دور القراءة والمواكبة في بناء شخصية الصحفي

tag icon ع ع ع

علي عيد

عادة ما يبدأ الصحفي يومه بالقراءة والاطلاع على ما هو جديد، وكثيرًا ما ينهي الصحفيون الشغوفون بالمهنة يومهم بذات الطريقة.

وهناك موارد ومدخلات، منها الصحف والمجلات والتلفزة والإذاعة، ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، والأفلام الوثائقية أو المواد المرئية والمسموعة، وكذلك الندوات والنشاطات العامة والخاصة، التي تزيد في معارف وإلمام أبناء المهنة، كما يمكن أن تشكل جزءًا من تغطياتهم.

أكبر العيوب أن يأتي الصحفي إلى قاعة التحرير أو اجتماع الصباح فيزيائيًا أو افتراضيًا وجعبته فارغة مما هو جديد، وعندها سيظهر ضعفه وجهله بما يدور حوله من أحداث.

يتلخص دور الصحفي، وأهمية اطلاعه المسبق، فيما يقوله أستاذ الصحافة بجامعة “نيويورك” جاي روزن (Jay Rosen)، في كتابه “ماذا يعمل الصحفيون” (What Are Journalists For) حول ضرورة إعادة التفكير في علاقات صحافة المستقبل بجميع المؤسسات التي تغذي الحياة العامة.
يرى روزن، صاحب مدونة “Press Think”، أهمية متابعة كل جلسة لمجلس إدارة المدينة يحضرها الناس، وكل مناقشة عامة ينضمون إليها، وكل حدث من أحداث مجلس أولياء الأمور والمعلمين، وكل نادٍ سياسي محلي، وكل تجمع للمواطنين لأي سبب كان، ليس فقط كشيء يجب تغطيته، ولكن كنوع من الأحداث المهمة في حياة الناس.

بعض الصحفيين الكسالى لا يقرؤون أو يتابعون حتى محتوى وسائل الإعلام التي يعملون بها، فيشعرون بشيء من الحرج عند مرحلة التقييم الجماعي لنتائج العمل في اليوم السابق (Recap).

قراءة ومتابعة الصحفي لما أنتجته وسيلته الإعلامية يضمن له احترام الإدارة والزملاء وشعورهم باندماجه في العمل، وكذلك يحسن من شعوره وقدرته على المواكبة.

الصحافة مهنة كاشفة، يتعرض فيها الصحفي للاختبار على مدار الساعة على المستويات كافة، وأهمها مستوى اطلاعه ومعرفته، وهذا ما يستدعي منه تخصيص وقت كافٍ للتغذية الذهنية.

وتُعرف مهنة الصحافة بأنها متطلبة وتراكمية، وهي تفرض على الصحفي أو الإعلامي ضمان كمية مدخلات تفوق بشكل كبير حجم المخرجات، فالصحفي العامل في حقل الثقافة مثلًا، يحتاج إلى قراءة أو مراجعة مؤلفات أحد الكتّاب أو الأدباء لإجراء حوار صحفي معه، فهو لا بد أن يكون مطلعًا على مضمونها، وأسلوبها، وما كُتب فيها من نقد، ليظهر تمكنه ويحظى باحترام ضيفه، وكذلك لإقناع الجمهور، والخروج بما هو جديد.

والعامل في حقل الاقتصاد، يحتاج إلى متابعة البورصة لحظة بلحظة، ومعرفة الشركات والصفقات وتاريخ المؤشر، لكي يستطيع كتابة تلخيص في سوق الأسهم.

تركز معاهد الصحافة أو الخبراء على قائمة من النصائح، منها “التعلم الذاتي” والموارد والتغذية الذهنية للصحفيين الناشئين، إذا أرادوا الانخراط والنجاح في المهنة، وضمان الاستمرار والقدرة على التنافس.

لا يتوقع أحد موت الصحافة ودورها، لكنها تصبح أكثر صعوبة مع التطور الهائل في أدواتها الرقمية، والصحفي بحاجة أيضًا إلى لغة ومعارف تحسن إدراكه لهذا التطور وتمكنه من الإمساك بزمامه، وهذا يحتاج إلى تخصيص وقت للاطلاع والقراءة.

كجزء من جوانب المتابعة والاطلاع، تأتي القراءة بالمرتبة الأولى بين قائمة النصائح عند كثير من خبراء المهنة، ويكاد أحدهم يقول، اقرأ هو فعل أمر، وهو أول ما جاء به الوحي إلى نبيّ أمّي لا يملك إلا اللغة معجزة يصل بها إلى الناس.

إضافة إلى فوائدها في تعزيز الحضور، تسهم القراءة في تحسين تكتيكات الصحفي في إيصال الفكرة، أو ابتكار ما يجذب القارئ في الصياغة اللغوية، سمعية كانت أم مقروءة، وحتى عند التحرير للصورة.

أعظم روائيي العالم وكتّابه جاؤوا من الصحافة، وهذا دليل على أهمية مراكمة المعارف والمعلومات والمعرفة بأساليب الكتابة والوصول، وهي بالأساس مهارة تُكتسب بالقراءة.

تورد مؤسسة “ماستر كلاس” (MasterClass) خمسة عوامل تفيد فيها القراءة في تعزيز القدرة على الكتابة، هي تطوير مهارات التفكير النقدي، والتعرف إلى أساليب متنوعة في الكتابة، ودراسة القواعد النحوية في سياق القراءة، وتوسيع وزيادة المفردات، والإلهام بأفكار جديدة، وهي مؤسسة رائدة في تطوير المهارات يشارك فيها أهم الخبراء، وتضم نخبة من المبدعين، بينهم الصحفي بوب ودورد واردز (Bob Woodward) كاشف أسرار البيت الأبيض، ودان براون صاحب شيفرة دافنشي (The Da Vinci Code)، والمفكر نعوم تشومسكي (Noam Chomsky).

مع مرور الوقت، يظهر أثر مراكمة المعارف والمعلومات والقراءة في قدرات الصحفي وخبرته، لكن يبقى أن الصحافة بطبيعتها لا تتوقف عند هذا فقط، وقد لا تعترف بماضيك إن لم تطور أساليب الفهم وأدوات وتقنيات العمل أيها الصحفي، فتكنولوجيا التواصل كانت أهم عوامل الفصل بين ثلاثة أجيال (X.Y.Z) خلال 60 عامًا مضت، وعلى اعتبار أن أبناء هذه الأجيال الثلاثة لم يخرجوا إلى سن التقاعد، فهم مضطرون لفهم بعضهم البعض ليتابعوا أعمالهم بنجاح، والصحفيون هم الأكثر حاجة لهذا الفهم والاطلاع.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة