لبنان أمام اللجوء السوري.. من مشروع “العودة” إلى “نزوح جديد”

أطفال لاجئون سوريون ينظرون من خلف سياج في مخيم غير رسمي في عكار بلبنان- 19 من تشرين الأول 2021 (رويترز)

camera iconأطفال لاجئون سوريون ينظرون من خلف سياج في مخيم غير رسمي في عكار بلبنان- 19 من تشرين الأول 2021 (رويترز)

tag icon ع ع ع

يحاول لبنان منذ حزيران 2022، التخفيف من حجم اللجوء السوري على أراضيه، في ظل مشكلات سياسية واقتصادية متواصلة منذ سنوات، تتجلى بأزمة مصارف وفقدان العملة المحلية كثيرًا من قيمتها، وأزمات سياسية تترك البلاد بلا رئيس للجمهورية منذ قرابة عام، لتدار عبر حكومة تصريف أعمال.

المساعي اللبنانية التي ترجمت بمشروع لإعادة 15 ألف سوري شهريًا، اصطدمت بعدم رغبة اللاجئين، ما ترجم على الأرض عبر توقف المسار في وقت قصير، دون تحقيق أولى خطوات الغرض منه، لينتقل لبنان لاحقًا من الدفع نحو “الإعادة” إلى مقاومة “موجة نزوح جديدة”.

ورغم فشل المشروع، بقي اللاجئون السوريون، الذين يسميهم السياسيون اللبنانيون “نازحين”، حاضرين في الخطاب السياسي، والإعلامي، مع تحميلهم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع على المستوى المعيشي على الأقل.

لكن البرلمان الأوروبي، صوت في 12 من تموز الماضي، بالأغلبية، لصالح قرار يدعم إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، ما قابله ردود فعل غاضبة من قبل المسؤولين اللبنانيين، إذ أرسل وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، رسالة إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، للتنديد بالقرار.

اللجوء لا يتوقف

خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأمام فشل محاولات “الإعادة”، تعرض لبنان لموجة “نزوح سوري جديدة”، وفق ما يصفها، تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة النظام، والتي تفاقمت بعد رفع أجور ومعاشات الموظفين، بالتزامن مع رفع كبير في أسعار المحروقات.

في 16 من أيلول، أعلن الجيش اللبناني، مداهمة عدد من المخيمات للسوريين في منطقة البقاع، وتوقيف 43 سوريًا، لدخولهم “خلسة” إلى لبنان، وتجولهم دون أوراق ثبوتية، وفق بيان رسمي.

هذه الحادثة سبقتها، في 13 من الشهر نفسه، إصابة ثلاثة سوريين، جراء انفجار لغمين أرضيين قرب الحدود البرية السورية- اللبنانية.

وذكر الجيش اللبناني عبر موقع (إكس) “تويتر سابقًا”، أنه في أثناء محاولة عدد من السوريين “التسلل” إلى الأراضي اللبنانية، بطريقة “غير شرعية”، عند الحدود الشمالية، انفجر اللغمان في الجانب السوري من الحدود، ما أوقع ثلاثة إصابات بينهم.

كما أعلنت السلطات اللبنانية، في 7 من أيلول، إحباط وحدات تابعة له بتواريخ مختلفة خلال أسبوع، لمحاولة “تسلل” نحو 1200 سوري، عند الحدود، بالتزامن مع تصريحات لوزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، جاء فيها أن عدد النازحين الذين دخلوا إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية لا يمكن إحصاؤه، داعيًا البلديات اللبنانية للتعاون.

وتحدث الوزير عن دخول نحو 8 آلاف نازح عبر المعابر غير الشرعية خلال آب الماضي، وعن تجاوز العدد منذ بداية العام 20 ألف نازح.

من “عودة” إلى “مقاومة”

بحسب بيان للجيش اللبناني، صدر في 4 من أيلول، جرى إحباط محاولة “تسلل” نحو 1100 سوري، عند الحدود السورية- اللبنانية، خلال أسبوع.

كل هذه المعطيات نقلت لبنان من مساعي تحقيق “العودة الطوعية”، و”مشروع الـ15 ألف لاجئ”، إلى مقاومة لجوء آخر لا إمكانيات مادية ولوجستية تواتي حجمه، إذ أشار شرف الدين إلى ضعف إمكانات الجيش اللبناني لضبط الحدود، وإلى عدم كفاية العناصر، داعيًا في الوقت نفسه الجانب السوري لضبط حدوده.

ولصد اللجوء السوري، دعت السلطات اللبنانية، المواطنين اللبنانيين، للتبليغ عن أي تجمعات مشبوهة للاجئين، إلى جانب التوجه نحو إجراء مسح للقاطنين وتكوين بيانات عنهم، وإزالة كافة مخالفات البنية التحتية، وقمع مخالفات المحال المستثمرة من قبل اللاجئين.

كما لوح قائد الجيش اللبناني، جوزف عون، بإمكانية الاشتباك مع اللاجئين، “قد نضطر للاشتباك معهم أو قد نقول للجيش تحرشوا فيهم ليعتدوا عليكم، فيكون لنا عذر القتل بالقانون”، وفق ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.

الحدود تحت سيطرة “حزب الله”

المحامي اللبناني، طارق شندب، لفت في حديث إلى عنب بلدي، إلى وجود أعداد كبيرة من السوريين تدخل يوميًا الأراضي اللبنانية بصورة “غير شرعية”، بتنسيق مع مافيات التهريب، اللبنانية والسورية، معتبرًا ذلك بوابة لمضاعفة الأزمة الاقتصادية في لبنان، إلى جانب الخطاب العنصري الموجه ضد اللاجئين.

شندب أوضح أن الحكومة اللبنانية التي تهاجم “اللاجئين الجدد” على صلة وثيقة بالنظام السوري، وباستطاعتها وقف اللجوء عبر فرض قوة وسطوة الأمن على الحدود، لكن الحدود البرية من أولها وإلى آخرها خاضعة لسيطرة ميليشيات التهريب و”حزب الله” اللبناني، حليف النظام السوري، وفق رأيه.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط“، في 17 من أيلول، عن مصادر وزارية لبنانية، أن الزيارة اللبنانية إلى دمشق التي يجري الإعداد لها، لمناقشة ملف اللاجئين، لن تتخطى “رفع العتب”.

وبررت المصادر ذلك بأنه ليس لدى دمشق الجهوزية المطلوبة، ليس لاستقبال الموجة الأولى من “النازحين” إلى لبنان، وإنما لوقف تدفق الموجة الثانية منهم إلى الأراضي اللبنانية، سيما أن إجراءات الجيش اللبناني لضبط الحدود تتطلب تجاوب من “الجيش السوري”، على طول حدود البلدين.

وكانت صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية ذكرت في مادة نشرتها، في 28 من آب، أن موجة النزوح الحالية تأتي تحت عنوان الأزمة الاقتصادية في سوريا.

رسائل متناقضة

في 1 من تموز الحالي، قال وزير المهجرين اللبناني، إن “الدولة السورية” مستعدة لاستقبال 180 ألف لاجئ كمرحلة أولى، تليها دفعات من 15 ألف لاجئ شهريًا، مشيرًا إلى ما اعتبرها “تسهيلات” بهذا الصدد، لكن هذا التصريح يتعارض مع ما جاء في حديث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لقناة “سكاي نيوز عربية” في 9 من آب الماضي.

وجدد الأسد حينها، ربطه عودة اللاجئين السوريين بالواقع المتردي في مناطق سيطرته، نافيًا سجن أي شخص من أقل من نصف مليون سوري عادوا خلال السنوات الماضية، رغم وجود مطالب تركية ضمن مسار التقارب، وعربية ضمن “المبادرة الأردنية” تركز على ضرورة الحصول على ضمانات لعودة اللاجئين، إلى جانب تقارير إعلامية وحقوقية حول اعتقال سوريين عادوا إلى مناطق سيطرة النظام.

وقال الأسد، “لماذا توقفت هذه العودة، توقفت بسبب واقع الأحوال المعيشية، فكيف يمكن للاجئ أن يعود دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج، هذه أساسيات الحياة هذا هو السبب”.

وتعيش مناطق سيطرة النظام، حالة من الاحتقان الداخلي منذ أسابيع، إلى جانب احتجاجات في الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظة السويداء، بدأت للتنديد بالواقع المعيشي المتردي، قبل الانتقال سريعًا نحو المطالبة بالتغيير السياسي وإسقاط النظام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة