الأزمات تترك أثرها النفسي.. شعور بالذنب يرافق احتفالات السوريين

camera iconأطفال يلعبون في ملجأ مؤقت بمدينة حلب بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا - 13 من شباط 2023 (رويترز/ تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور مؤذن

انتظرت حياة المقيمة في دمشق قالب “الكيك” الذي حجزته أختها المقيمة في ألمانيا، من أجل إقامة احتفال نجاحها في شهادة الثانوية العامة بفرعها العلمي.

مشاعر الفرح بالنجاح رافقتها غصة بين تكلفة الاحتفال العالية، التي وصلت إلى 180 ألف ليرة سورية (ما يعادل 13.85 دولار أمريكي) رغم أنها حوالة من الخارج، وبين غياب أشقائها في بلاد اللجوء.

طقوس الاحتفال بالنجاح جاءت مثقلة بالهموم بعد عام دراسي شاق، وصعوبات عايشتها حياة كغيرها من الطلبة، وسط ظروف معيشية واقتصادية متردية وغياب احتياجات الحياة الأساسية، والظروف النفسية المرافقة والتشتت وبعد الأهل والأقرباء.

قالت حياة التي نجحت في ” البكالوريا” مؤخرًا، إن فرحة الاحتفال لم تكن مكتملة، فوجود قالب “كيك” وغياب مواد أساسية عن المنزل أمر لا يبعث على السعادة، لافتة إلى أن مبلغ 180 ألف ليرة سورية يعادل مصروف العائلة كاملة لنحو ثلاثة أيام، وقد لا يملك كثيرون ترف امتلاك هذا المبلغ على مدار شهر كامل.

أما احتفال عبد الله مؤذن، وهو من سكان مدينة حلب، بعام مولوده الأول، فكان عبارة عن “حفلة بسيطة والتكلفة على قدها”، حضرها أفراد العائلة البالغ عددهم 13 شخصًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

واقتصرت تحضيرات الحفل على بعض الفاكهة والموالح بقيمة 50 ألف ليرة سورية، وقالب “الكيك” بـ30 ألف ليرة، وصنعت زوجته “حبوب” (سليقة) كلّف تحضيرها حوالي 12 ألف ليرة.

ولم يكن بمقدور الشاب شراء الحلويات الجاهزة، إذ بات شراء كيلوغرام منها يُضاهي تكلفة حفل كامل، فكيلو “الراحة” و”هريسة اللوز” يصل سعره إلى 75 ألف ليرة، وقطع الشوكولا نحو 60 ألف ليرة، وكيلو “الغريبة” 160 ألفًا.

طقوس مختلفة للاحتفال

هامش السعادة الوحيد الذي شعرت به حياة، هو نجاحها في عام دراسي، تقدم فيه للامتحانات 147 ألفًا و243 طالبًا من الفرع العلمي، نجح منهم 97 ألفًا و667 طالبًا.

وتختلف طقوس الاحتفال بين عائلة وأخرى ومنطقة دون غيرها، وتحكمت بعض الظروف والعادات في إقامتها.

“كأنه كُتب على السوريين ألا يفرحوا”، قالت حياة، وذكرت أن فرحتها رافقها شعور بالذنب، فالفرح في ظل ما يشهده واقع العائلات السورية بات أمرًا “فوق الرفاهية”.

واحتفلت حياة بشكل بسيط، وشاركها الفرحة بعض من أهلها (سكان البيت فقط)، وسط شعور بالحزن لغياب إخوتها وعدم استطاعتهم مشاركتها الفرحة.

ولم يحتفل أحمد هلالي القاطن في حلب بعد بنجاحه في “البكالوريا” بمعدل 1600 من 2400 في الفرع العلمي، بسبب رغبته في التقديم لامتحان “التكميلي” لرفع معدله، مشيرًا إلى أنه يفكر بالاحتفال عقب انتهائه.

وإلى مدينة درعا في الجنوب السوري، طغت الاحتفالات الجماعية على الفردية، بعد مبادرة من بعض الأشخاص بمشاركة أصدقائهم وأقاربهم فرحة نجاح أبنائهم على طريقتهم بأهازيج وأغانٍ محلية.

وجهاء ورجال من بصرى الشام مشوا في شوارع المدينة وهنؤوا الطلاب الناجحين، وشاركهم كل من يصادفهم بالطريق، في طقوس فرضت نفسها وكسرت الواقع المرير الذي تعيشه درعا وأحياؤها.

صعوبات تعكّر أجواء الفرح

يواجه الطلبة في سوريا صعوبات وتحديات كثيرة، منها صعوبة التنقل وارتفاع تكلفته وانقطاع الكهرباء التي تتوفر نحو ساعة أو أقل في اليوم، إضافة إلى كارثة الزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية في 6 من شباط الماضي.

وأثر الزلزال على قطاع التعليم، وأسفر عن تضرر 2636 مدرسة في حماة واللاذقية وحلب، 140 مدرسة منها خرجت عن الخدمة، وسبقت الإحصائية تصريحات رسمية بعدد أقل بلغ 2288 مدرسة متضررة.

ومن أبرز الصعوبات أيضًا، تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في مختلف مناطق سوريا، خاصة مع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتسجيلها أرقامًا قياسية تجاوزت 14 ألف ليرة لكل دولار واحد.

وبلغ متوسط الراتب الشهري في سوريا، عام 2022، نحو 146 ألف ليرة سورية، وفق موقع “Salary explore” المختص بأرقام سلم الرواتب والأجور حول العالم، ومع الزيادة الأخيرة بنسبة 100% لم يصبح الوضع أفضل، إذ تسببت الزيادة بأسعار المحروقات والمواصلات وانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بتآكل القدرة الشرائية أكثر فأكثر.

وصدر مرسوم من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 15 من آب الحالي، بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين في الدولة بنسبة 100%، رافقه ارتفاع في أسعار المواد الأساسية وأبرزها المحروقات.

“قلق وتباعد اجتماعي”

اعتبر أهالٍ وطلبة في سوريا قابلتهم عنب بلدي، أن الاحتفالات في الوقت الحالي أمر ثانوي أمام قائمة المتطلبات الأساسية التي يحتاجون إليها.

ويرى بعضهم أنه حتى لو سمحت الظروف المادية بالاحتفال، فشعور السعادة منقوص نظرًا إلى حال البلد والأقارب والجيران.

الباحثة المساعدة في مركز “عمران للدراسات” حلا حاج علي، اعتبرت أن شعور السوريين بالذنب عند احتفالهم يحمل شقين، الأول أنه أمر طبيعي ويثبت أن السوريين حتى الآن هم يد واحدة، وأنه كان وما زال التعاطف موجودًا.

أما الشق الثاني للشعور بالذنب، فهو علميًا أداة للفكر السلبي التشاؤمي، ويزيد من فترات القلق عند الشخص، ويولد شعورًا غير طبيعي، لافتة إلى ضرورة البحث عن ماهية أسباب التفكير بهذه الطريقة وعلاجها.

وأضافت حاج علي لعنب بلدي، أن بعضًا من أسباب طريقة التفكير بهذا الشكل هي المواقف السيئة والصدمات التي تعرض لها الشخص في عموم حياته، وأن أغلب السوريين قد تعرضوا لصدمة في حياتهم، لذلك، في الوقت نفسه، نجد أن الأغلب لديه نزاع، وهذا ينعكس سواء على الصحة النفسية أو الجسدية بسبب القلق والتوتر.

طبقتان في سوريا

كان الناس في سوريا قبل سنوات نوعًا ما مصنفين من الطبقة المتوسطة، وأغلبهم كانت لديهم القدرة على الفرح بالنجاح وإظهاره بالاحتفال، والتفاوت بين الطبقات الوسطى والفقيرة لم يكن ملحوظًا، وفق حاج علي.

وفي الوقت الحالي، انقسمت مدينة دمشق، حالها كبقية المناطق، إلى طبقتين، إما “فقر شديد” وإما “غنى شديد” لا وسط بينهما، والتباين بين الطرفين كبير وواضح جدًا، ابتداء من التعليم حتى الرفاهية، وفق حاج علي.

واعتبرت الباحثة المساعدة أن هذا التفاوت ينعكس كنزعة كره أو مشاعر سلبية تجاه الطرف الثاني، إضافة إلى الشعور بالذنب عند بعضهم، وتركيز من هم في حال مقبولة على مشاعر المعسرين وشديدي الفقر والمحرومين الذين قد ينظرون بحسرة وهم يرون آخرين قادرين على العيش بشكل طبيعي.

ترى حاج علي أن وسائل التواصل الاجتماعي عززت هذا الشعور وأظهرت جميع الخفايا للناس، وأصبح الناس يتداولون جميع الأخبار والتفاصيل على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كثير من الأحيان لا تعكس الصور حقيقة الواقع، وتسببت المعاناة في زيادة حدة المشاعر السلبية تجاه الطرف الآخر لدى كثيرين.

تغيير الأنماط المعيشية والاجتماعية

غياب احتياجات أساسية ونقصها بات أمرًا اعتياديًا لدى معظم العائلات في سوريا، لكن تتالي الأزمات ترك أثره في المجتمع.

في الأشهر الأخيرة من 2022، ألقت أزمة المحروقات بظلالها على مناطق سيطرة النظام السوري، وانعكست على حياة السوريين، وعصفت بقطاعات حيوية، وتوقفت مؤسسات وأنشطة بمختلف المجالات عن العمل في أنحاء البلاد، وأثرت على الأنماط المعيشية والاجتماعية.

تلك الأزمة واحدة من أزمات تؤثر في نمط حياة السوريين، وقدرتهم على التعايش مع المشكلات، وفق دراسة ميدانية أصدرها مركز “حرمون للدراسات” في كانون الثاني الماضي.

وذكرت الدراسة أن الظروف أجبرت معظم السوريين على القيام بسلسلة من تحولات نمطية، تتضمن أساليب الحياة اليومية، ومساحة السلوكيات الشخصية وحدودها، وأطر العلاقات الاجتماعية وطبيعتها ومفهوماتها.

وأدى الحرمان من الخدمات الضرورية إلى تكريس مزيد من المشاعر القهرية الغاضبة، والإحساس بغياب شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، وبرزت المشاعر السلبية لدى السوريين، وأنتجت مزيدًا من القابلية والاستعداد للانحراف والتشوهات الاجتماعية الناجمة عن مشاعر الضيق والتوتر والقلق، بسبب نقص الاحتياجات الرئيسة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة