مرضى يتكبدون عناء وتكاليف السفر إلى دمشق

عجز في علاج السرطان بالحسكة.. “الإدارة” تبدأ متأخرة

camera iconمعاينة طفل مصاب بالسرطان في مدينة الحسكة- 11 من أيار 2023 (الجمعية السورية لعلاج سرطان الاطفال ورعايتهم/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

الحسكة – مجد السالم

يواجه مرضى السرطان بمختلف أعمارهم في محافظة الحسكة تحديات التكاليف الباهظة وطرق تأمين العلاج مع تردي الظروف الاقتصادية والمعيشية.

أحمد المحمد (55 عامًا) واحد من مرضى السرطان في مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية”، وينحدر من مدينة الشدادي، لكنه يضطر للسفر إلى دمشق بين الحين والآخر لتلقي علاج غير متوفر على مقربة منه.

أحمد الذي يعاني سرطانًا في الدم منذ نحو ثماني سنوات قال لعنب بلدي، إنه يسافر مسافات طويلة ومرهقة، ويتحمل تكاليف مالية باهظة للحصول على الدواء والجرعات المجانية في مستشفى “البيروني” بالعاصمة.

ويتلقى أحمد نوعين من العلاج، هما دوائي (حبوب)، وكيماوي إشعاعي وهو غير متوفر بشكل دائم ضمن محافظة الحسكة، ما يدفعه لقطع المسافة المرهقة من مدينته باتجاه العاصمة دمشق.

وأضاف أحمد أنه يحتاج إلى مراجعة مستشفى “البيروني” مرة كل شهر لتلقي العلاج، وقد توجد أدوية في بعض المستشفيات والجمعيات المحلية بالحسكة، لكن يكون ذلك مرة في العام فقط، وليس بمتناول يد الجميع، بسبب المحسوبيات والفساد في المنطقة، إذ “يبلّغ كل موظف من يعرفهم فور توفر الدواء، ما يحرم كثيرين من الحصول عليه، فالكميات قليلة وغير كافية”، حسب قول أحمد.

صراع مع الوضع المعيشي

في كل مرة يسافر فيها أحمد إلى دمشق، يدفع نحو 100 ألف ليرة سورية (ذهابًا وإيابًا) كأجور للطريق فقط، تضاف إليها مصاريف أخرى كالتنقل ضمن العاصمة، ومصاريف المبيت.

وبحسب ما قاله أحمد، فهو يعتبر نفسه أفضل حالًا من سواه، لأنه يستطيع السفر إلى دمشق دون الحاجة إلى مرافق كآخرين، ما يضاعف التكاليف عليهم.

وأضاف أن الوصول إلى مستشفى “البيروني” بعد العناء المادي والجسدي، لا يعني الحصول على العلاج المجاني، فقد لا تتوفر بعض الأدوية في المستشفى، ما يستدعي شراءها من الخارج بسعر مرتفع جدًا.

“أحتاج إلى علبة دواء تحوي 30 حبة شهريًا، ويبلغ ثمنها نحو نصف مليون ليرة سورية، إضافة إلى التحاليل المطلوبة مرة كل ثلاثة أشهر، بتكلفة 120 ألف ليرة سورية للتحليل الواحد داخل مستشفى (البيروني)، و475 ألف ليرة سورية خارجه في مخبر خاص”، قال أحمد.

الجمعيات المحلية.. مساعدات بسيطة

عن دور الجمعيات التي تُعنى بمرضى السرطان في المنطقة، أشار أحمد المحمد إلى أن المساعدات التي تقدمها بسيطة ولا تكفي وغير منتظمة.

وقال إن أحدث مساعدة حصل عليها من إحدى الجمعيات كانت مبلغًا قدره 25 ألف ليرة سورية (حوالي دولارين) تُصرف لمرة واحدة فقط.

ودائمًا ما يتلقى طالبو المساعدة من الجمعيات رفضًا بسبب عدم وجود ميزانية كافية لتوفير الأدوية أو دعم المرضى.

أمين عبد القادر عبدو، وهو إداري في إدارة جمعية “الأمين” لدعم مرضى السرطان بالقامشلي، قال لعنب بلدي، إن مشكلة مرضى السرطان في الجزيرة السورية تكمن في عدم وجود مراكز متخصصة ومؤهلة وكبيرة للعناية بهم، على غرار تلك الموجودة في دمشق.

وأضاف الإداري في الجمعية المعنية بمرضى السرطان من الأطفال في مناطق “الإدارة الذاتية”، أن أسعار الأدوية تختلف من حالة لأخرى، لكنها مرتفعة بشكل عام وتبدأ من 150 ألف ليرة سورية.

“حسب بروتوكول العلاج، قد يتطلب أن تكون الجرعة أجنبية، ما يجبر المريض على دفع ثمنها بالدولار، وهناك صعوبة في استيراد هذا النوع من الأدوية”.

أمين عبد القادر عبدو – إداري في جمعية “الأمين” المعنية بمرضى السرطان بالقامشلي

ومن الصعوبات التي تواجه المرضى أيضًا، وجود وقت محدد لأخذ الجرعة، ما يجبر المرضى على دفع ثمن الدواء بأي سعر كان، بحسب عبدو.

وأضاف أن جمعية “الأمين” تُعنى بالمرضى من الأطفال فقط، ويموّلها “أصحاب الخير والأيادي البيضاء” (التبرعات).

نتيجة لضعف الإمكانيات وعدم القدرة على توفير الأجهزة اللازمة لمبيت المرضى، يجري الاعتماد في الجمعية على نظام الإحالات، علمًا أن بعض المرضى يحتاجون إلى سبع أو ثماني جرعات حسب قدرة الجسم على التحمل.

ويحال المريض إلى طبيب متعاون مع الجمعية، وهو بدوره يتواصل مع طبيب آخر في دمشق لإتمام العلاج، بحسب عبدو.

حسين رضوان (51 عامًا)، وهو والد لطفل يعاني السرطان منذ بضع سنوات، قال لعنب بلدي، إنه يعيش وعائلته “على حافة الهاوية”، مع سعيه المستمر لتأمين رعاية صحية لطفله.

وأضاف أنه وعائلته يجد نفسه في كثير من الأحيان يواجه “الواقع المرير” المتمثل بالنفقات الطبية التي لا يمكن تحملها، ما يجعله يشعر بالعجز والقلق بشأن مستقبل ابنه.

“من المؤسف تحول ذوي المرضى إلى مستعطفين ومتسولين على أبواب الجمعيات من أجل تأمين العلاج والحصول على الدعم المادي مهما كان بسيطًا وقليلًا”.

حسين رضوان – والد طفل مصاب بالسرطان

حسين قال، إن الجمعيات أو المبادرات الفردية تعمل جاهدة لمساعدتهم، لكنها تعاني قلة الدعم، ما يجعل عملها يقتصر في كثير من الأحيان على نشاط ترفيهي للأطفال المرضى، أو توزيع الألبسة، وغيرها من الأنشطة التي لا تؤثر جذريًا في رحلة العلاج للأطفال أو تخفف من معاناة الأهل بشكل حقيقي.

“الإدارة الذاتية” انخرطت حديثًا

منتصف تموز الماضي، افتتحت لجنة الصحة في مجلس الرقة المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية” مركزًا لمعالجة الأورام السرطانية في مستشفى “الرقة”.

وبحسب ما قالته وكالةهاوار” المقربة من “الإدارة”، فإن هذا المركز هو الأول من نوعه شمال شرقي سوريا، حيث يقدم العلاج الخاص بالأورام بطريقة مجانية للمرضى، بهدف تخفيف أعباء العلاج عنهم، ويعمل في المركز كادر طبي مؤلف من 24 متخصصًا في مجال معالجة الأورام.

مديرة المركز، آهين محمد، قالت لـ”هاوار”، إن المركز سجل 130 حالة مرضية من مختلف مناطق إدارة “الإدارة الذاتية”.

وأضافت أن المركز يقدم “للمريض المعاينة والتشخيص المرضي والتحاليل، وتحديد مواعيد الجرعات العلاجية بشكل مجاني”.

ويضم أقسامًا عدة، منها التمريض، والتخدير، والأورام، والدعم النفسي للتثقيف الصحي، والصيدلة، ومكتب للتنسيق من أجل التعامل مع الجمعيات والمنظمات الإنسانية لتأمين العلاجات.

ويوفر المركز أنواعًا من الجرعات الكيماوية هي: “ميثوتركسيت، سيلين، وكاكا أبلان، سيتارابين، روماسين، إيتوبوسيد، وفلوجرين”، ويجري العمل على تأمين عدد أكبر من الجرعات، بحسب المديرة.

أما في مدينة القامشلي فأعلن الهلال الأحمر التابع لـ“الإدارة الذاتية”، في نيسان الماضي، عن قرب افتتاح مركز لعلاج مرضى السرطان إلى جانب مستشفى لعلاج الحروق.

ويقع المستشفى المذكور بالقرب من كراج الصناعة وعلى مقربة من مستشفى القلب والعين شرق القامشلي، لكن لم يعلن عن بدء استقباله للمرضى حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

ولا تتوفر إحصائية رسمية لعدد المصابين بالسرطان في محافظة الحسكة مع اختلاف السلطات فيها بين حكومة النظام السوري و”الإدارة الذاتية”.

وكانت الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال افتتحت عام 2020 مركزًا لها في مدينة الحسكة.

وقالت رئيسة مجلس إدارة الجمعية، الدكتورة مزنة علبي، لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن المركز افتتح بمقر “المركز الطبي المحدث” وسط مدينة الحسكة لتقديم كل الخدمات الطبية التي يحتاج إليها مرضى الأورام.

وأضافت أن الجمعية ستفتتح فرعًا آخر لعلاج السرطان في المنطقة الصحية بمدينة القامشلي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة