يدفعون ثمن التضييق في تركيا

بقالو صفاكوي السوريون.. زبائنهم من المغادرين باتجاه أوروبا

camera iconمنتجات غذائئية سورية على رفوف غحد البقاليات في القسم الأوروبي من اسطنبول التركية_ 28 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

على زاوية شارع فرعي في حي شعبي بمنطقة صفاكوي بولاية اسطنبول التركية، يجلس محمود ذو الـ35 عامًا، وهو سوري صاحب “بقالية” شعبية، بانتظار زبون سوري آخر أبلغه أنه قادم لشراء بعض الحاجيات اللازمة في رحلته عبر خطوط التهريب نحو أوروبا.

أبدى محمود مخاوفه من الانخفاض الكبير في أعداد الزبائن بالمنطقة التي تعج بالسوريين عادة، نتيجة لعمليات الترحيل الكثيفة في ولاية اسطنبول التي يفضّل السوريون الإقامة فيها.

“البقاليات” تتوزع بتوزع السوريين

على بعد عشرة أمتار في الطريق المتجه صعودًا من بقالية محمود، بقال سوري آخر اسمه عبد القادر، ينحدر من مدينة الباب شرقي حلب، تبدو رفوف البضائع لديه أكثر امتلاء، لكن مخاوفه لا تختلف كثيرًا عن جاره.

عبد القادر قال لعنب بلدي، إنه اختار هذه المنطقة كون معظم السوريين يتركزون على مقربة منها، وبطبيعة الحال لا يشتري الأتراك من “البقاليات” السورية، خصوصًا أن المواد الأساسية بالنسبة لهم تتوفر في مراكز للتسوق.

ومع زيادة حدة التضييق على السوريين، لاحظ عبد القادر وجاره محمود أن حركة السوريين حتى في الشارع الشعبي صارت قليلة، وانعكس الأمر على إقبال الزبائن وأعدادهم.

بالنسبة لعبد القادر، فإن انخفاض أعداد السوريين في الشوارع تعني توقف العمل، إذ رجّح أن يغلق دكانه في حال استمر الوضع على ما هو عليه لأشهر أخرى.

وفي بحث أعده الباحث في الاقتصاد السياسي نهاد علي أوزكان، ونشرته صحيفة “ملييت” التركية، فإن السوريين يتسوقون فيما بينهم، دون التواصل مع الأتراك، نظرًا إلى حالة عدم الرضا بين الأتراك على العيش مع السوريين، التي أظهرتها وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلّفت هذه الحالة تشكيل “غيتوات” (تجمعات سكنية) أطلق عليها اسم “سوريا ما بعد الحرب” في مناطق من اسطنبول، حيث تسود علاقات “متجانسة” بين السوريين نظرًا إلى الظروف المعيشية.

العمل يقتصر على “الهاربين”

مالك “البقالية” محمود، يقيم في المنطقة منذ ثماني سنوات، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ويعود تاريخ افتتاح محله لأكثر من ثلاث سنوات، تخللتها فترات انخفاض في العمل، لكن هذا الانخفاض لم يكن مخيفًا خلال الفترات السابقة، بينما يبدو الآن أنه لن يتحسن، كما قال محمود.

وأضاف أن البيع اقتصر منذ أكثر من 15 يومًا على الشباب الراغبين باللجوء إلى أوروبا، لكنه فضّل إطلاق مصطلح “الهرب” على حالتهم قائلًا، “هربوا من الحرب، وها هم يهربون من التضييق الأمني في تركيا”.

“اليوم اقتصر عملنا على الراغبين بالمغادرة نحو أوروبا، إذ يوضبون بعض الأطعمة المعلبة في حقائبهم لاستهلاكها خلال رحلتهم الوعرة نحو أوروبا”

محمود – مالك “بقالية” سوري في إسطنبول

يحتاج الشاب إلى بضع علب من “المرتديلا”، ومجموعة أخرى من أسماك التونة المعلبة، بحسب محمود، ويفضّل بعضهم أخذ بعض الأطعمة الحلوة، لقناعتهم بأنها ستعطيهم بعض الطاقة لسير مسافات طويلة.

وتابع أن التمور من المنتجات الأساسية التي يفضّلها المسافرون، إذ يشتريها أسبوعيًا لتلبية حاجات زبائنه من المسافرين، على خلاف الفترة السابقة التي كان الطلب عليها يقتصر على شهر رمضان.

الشباب الساعون للخروج من تركيا من المقيمين في صفاكوي، يشترون مستلزماتهم المتعلقة بطريق السفر أكثر من مرة، إذ نادرًا ما يعبر أحدهم من المرة الأولى، بحسب محمود، الذي روى قصة أحد زبائنه، إذ اشترى الزبون مستلزمات الطريق أكثر من سبع مرات، لكن من الواضح أنه تمكن من العبور، كونه لم يعد مجددًا.

محمود الحاصل على بطاقة “الحماية المؤقتة” (كملك)، صادرة عن ولاية اسطنبول، يحسد معارفه ممن عبروا نحو أوروبا، إذ يعاني كغيره مضايقات نتيجة الحملة الأمنية الأحدث، لكن لا قدرة له على المغادرة كونه رب أسره تقيم معه في المنطقة نفسها.

دكاكين أُغلقت

في الشارع نفسه الذي قابلنا فيه محمود وعبد القادر، كان هناك دكان ثالث أُغلق بعد تراجع حركة البيع، تزامنًا مع ارتفاع التكاليف المعيشية.

صاحب دكان آخر، وهو أربعيني، تحفظ على ذكر اسمه لمخاوف أمنية، قال لعنب بلدي، إن المشكلة لم تأتِه منفردة، إذ طالبته مالكة العقار الذي يستأجر محله فيه بأجور إضافية فوق قدرته.

ونقل البقال عمله ضمن المنطقة نفسها، إذ لا يمكنه الانتقال إلى مركز مدينة اسطنبول، كون أجور المحال فيها أكثر تكلفة، والقيود التي يفرضها القانون على أماكن إقامة السوريين تزيد من الأمر صعوبة، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويرى الرجل أن أيام السوريين في تركيا “انتهت”، إذ تستمر السلطات بالتضييق القانوني والأمني على حياة اللاجئين، دون آمال بالتحسن.

حملة تستهدف اللاجئين

على وقع الحملة الأمنية التي أطلقتها السلطات التركية لملاحقة “المهاجرين غير الشرعيين”، يعيش بعض السوريين ممن يقيمون في تركيا، بشكل قانوني أو غير قانوني، مخاوف الترحيل الداخلي أو الخارجي.

في 26 من تموز الماضي، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إن الدولة التركية ومنذ بدء الحملة الأخيرة، وجهت تعليمات لجميع عناصر الشرطة والقوات العسكرية التركية (الجندرما) بالتضييق على المهاجرين غير الشرعيين.

وأضاف الوزير التركي خلال مقابلة على قناة “A haber” التركية، أن الهجرة غير الشرعية “مشكلة عالمية”، ناتجة عن “الحروب والإرهاب وأسباب إقليمية” وغيرها من الظروف الأخرى.

وتابع، “في الماضي كان الناس يتجهون إلى أوروبا عبر تركيا، أما الآن، وبسبب تطورنا الاقتصادي، فأصبحت تركيا دولة هدفًا للهجرة”.

وتعليقًا على عملية عودة اللاجئين، أكد وزير الداخلية أنها تسير بشكل “طوعي وآمن وليس بالإهانة والإجبار”.

وفي مطلع الشهر نفسه، قال يرلي كايا، إن بلاده ألقت القبض على 15 ألف “مهاجر غير شرعي” خلال حزيران الذي سبقه، ورحّلت قسمًا منهم دون تحديد جنسياتهم.

وأضاف الوزير أن الوزارة رحّلت من بين المهاجرين “غير الشرعيين” المقبوض عليهم 6883 شخصًا، وتستمر التحضيرات لترحيل الآخرين.

ويبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف، بحسب أحدث إحصائية لأعداد اللاجئين في الموقع الرسمي لرئاسة الهجرة التركية، في 17 من آب الحالي.

وفي 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه، بينما ردت رئاسة الهجرة التركية على البيان، معتبرة أنه “مضلل”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة