من “دانوك” إلى “حانو قريثو”.. تقاليد متوارثة لأهالي الجزيرة في سوريا

إعداد السليقة لإنتاج البرغل في محافظة القامشلي_8 أيلول 2020(وكالة أنباء هاوار)

camera iconإعداد "السليقة" لإنتاج البرغل في محافظة القامشلي_8 من أيلول 2020 (وكالة أنباء هاوار)

tag icon ع ع ع

مع انتهاء موسم حصاد القمح، ينشغل معظم الأهالي في مختلف المناطق السورية خلال شهري آب وأيلول من كل عام بإعداد البرغل وتحضيره كمؤونة لفصل الشتاء.

ويعتبر إعداد “السليقة” (سلق حبوب القمح لإنتاج البرغل) تقليدًا قديمًا تتمسك به مدينة القامشلي وريفها، باعتباره جزءًا من التراث والثقافة المحلية.

وينتظر أهالي القامشلي موسم القمح الذي يأتي في فصل الخريف تحديدًا، لسلق الحنطة وتحضيرها لتخزين مؤونة عائلاتهم من البرغل، كما يظهر هذا التقليد الرغبة من الأهالي في الاحتفاظ بالعادات والتقاليد التي توارثت عبر الأجيال لتأمين المؤونة.

“دانوك”

على درجة حرارة مرتفعة تقوم نوارة شيخ موسى، المنحدرة من القامشلي وتحديدًا من حي الهلالية، بإعداد “السليقة” أو كما يطلق عليها باللهجة الكردية “دانوك”، وبالسرياني “دانوكة”، وهي وجبة شعبية تقليدية تحضر بعد انتهاء موسم الحصاد، مع وجود أجواء مناسبة لتجهيزها، بحسب نوارة.

يجهز الأهالي موقد الحطب ويشعلون النار لوضع “الحلة” (وهي وعاء معدني كبير) ويوضع القمح في داخلها على دفعات ويسكب فوقه الماء لحد الانغمار لإتمام عملية السلق التي تتراوح مدتها بين ثلاث وأربع ساعات، بحسب نوع القمح وقساوته.

وعاء معدني يوضع القمح في داخله على دفعات ويسكب فوقه الماء لإعداد السليقة (فيس بوك)

وعاء معدني يوضع القمح في داخله على دفعات ويسكب فوقه الماء لإعداد السليقة (فيس بوك)

وبحسب نوارة، يفضل أن يكون هناك القليل من الهواء حتى تتمكن حبات القمح المسلوقة من الجفاف بسرعة، “وهذا العام قمنا بإعدادها خلال تشرين الأول، لأن فصل الصيف كان أطول من الأعوام السابقة”، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

وعن كيفية التحضير، قالت نوارة إن عملية السلق تسبقها غربلة القمح وتنقيته من الشوائب المرافقة لعملية الحصاد، مثل الحصى وغيرها، وبعدها تتم عملية “تصويل” القمح أي نقعه في الماء وتنظيفه من الغبار كمرحلة أولى من تحضير البرغل.

يليها تنظيف سطح المنزل حيث ستفرش “السليقة” بعد الاستواء لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، مع مراعاة تقليبها وتعريضها لأشعة الشمس لتجف حبات القمح بشكل تام.

وتجمع بعدها وتعاد تنقيتها بعناية لضمان جودة المادة الناتجة عن طحن القمح، إذ يجب أن تكون خالية من الرطوبة أو العفونة، بحسب نوارة

أجواء ريفية

إعداد وتحضير “السليقة” لا تقتصر على مشاركة الجيران والأقارب فحسب، وإنما تشكل عيدًا للأطفال الذين يجتمعون حول “الحلة” وبحوزتهم صحون صغيرة بانتظار الحصول على حصتهم من “السليقة”.

وتتسم الأجواء بالطابع العائلي الدافئ وطقوس تعد جزءًا من التراث في المنطقة، وما يجعلها أكثر تميزًا هو اجتماع أفراد الأسرة والجيران وطهوها على الحطب، بهذه الكلمات تعبر إيمان حسون عن الأجواء الموسمية لإعداد السليقة.

إيمان أوضحت لعنب بلدي أن بعض الأهالي يفضلون تناول “السليقة” مباشرة بعد النضج، لوجود نكهة خاصة ومميزة فيها، وبعضهم يضيفون القليل من السمن والملح لتحسين مذاقها، “كما تجسد هذه الأجواء الروح الجماعية والتقاليد العائلية والاجتماعية في الأماكن الريفية، وتعكس تراثًا ثقافيًا مميزًا”.

فيما ترى ميديا أمين المنحدرة من مدينة القامشلي، أن البرغل الناتج عن “السليقة” له نكهة خاصة وطعم متميز وقيمة غذائية عالية، “ووجوده في مؤونة البيت بركة”.

“حانو قريثو”

يحتفل السريان في الجزيرة السورية، كل عام، بمناسبة “حانو قريثو” أو قصة “عروس القرية” التي تعد من الأساطير السريانية القديمة التي تناقلها السريان من جيل لآخر.

ريحانة خاجو من قرية محركان شرقي القامشلي، قالت لعنب بلدي، إن الطقوس الاحتفالية في أثناء إعداد “السليقة” تعتبر واحدة من أكثر العادات شيوعًا بين أهالي الجزيرة، وتشمل الكرد والعرب والسريان، كما تعتبر تكريمًا للقمح الذي يعد رمزًا مشتركًا بين سكان المنطقة.

وخلال هذه التقاليد الشعبية، تقوم بعض الفتيات بصناعة دمية رمزية وهي كناية عن ابنة الملك “حانو”، وإلباسها ثيابًا فلكلورية زاهية، وهي أقدم الأساطير السورية الباقية، والقصص في التاريخ السرياني، ولها أغانٍ شعبية خاصة بها.

دمية رمزية يتجول بها أهالي القامشلي على المنازل لجمع تبرعات غذائية_4 آذار 2020 (وكالة أنباء هاوار)

ويتناوبون على حملها وهم يدبكون ويغنون، ويتجولون بها على منازل القرية لجمع تبرعات غذائية كالبرغل والبيض والسمن، وتغنى أغانٍ خاصة ترتبط بهذه المناسبة،بحسب ريحانة.

وبعد الانتهاء من زيارة كل المنازل يعود المحتفلون لدفن الدمية على أطراف مقبرة القرية، حيث تمثل الدمية فتاة تدعى “حانا” في الأساطير السريانية، وتشير الرواية التراثية السريانية إلى أن “حانا”، ابنة ملك قديم في منطقة طور عبدين جنوب شرقي تركيا، قُتلت بقرار من والدها الملك عقب نذر قطعه عند انتصاره في إحدى الحروب.

ومن المكونات التي جمعت، تحضر وجبات تقليدية باستخدامها مثل “السليقة” وتصنع باحتفالية اسمها “حانو قريثو”، هذه الاحتفالية تمثل تعبيرًا عن التراث الثقافي في المنطقة، وتجمع بين مختلف مكونات المجتمع.

وتعود عادات وتقاليد شعبية كثيرة للواجهة، لا سيما المتعلقة بالمؤونة خلال فصل الصيف.

وتميل العائلات السورية إلى تخزين الخضار والفواكه الصيفية الموسمية في نهاية الصيف، لاستهلاكها في الشتاء، وهو تقليد شعبي موروث لهدف اقتصادي، إذ إن أسعار منتجات كل موسم تنخفض خلاله وترتفع بشكل كبير في المواسم الأخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة