هل تغير العقوبات الأمريكية من سياسة تركيا شمالي سوريا

قائد فصيل العمشات محمد الجاسم الملقب بأبو عمشة (يمين) وسيف بولاد قائد فرقة الحمزة (يسار) (شبكة شام الإخبارية)

camera iconقائد فصيل العمشات محمد الجاسم الملقب بأبو عمشة (يمين) وسيف بولاد قائد فرقة الحمزة (يسار) (شبكة شام الإخبارية)

tag icon ع ع ع

على وقع الانتهاكات المتكررة في مناطق نفوذ “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا شمالي محافظة حلب، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) وقائدها محمد الجاسم (أبو عمشة) وشقيقه وليد الجاسم، وفرقة “الحمزة” (الحمزات) وقائدها سيف بولاد (أبو بكر) شمالي سوريا، وشركة سيارات في اسطنبول تابعة لـ(أبو عمشة).

وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة، في 17 من آب الحالي، الشخصيات الثلاثة والفصيلين، وشركة لبيع السيارات في قائمة العقوبات، لارتكابهم “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو تواطؤهم فيها أو مشاركتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد المقيمين والفئات الضعيفة من السكان في منطقة عفرين شمالي حلب”.

ومع الحديث المتكرر لمنظمات الحقوقية حول الانتهاكات المتكررة، لم تتدخل تركيا للحد منها في المناطق التي تعتبر ضمن أجزاء نفوذها شمالي سوريا، إذ يرى مراقبون في العقوبات الحالية “رسالة سياسية لتركيا” أكثر من كونها عقوبات ذات طابع اقتصادي.

رسائل سياسية

المرة الأولى التي فرضت فيها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فصائل سورية معارضة كانت عندما شملت عقوباتها فصيل “أحرار الشرقية” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، ضمن حزمة جديدة في نهاية حزيران 2021، شملت شخصيات وكيانات تابعة للنظام السوري، لكن مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله، يرى أن لقرار وزارة الخزانة الأمريكية الأحدث، تأثير سياسي على تركيا، إذ يوجه “رسالة واضحة” لأنقرة مفادها أن الاعتماد على هذه الفصائل وعلى هذه الشخصيات غير مقبول.

وأضاف القانوني السوري لعنب بلدي، أن هذه الشخصيات معروفة “بانتهاكات موثقة على نطاق واسع”، وهو ما يدفع لقراءة العقوبات الأحدث على أنها رسالة أمريكية مفادها أنه من غير المقبول تغاضي السلطات التركية عن الانتهاكات، باعتبارها صاحبة السلطة الفعلية على الأراضي في شمال سوريا.

الأثر السياسي للعقوبات واضح، بحسب العبد الله، إذ يرى أن رفض هذه الشخصيات أمريكيًا، قد يجبر تركيا على التخلي عنهم وإعادة هيكلتها أو حتى التفكير بتغيير استراتيجيتها للتعامل مع الشمال السوري.

ومع مرور بضعة أيام على العقوبات، تحدثت وسائل إعلام تركية عن “إرساء نظام جديد فيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا والمجالس المحلية في 13 منطقة مختلفة شمالي سوريا”.

وبعد أن اعتادت أنقرة على تعيين سبعة محافظين منسقين لما يعرف باسم “المناطق الآمنة” في شمال سوريا، قالت صحيفة “turkiye gazetesi“، إن حاكمًا واحدًا سيعين لإدارة علاقات الشمال السوري مع تركيا.

العبد الله توقع أن تتجاهل أنقرة عقوبات خلال الفترة الأولى، لكن سنرى ماذا ستطلب الولايات المتحدة من تركيا لاحقًا، إذ يجب التساؤل فيما إذ كانت العقوبات ستتسع لتشمل شخصيات أكثر، أو هل ستبدأ الولايات المتحدة بمصادرة أرصدة موجودة داخل المصارف التركية، أو تجميد حسابات لأشخاص في البنوك مثلًا بالتعاون مع أنقرة.

وأضاف، أن معاقبة شركة مسجلة باسطنبول مثل شركة “السفير” التي يملكها “أبو عمشة” يمكن أن يكون لها أثر واضح، إذ إن أملاك هذه الشخصيات حتى في تركيا لن تكون بمعزل عن العقوبات، وهو ما يفرض على تركيا إعادة النظر بإفراط بالاعتماد على هذه الشخصيات وعلى الانتهاكات التي يقومون بها بشكل رئيسي شمالي سوريا.

نزع الشرعية عن المعارضة

الباحث والمحلل السياسي التركي عمر أوزكيزيلجيك، قال لعنب بلدي، إن الخزانة الأمريكية صارت مرة أخرى “بيدقًا في أيدي الطموحات والأهداف السياسية لوحدات حماية الشعب الكردية”، إذ لا تأثير للعقوبات على قادة فصيلي “الجيش الوطني”، ولن تؤثر على الأرض، لكنها تصب في مصلحة المجموعات الكردية في سوريا.

وأضاف، أن الولايات المتحدة تهدف لـ”نزع الشرعية عن المعارضة السورية، وإعاقة القدرة على إعادة التعامل مع المعارضة”.

أوزكيزيلجيك يرى أنه “من المثير للصدمة” أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على فرقة “الحمزة”، التي تلقت ذات مرة ثمانية ملايين دولار كتمويل من واشنطن، كجزء من برنامج تدريب وتجهيز للمعارضة المعتدلة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وعندما دخلت القوات الخاصة الأمريكية شمال حلب عام 2016 أيضًا، كانت فرقة “الحمزة” برفقتها، حتى إن الولايات المتحدة زودتهم بمركبات مدرعة، لكنها تعود اليوم لتفرض عقوبات عليهم.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تشرف على توجيه دعم فصائل المعارضة السورية شمالي البلاد ضمن ما كان يعرف باسم “غرفة موم” المسؤولة عن تنظيم دعم الفصائل، لكن العمل بها انتهى عام 2015.

اقرأ أيضًا: “زنازين التعذيب” تهدد “الجيش الوطني” بالعقوبات

هل تتغير سياسة تركيا؟

فيما يتعلق بالاتهامات التي تواجه فصائل “الجيش الوطني” بالمسؤولية عن انتهاكات، يرى الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك، أنه لا بد من النظر إلى جانبين أساسيين في هذه المسألة وهما النسبة، والنوعية.

وأضاف، أن كمية ونوعية الانتهاكات التي يرتكبها “الجيش الوطني” هي “قليلة نسبيًا” من تلك التي ترتكبها “وحدات حماية الشعب” أو النظام السوري على سبيل المثال، إذ لم نشهد مطلقًا فصائل “الوطني السوري” تفجر سيارات مفخخة وسط أحد الأسواق، كما هو الحال بالنسبة لـ”قسد” التي نفذت أكثر من 200 هجوم بسيارات مفخخة شمالي حلب.

والثاني هو حجم الانتهاكات الملحوظة من قبل “الجيش الوطني”، وعلى النقيض من “قسد” والنظام، اللذين يتبعان نهجًا شموليًا، فإن “الوطني” يسمح بـ”الحرية”.

وأرجع الباحث التركي أسباب خروج انتهاكات “الوطني” إلى السطح دائمًا، بأن أفعاله تتعرض لانتقادات شديدة ويتم الترويج لها من قبل “قسد” والنظام وتنظيم “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام” وروسيا وإيران وبعض وسائل الإعلام الغربية المؤيدة للمجموعات الكردية في سوريا.

ونتيجة لهذين السببين، فإن الانتهاكات المصوّرة في شمالي حلب “مبالغ فيها”، ويُنظر إليها على أنها أكبر بكثير من وضعها الطبيعي.

القانوني السوري محمد العبد الله، يرى من جانبه أن تركيا لن تغامر برصيدهها السياسي مع الولايات المتحدة من أجل خاطر شخصيات مثل “أبو عمشة” أو “سيف أبو بكر” أو فصائل مثل “الحمزات” و”العمشات”، بالتالي فإن العقوبات ستنعكس آثارها على الشمال السوري.

العبدالله قال لعنب بلدي، إن تأثير العقوبات وأثرها السياسي لن يطال “أبو عمشة” جسديًا اليوم، لكن أثره يكمن في إنهاء دوره المستقبلي ضمن الفصائل المعارضة.

وأضاف، أن وجود “أبو عمشة” لا يصب بمصلحة أحد فعليًا، لا السوريين أنفسهم ولا حتى تركيا التي تدير المنطقة.

انتهاكات موثقة دوليًا

أطلقت لجنة التحقيق الدولية التابعة الأمم المتحدة بشأن سوريا، في 13 من آذار الماضي، تقريرها حول الانتهاكات في سوريا، قالت فيه، إن أطراف النزاع لا تزال ترتكب انتهاكات وتجاوزات بحق الشعب السوري خلال الأشهر التي سبقت كارثة الزلازل، مشكّلة “نمطًا من الإخفاقات” في حماية المدنيين السوريين.

ووثّق التقرير، الذي عرض أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، الشهر نفسه، الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في جميع الأراضي السورية ضمن فترة الأشهر الستة الأخيرة من عام 2022.

في الشمال الشرقي، قالت اللجنة إن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تواصل احتجاز 56 ألف شخص بشكل غير قانوني، معظمهم من النساء والأطفال، ممن يشتبه بصلتهم العائلية بمقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في مخيمي “الهول” و”الروج”، حيث تستمر الأوضاع بالتدهور.

وتعتقد اللجنة، وفق “أسباب معقولة”، أن المعاناة التي لحقت بهم قد ترقى إلى مستوى “جريمة حرب”، تتمثل في ارتكاب اعتداء على الكرامة الشخصية، وتدعو إلى التعجيل بإعادتهم إلى أوطانهم.

وفي شمال غربي سوريا، احتجزت وعذّبت “هيئة تحرير الشام” في إدلب وفصائل “الجيش الوطني” بريف حلب الأشخاص بشكل تعسفي، بطريقة ترقى إلى الاختفاء القسري، وفق التقرير.

وقيّدت تلك السلطات الحريات الأساسية مثل حرية التعبير عن الرأي، وتلقت اللجنة تقارير “متعددة وذات مصداقية” تفيد بأن “هيئة تحرير الشام” نفذت “إعدامات رميًا بالرصاص”، بينما في المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، وثّقت اللجنة عمليات خطف رهائن ونهب ومصادرة ممتلكات.

“الوطني” برر سابقًا

عقب تقرير مشابه للجنة التحقيق الدولية صدر منتصف 2022، رد “الجيش الوطني” على اتهامات قابلته بالمسؤولية عن انتهاكات في مناطق سيطرته شمالي سوريا.

مدير المكتب القانوني في حركة “تحرير الوطن” التابعة لـ”الجيش الوطني” المحامي فهد القاضي، قال لعنب بلدي، إن التقرير ناقض نفسه في العديد من البنود.

وأضاف القاضي، أن التحقيقات الأولية مع الموقوفين لديها إضافة إلى الإجراءات القضائية، أثبتت تهمًا مدعومة بالأدلة ووصلت إلى “حد اليقين” في تورطهم، بينما “أطلقت السلطات سراح من لم تثبت بحقهم التهم نفيها”، على عكس ما يقوله التقرير، أن الاعتقالات جاءت دون توجيه اتهامات.

واعتبر أنه من الطبيعي أن تركز السلطات اليوم على الجانب الأمني، كون المنطقة تعاني كثيرًا من الخروقات الأمنية، خصوصًا أن بعض هذه المناطق كانت تخضع لنفوذ الفصائل الكردية المدعومة أمريكيًا، أو تنظيم “الدولة” في مناطق أخرى.

القاضي اعتبر أنه من البديهي وجود “خلايا أمنية” لـ”التنظيمات” التي كانت تسيطر على المنطقة، وتكمن خطوره هذه الخلايا بأن معظمها من أبناء المنطقة نفسها.

وتنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرقي سوريا، عدة أجهزة أمنية وعسكرية تتبع له بأسماء عديدة ورايات مختلفة، تعلن بشكل دوري عن عمليات، سواء أمنية أو عسكرية، وتقيم بعض الحواجز على الطرق الرئيسة أو في مداخل الأسواق.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة