الحوار الصحفي.. هل تورط بيرس مورغان بمقابلة باسم يوسف

tag icon ع ع ع

علي عيد

الحوار الصحفي، نمط إعلامي تفاعلي، طرفاه الضيف أو الضيوف (في حال كان ندوة صحفية) من جهة، والصحفي من الجهة المقابلة، ويعرّفه بعض الدارسين على أنه نمط تفسيري استقصائي.

تطور الحوار الصحفي مع تطور التقنيات، وبات يجري وجاهيًا أو عبر الهاتف أو بالمراسلة، وتوسعت إمكانية أن يشارك فيه عدة أشخاص من أماكن مختلفة في ذات الوقت.
يقسم الدارسون أنواع الحوار الصحفي إلى حوار موضوع أو معلومات حول قضية يُعنى بها أشخاص متخصصون، سواء كان الموضوع ثقافيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا، وحوار حدث، كأن تكون هناك تطورات تستدعي استضافة أو مقابلة شخص أو أشخاص على صلة واطلاع وقدرة على تقديم تفسيرات لما يجري.

والنوع الثالث هو حوار الشخصية أو الرأي، ويرتبط بتجربة شخص بعينه (فنان، عالم، وزير أو ضابط سابق)، وغالبًا ما يجري التركيز فيه على تجربة هذا الشخص أو ذاكرته، أو إنجازه وسيرته الذاتية، ويعرّف على أنه نمط حوار التسلية، وهذا التعريف ليس مطلقًا.

بعض الحوارات يختلط فيها النوع، كأن يكون حوار حدث مرتبطًا بشخصية بعينها، أو حوار شخصية يجري بالتزامن مع حدث أو ظهور ما هو جديد فيه، أو حوار موضوع يكون للشخص دور محوري فيه، فيكون الحوار من النوع الهجين في الحالات السابقة.

لفتتني المقابلة الصحفية التي أجراها مقدم البرامج الحوارية البريطاني بيرس مورغان (Piers Morgan) في برنامجه “خارج الرقابة” (Uncensored) على قناة “توك تي في” (TALK TV) البريطانية، مع المؤثر ومقدم البرامج المصري باسم يوسف.

تندرج المقابلة ضمن نوع مقابلة الحدث، لكن مورغان اختار لها شخصية غير متوقعة، هي باسم يوسف، شخصية مصرية، عُرف كمقدم تلفزيوني ساخر، وهو ما جعل الحوار أشبه بحوار حدث يميل إلى نمط التسلية والإمتاع في قضية الساعة، ما فسح المجال واسعًا أمام مورغن لإيصال صوت مختلف، وتحقيق الربح المطلوب في برنامجه عبر الوصول إلى عدد غير مسبوق من المشاهدين تجاوز 16 مليون شخص خلال ثلاثة أيام.

من قواعد الحوار التقليدية التحضير المسبق من قبل الصحفي، واختيار الشخصية المناسبة، وإعداد الأسئلة مع شرط عدم إطلاع الضيف على تفاصيلها، وإنما على محاورها أو موضوعها العام، وهي شروط تسمح للصحفي مفاجأة الضيف والتحكم بدفة الحوار وتوجيهه نحو الأهداف.

هل كان مورغان يبحث عن وجهة نظر عربية غير فلسطينية، اجتماعية غير سياسية، مطّلعة غير متخصصة، وهل سعى للترفيه والربح فقط، وهل حسب حساب المفاجأة، بأن تتسبب المقابلة بتغيير واسع في الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية أو ما يحصل في غزة، أم أنه أراد غير ذلك.

أثارت المقابلة ردود فعل واسعة، وتناولت الصحافة الغربية تفاصيلها، كما فعلت “BFM TV”، الأعلى انتشارًا في فرنسا، على موقعها الإلكتروني، وليس بالإمكان تحديد أثر المقابلة في تغيير الرأي العام، أو تقدير من تمكنت المقابلة من تغيير آرائهم، لكن هذا حصل بالفعل، وهو ما يمكن اعتباره درسًا في فن الحوار الصحفي وأثره.

فاق عدد مشاهدات مقابلة باسم يوسف على قناة مورغان في “يوتيوب” أضعاف مجموع مشاهدي مقابلات مماثلة أجراها في برنامجه مع لاعب الكرة السابق زلاتان إبراهيموفيتش، ونجمي هوليوود براد بيت وراشيل زيغلر (صاحبة دور Snow White)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، ومن المؤكد أن هذا الانتشار الواسع مرتبط بآنية الحدث من جهة، والانحياز الإعلامي الغربي لإسرائيل من جهة ثانية، وكذلك الطريقة المثيرة التي استخدمها باسم يوسف في توريط المحاور الصحفي، مستفيدًا من خبرته على الشاشة، وفهمه لتأثير الإعلام، وانصراف الجيل الجديد عن المحتوى السياسي الجاف نحو تمرير القضايا بطريقة ترفيهية.

يمكن تشبيه الحوار الصحفي بالمعركة، وما يحسم هذه المعركة هو قدرة الصحفي وشخصيته وعمق معرفته وتحضيره أو تمكن الضيف من التقاط الفرصة بذكاء، واستغلال الوقت في تمرير الرسائل، واستخدام ما هو متاح في اللغة والأدوات ولغة الجسد للوصول.

سيكون المتخصصون مهتمين بمقابلة مع أهم شخصية فلسطينية مؤثرة في الحدث مهما كان موقفهم منها، لكن الجمهور ليس معنيًا بكل هذا، إنه يفكر بكيفية قضاء وقت ممتع ومفيد في آن واحد، وهذا ما قدمه باسم يوسف وتورط به مورغان، على الرغم من كمية الربح المادي لبرنامجه وقناته التلفزيونية.

السؤال الأهم، هل كان سيؤثر باسم يوسف في الجمهور العربي لو خرج في حوار على قناة “الجزيرة”، كما فعل عند الجمهور الغربي، يمكن الإجابة بلا، لأنه استخدم أدوات تناسب جمهورًا غير منخرط في القضية، وينتمي إلى جيل جديد لا يعرف حدود بلاده، ويرى فلسطين من خلال ما تقدمه وسائل إعلام محكومة بانحياز سياسي رسمي واقتصادي معروف.

ربما ليس من مهمتنا القول إن مورغان فشل في مهمته، وإنه خسر جولة مهنية، وقد يكون العكس هو الصحيح، فالصحفي ليس سياسيًا، وعندما يكون حرًّا في تحديد ضيوفه، هذا يعني أنه يعمل ضمن قاعدة “حرية كاملة.. مسؤولية كاملة”، وعندما يورط الصحفي وسيلته الإعلامية في الترويج لما يتعارض مع سياساتها، وهو أمر لا نجزم به في حالة مورغان، تظهر عندها الورطة.

في جميع الحالات، يمكن اعتبار مقابلة مورغان- يوسف نموذجًا فريدًا للحوار الصحفي المؤثر.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة