التغطية الصحفية في الحروب.. غزة مثالًا

tag icon ع ع ع

علي عيد

تشكّل التغطية على الخطوط الأمامية خلال الحروب المهمة الأصعب في العمل الصحفي، وغالبًا ما يعيش الصحفيون في هذه الظروف تحت ضغوط شديدة في أداء مهمتهم بمعايير مهنية وأخلاقية، وسط مخاطر التعرض للإصابات القاتلة، أو حتى الأثر النفسي اللاحق للفظاعات المرتكبة، وهو ما يتطلب قدرًا عاليًا من التأهيل والتدريب والتحضير.
خلال الحرب الدائرة في غزة، منذ عملية “طوفان الأقصى” وما أعقبها من تصعيد إسرائيلي، حتى تاريخ 28 من تشرين الأول (21 يومًا)، قُتل 29 صحفيًا بينهم 24 فلسطينيًا و4 إسرائيليين ولبناني واحد، كما أصيب ثمانية صحفيين، وجرى الإبلاغ عن فقدان تسعة آخرين، وفق توثيق لجنة حماية الصحفيين (cpj)، وهي منظمة مستقلة مركزها نيويورك.

العدد الكبير لضحايا الحرب في غزة خلال أقل من ثلاثة أسابيع، يعطي مؤشرًا على اتجاهين متعاكسين في أداء حامل “المايك” أو القلم وحامل البندقية، فالأول يتجنب أن تتسبب آثار تغطياته بأذى لجمهور واسع ينتظر المعلومة، بينما يسعى الثاني لكسب المعركة حتى وإن اضطر لقتل رسل الحقيقة.

ليست هناك ضمانات كاملة لعدم انحياز بعض الصحفيين خلال الحروب، سواء بسبب عملهم في مؤسسات تتبنى موقفًا من الحرب أو تمثل طرفًا فيه، وربما تكون حرب غزة مثالًا صارخًا يعكس أثر سيطرة صناع السياسة على الإعلام، إذ انزلقت مؤسسات صحفية وتلفزيونات إسرائيلية بتمرير دعوات الإبادة للشعب الفلسطيني في غزة، انتقامًا من عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة “حماس” في 7 من تشرين الأول، وتسببت بمقتل مئات الجنود والمدنيين، وأسر ما يزيد على مئتي شخص بينهم مدنيون، لكنها أُتبعت بتصعيد إسرائيلي تسبب بمقتل نحو ثمانية آلاف مدني فلسطيني، وفق إحصائيات من الطرفين.

ماذا على الصحفي أن يفعل في هذه الظروف، وهل هو مضطر للدخول في هذا الانقسام تحت ضغط النار، أو أن يضحي بحياته من أجل نقل الحقيقة.

تتلخص النصائح للصحفيين على الخطوط الأمامية في ظروف الحرب بالآتي:

  • حافظ على سلامتك وأمنك، فحياتك أهم من الخبر، ولتحقيق هذا الغرض هناك نصائح تفصيلية في السلامة المهنية خلال تغطية الحروب والصراعات، تقدم إرشادات حول ما يمكن للصحفي فعله لجهة دراسة بيئة التغطية، أو التحرك، أو حتى اللباس.
  • افصل بين عاطفتك وما يجب عليك تقديمه للجمهور، فأنت مجرد وسيط يقدم رسالته بأمانة.
  • تجنب استخدام المفردات القاسية، أو المبالغة، أو خطاب الكراهية الذي قد يغذي روح الانتقام، كما حصل في قتل الطفل الفلسطيني وديع الفيوم (6 سنوات) وجرح والدته طعنًا بالسكين من قبل شخص أمريكي في ولاية ألينوي بالولايات المتحدة، تحت تأثير الدعاية المعادية للعرب والمسلمين في سياق الدعاية الكبيرة ضدهم من قبل الإعلام.
  • لا تُظهر صور الجثث والدم، وحافظ على المعايير الأخلاقية في الحفاظ على كرامة الضحايا من جهة ومشاعر الجمهور من جهة ثانية، فهناك من لا يتحمل هذه المشاهد من أطفال أو شيوخ، كما أن هذا النوع من الصور يسهم أيضًا في تعزيز الكراهية والرغبة بالانتقام.
  • أنت موجود في عين المكان لتنقل ما تراه، وإذا كنت تنقل ما لا تراه في محيطك القريب، أو مساحة تغطيتك، فلا تعتمد على مصادر غير موثوقة، مثل مصادر شبكات التواصل الاجتماعي غير الموثوقة، أو الشائعات، أو الدعاية والحرب النفسية لكلا الطرفين للتأثير في مجريات الحرب.
  • التحري حول المعلومات، وعدم الاستعجال في الإفصاح عن التقديرات للقتلى والمصابين أو طبيعة ما يجري على الأرض، وانتظار التأكد منها عبر مصادر جديرة وموثوقة وذات صلة.
  • تأكد من أنك قمت بتحضير كل ما يلزم من أرقام هواتف أو أدوات اتصال، سواء مع المستشفيات أو ناشطين معروفين أو مصادر رسمية وخاصة للرجوع إليها، فأنت بحاجة لتعزيز كل ما تراه بتفسيرات من هذه المصادر، واحرص كذلك على حماية المصادر، وألا تقدم معلومات تتسبب في ضررها.
  • تذكر أنك داخل الحرب، لكنك لست جزءًا منها، لذلك تجنب أن تحمل السلاح ظنًا أنك تحتاج إليه للدفاع عن نفسك، فقد يكون هذا السلاح سببًا في إنهاء حياتك.

لفتني موقفان مهنيان للصحفي وائل الدحدوح، مراسل قناة “الجزيرة”، الأول خلال تغطيته مجزرة المستشفى “الأهلي” (المعمداني)، عندما طلب من المصور وبشكل متكرر عدم تقريب الكاميرا من الضحايا والأشلاء، وهو من المعايير المهنية والأخلاقية في العمل الصحفي، والثاني عندما قُتل عدد من أفراد عائلته في قصف إسرائيلي على منزلهم، إذ لم يقدم روايات ذات طابع سياسي أو انتقامي، ولم يخرج في تصريحاته حتى خارج وقت أداء مهمته الصحفية عن إطار عاطفة الأب أو الرجل المكلوم، وجاءت عبارته “بينتقموا مننا بالأولاد” في سياق نقاش حاد داخل مراكز صنع القرار حول دور “الجزيرة” في نقل فظائع غزة، وضرورة منعها من العمل، دون أن يخرج عن انضباطه المهني.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة