التحليل الصحفي.. نمط المهارة والاطلاع     

tag icon ع ع ع

علي عيد

لا تكتفي الصحافة، ضمن أدوارها، بالتغطية الخبرية في قضايا الشأن العام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يحتاج الجمهور إلى ما هو أعمق لفهم الظواهر وقراءة تبعاتها، وهنا يأتي دور التحليل الصحفي.

التحليل بتعريف بسيط، هو نمط صحفي يتجاوز الجانب السطحي نحو العمق، غايته الإشباع، ومساعدة الجمهور في الفهم والاطلاع والمعرفة وتبني الموقف.
ويلعب التحليل دورًا في تسليط الضوء على الحدث وأبعاده وخلفياته، كما يستشرف المستقبل والتوقعات حول تطور القضية أو الحدث.
تعتمد وسائل الإعلام على صحفيين محترفين في كتابة وإعداد هذا النوع من الصحافة، فهو يحتاج إلى خبرة كبيرة واطلاع واسع على القضايا التي يجري تناولها في التحليل الصحفي.

يحتاج التحليل إلى ثلاثة عناصر أساسية، الأول هو الحدث أو القضية الأساسية التي يجري العمل عليها بالاعتماد على ما هو منشور (أخبار وتقارير)، والثاني هو منهج التعامل مع هذه القضية (المنهج التحقيقي أو التفسيري)، وهنا تظهر شخصية الصحفي، إذ يلجأ إلى خدمة الفكرة الأساسية بالبحث في خلفياتها وسياقاتها، والربط بينها وبين أرقام وأحداث لم يكن واردًا في ذهن القارئ ارتباطها بهذه القضية، وتقديم تحليله المستند إلى هذه المعطيات.

والعنصر الثالث هو استراتيجية التعامل مع الحدث، وهو مرتبط بالمناصرة، عبر التحفيز على الرفض أو القبول، ويظهر هذا العنصر في مستوى حشد أدلة الدحض أو كشف الخطر أو المساندة والتأييد، دون الانجرار إلى قراءات غير مستندة إلى أدلة، وهنا يمكن أن يعتمد التحليل في جوانب مهمة على شهادات خبراء تقنيين أو متخصصين في الشأن الذي يجري البحث فيه، كما يكون للصحفي دوره التحليلي.

العناصر الثلاثة السابقة هي استخلاص غير متطابق مع دراسة للباحث ومدير مركز الصحافة والديمقراطية في المدرسة الدنماركية للإعلام والصحافة، فليمينج سفيث (Flemming Tait Svith).

يعرف التحليل أكثر بكونه ينتمي إلى الصحافة المكتوبة، لأنه يذهب أكثر في المعالجات، ويحتاج إلى مساحات أكبر من الأنواع الخبرية، ولا ينفي هذا التصنيف أن التحليل يشكل مادة أساسية للصحافة المسموعة والمرئية، فغالبًا ما يتم اقتطاع جزء أو استخلاص معلومات منه يتم توظيفها في أخبار أو برامج حوارية وحتى وثائقية، فهو بمنزلة مصدر تغذية بأكثر من اتجاه (الجمهور، وسائل الإعلام، الباحثون، المنظمات المتخصصة).
القواعد التي يُنصح بها في كتابة المقال التحليلي:

  • استخدام قالب الهرم المعتدل (مقدمة، جسم/صلب، خاتمة).
  • أن تتضمن المقدمة مدخلًا واضحًا وشائقًا في الفكرة الجوهرية التي يتمحور حولها التحليل، مع إبراز الجانب الجديد الذي يكشفه أمام الجمهور.
  • أن يتضمن صلب التحليل حشدًا كافيًا من الأدوات والمعلومات التي تدعم توجهات التحليل وكاتبه، وتحقيق التوازن بفسح المجال أمام الآراء المختلفة حول القضية.
  • يضع كاتب التحليل في اعتباره ثلاثة أبعاد زمنية (ماضٍ، حاضر، مستقبل)، إذ يعود إلى جذور القضية وما يتصل بها من أحداث في الماضي، ثم يقوم بتقديم شرح وافٍ عن واقع القضية حاضرًا، ويخلص إلى توقعات حول ما ينتج عنها أو تطوراتها في المستقبل.
  • استخدام لغة سليمة وبسيطة، وتقديم شروحات توضيحية حول المصطلحات الغريبة أو غير المعروفة للجمهور.
  • محاولة إدماج الجمهور ومخاطبته وإثارة مخيلته، عبر طرح التساؤلات والإجابة عنها، واستخدام الصياغة التفاعلية.
  • قديم خلاصات تتضمن رأي الكاتب المستند إلى كل ما سبق، وغالبًا ما يأتي هذا الجزء في خاتمة التحليل الصحفي.
  • الاستفادة من الهوامش التي يوفرها نمط التحليل للكاتب الصحفي، لجهة استخدام عبارات أو أمثال أو مقاربات لغوية محببة وجاذبة، دون شطط أو مبالغة، أو تغليب لدور اللغة على المضمون، وينطبق هذا على العنوان.

بالنظر إلى ما سبق، تحرص وسائل الإعلام على التعاقد مع صحفيين متخصصين لكتابة التحليل، فالتحليل السياسي يحتاج إلى صحفي مطلع وذي خبرة طويلة، ويملك قدرة على ربط الأفكار ببعضها، وكذلك تفكيك وتفسير القضايا بطريقة مقنعة، أما التحليل الاقتصادي فيتطلب صحفيًا عارفًا بلغة الأرقام والاقتصاد والشركات ومن يقف خلفها ومصالحها مقابل مصالح الدولة أو الزبائن.

يُعرف التحليل والاستقصاء بأنهما من الصحافة العميقة، ويقترب الصحفي المحلل كثيرًا من الصحفي الاستقصائي، ويشتركان في القدرة على جمع المعلومات وربطها والبحث وراءها، لكنهما يختلفان في “الذاتية”، إذ يشترط على الصحفي الاستقصائي أن يبرهن دون تحليل، وأن يبقي نفسه بعيدًا عن مجرى الأحداث.

يحتاج المحلل الصحفي إلى كثير من الخبرة والتأني، وتتطلب كتابة التحليل قدرًا عاليًا من المسؤولية، والحذر من الانزلاق إلى القناعات الشخصية أو إفلات القصة بسبب التشتت ما يهدد بفشل الهدف، والمرة الأولى التي يخسر فيها الصحفي فرصة تقديم تحليل مؤثر قد تكون الأخيرة.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة