصولها على إذن للسفر، إذ كانت تنوي زيارة طبيب في مدينة ماردين للحصول على علاج لمرض ارتفاع سكر الدم.

نوال كانت الأكثر حظًا من بين المرحلين، إذ تمكنت من العودة لمدينتها، لكنها تتساءل، ماذا لو رحلت نحو شمالي حلب مثلًا، كيف كان من الممكن أن تصل إلى مدينتها رأس العين.

المسؤول عن جمعية “البر والخدمات الاجتماعية” في تل أبيض، مهنا البكر، قال لعنب بلدي إن فريقه عمل على فتح مركز الجمعية لاستضافة المرحلين من تركيا، واستقبلوا أكثر من 100 شخص مرحل من تركيا، حتى اليوم.

وأضاف أن الجمعية مسؤولة عن توفير احتياجاتهم اليومية، وتوفير المساعدات الضرورية لهم، خصوصًا أن بعض المرحلين اختاروا البقاء ضمن المركز، بينما يحاول بعضهم الآخر العودة إلى مناطقهم التي تخضع لسيطرة “قسد”، أو النظام، أو حتى مناطق نفوذ المعارضة شمال غربي سوريا.

وتسعى الجمعية لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة لهؤلاء المرحلين خلال فترة مكوثهم في المركز، نظرًا للظروف التي يمرون بها، بحسب مهنا.

مدير معبر “تل أبيض” الحدودي، فايز القاطع، قال عنب بلدي إنه الفترة الممتدة بين 1 و23 من تموز الحالي، عاد فيها 1400 سوريًا من المعبر، بينهم 700 من المرحلين.

وتؤكد الحكومة التركية بشكل مستمر على أن الحملة تستهدف الأجانب الذين دخلوا إلى البلاد بطرق غير قانونية ويقيمون ويعملون فيها بدون تصريح رسمي.

وتظهر بعض الحالات أن الحملة طالت سوريون يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة”، الذين اضطروا بسبب الظروف المعيشية إلى الانتقال نحو ولايات تركية أخرى غير تلك التي صدرت فيها بطاقات لجوئهم، وهو أمر يتعارض مع قانون منع التنقل بين المدن للاجئين في تركيا.

رسميًا.. حملة تلاحق السوريين

في 9 من تموز الحالي، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إنه أصدر تعليمات بشأن ملاحقة المهاجرين غير النظاميين الذين يقيمون في عموم البلاد بشكل غير قانوني، وليس فقط في مدينة اسطنبول.

وأضاف الوزير، خلال لقاء أجراه مع صحيفة “Hürriyet” التركية حينها، إن عناصر الشرطة والدرك وفرق خفر السواحل تشارك في حملة ضبط المهاجرين غير النظاميين.

وتعهد الوزير بخفض عدد المهاجرين غير النظاميين في جميع الولايات بشكل ملحوظ خلال مدة لا تتجاوز أربعة إلى خمسة أشهر، موضحًا أن المهاجر غير النظامي هو الأجنبي الذي دخل تركيا بطريقة غير قانونية ويواصل الإقامة والعمل فيها دون تصريح رسمي.

ووفق علي يرلي كايا، تقوم القوات التركية خلال هذه الفترة بالتحقق من جوازات السفر وهوية ووثائق المهاجرين، وفي حال التأكد بأن الأجنبي لا يحمل هذه الوثائق، فإنه يُصنّف ضمن خانة “مهاجر غير نظامي” ويتم ضبطه.

وبعد الضبط، ينقل المهاجر غير النظامي إلى مراكز الاحتجاز لأخذ بصمات الأصابع وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة ليتم تسليمه إلى “دائرة الهجرة” ثم ترحيله.

وفي 21 من تموز الحالي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مقابلة إن عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا “طوعًا” قد يكون تجاوز مليون شخص، وسيزداد أكثر في المستقبل، وأشار إلى أن رغبة السوريين في “العودة طواعية” إلى بلادهم “واضحة”.

كما أشار إلى أن بناء المنازل المصنوعة من قوالب حجرية في شمالي سوريا للاجئين السوريين مستمر بدعم من قطر.

ووصل عدد الأبنية إلى الآن لأرقام تتراوح بين 100 و150 ألف منزل حجري، بحسب الرئيس التركي.

إدانات لسياسة الترحيل التركية

طالبت منظمة “مراسلون بلا حدود” في 22 من تموز الحالي، السلطات التركية بعدم ترحيل الصحفيين السوريين المقيمين على أراضيها إلى بلادهم، وحذرت من إمكانية تعرضهم للسجن والاختطاف أو القتل، في حال إعادتهم إلى سوريا.

ودعت المنظمة في بيان، السلطات التركية لحماية الصحفيين السوريين و”الالتزام الصارم بمبدأ عدم إعادة أي لاجئ إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر محتمل”.

وقال رئيس مكتب الشرق الأوسط في المنظمة، جوناثان داغر، “على السلطات أن توفر للصحفيين في تركيا كل الحماية اللازمة، وتحقيقًا لهذه الغاية، يجب أن تسهل الإجراءات الإدارية المطلوبة”.

في 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه.

وذكرت المنظمة في تقريرها نقلًا عن سوريين مرحلين، أن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم “في ظروف سيئة”.

من جهتها، ردت رئاسة الهجرة التركية على التقرير واصفة إياه بـ”الفاضح البعيد عن الواقع”، كما وصفت السياسة التركية بـ”النموذجية” في التعامل مع اللاجئين.

ويقيم في تركيا بحسب الإحصائية الأسبوعية الصادرة عن دائرة الهجرة في 23 من تموز، ثلاثة ملايين و325 ألفًا، و17 لاجئًا سوريًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة