بين أربع قوى.. سياسات اقتصادية تهدد بضياع القطن السوري

camera iconأسعار شراء القطن لا تتناسب مع تكاليف زراعته في رأس العين شمال غربي الحسكة- 28 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ حسين شعبو)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

يشهد محصول القطن هذا العام عدة مشكلات بمناطق السيطرة المختلفة في سوريا.

في مناطق سيطرة النظام، لم تستطع الحكومة دفع قيمة مادة القطن المسوقة من الفلاحين إلى مؤسساتها، وسط وصول الكميات المسلّمة إلى نحو 1100 طن.

فيما حددت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا سعرًا لم يرضِ الفلاحين هو 0.8 دولار أمريكي للكيلو الواحد (نحو 11 ألف ليرة سورية)، دون إعلانها شراء المحصول من المزارعين، مع سماحها بتصديره خارج تلك الأراضي، ما جعل المزارعين في حالة بحث عمن يشتري محصولهم.

في محافظة إدلب، شجعت حكومة “الإنقاذ” على زراعة القطن، ودعمت المزارعين بـ”القرض الحسن”، بينما لم تعلن “الحكومة السورية المؤقتة” التي تسيطر على أجزاء من ريف حلب عن رغبتها بشراء المحصول.

حكومة دمشق عاجزة

لم تستطع حكومة النظام السوري دفع قيمة مادة القطن المسوقة من الفلاحين إلى مؤسساتها في مناطق سيطرتها، وسط وصول الكميات إلى نحو 1100 طن، الأمر الذي سيترك أثره على عمليات التسلم المقبلة، بحسب تصريح مسؤول حكومي.

رئيس “الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج”، محمد عزوز، قال في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية منتصف تشرين الأول الماضي، إن عدم تسديد الحكومة حتى الآن ثمن القطن، أدى إلى تخوف من إحجام الفلاحين عن التسويق وبالتالي تراجع عمليات التسلم.

وأوضح عزوز أن التأخر ناتج عن رفع سعر شراء القطن من الفلاحين من أربعة آلاف إلى عشرة آلاف ليرة سورية، وبالتالي ارتفاع قيمة القرض الذي طلبته المؤسسة العامة للأقطان من وزارة المالية إلى 562 مليار ليرة سورية لشراء نحو 56 ألف طن من المادة.

رد الوزارة على طلب القرض جاء بالرفض، وطلبت من مؤسسة الأقطان تخفيض قيمة القرض بما يتناسب مع التقديرات الحقيقية للتسلم، الأمر الذي اضطر المؤسسة إلى تعديل قيمة القرض المطلوب ليتناسب مع الكميات التي توقعتها وزارة الزراعة للإنتاج.

ومطلع تشرين الثاني الحالي، وافقت الحكومة على منح “المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان” قرضًا ماليًا قدره 182 مليار ليرة (ثلث قيمة القرض الذي طلبته المؤسسة)، لتسديد قيمة الأقطان المتوقع تسلمها من الفلاحين للموسم الحالي ودفع أجور نقلها، ما يعني عدم حصول المؤسسة على قيمة القرض الذي تحتاج إليه لتغطية تكلفة شراء المحصول.

“الإدارة” و”المؤقتة” لا تشتريان

وفي شمال شرقي سوريا، يعاني محصول القطن هذا العام ضغطًا شديدًا، سببه العجز عن تأمين كميات المياه اللازمة للري مع شح المحروقات، وارتفاع أسعار السماد، فضلًا عن تحديد “الإدارة الذاتية” سعرًا لم يرضِ الفلاحين هو 0.8 دولار أمريكي للكيلو الواحد (نحو 11 ألف ليرة سورية)، دون إعلانها شراء المحصول من المزارعين، مع سماحها بتصديره خارج تلك الأراضي.

اقرأ أيضًا: مزارعو الشرق السوري يبحثون عمن يشتري قطنهم

بينما لا تتدخل “الحكومة السورية المؤقتة” في شراء محصول القطن المزروع ضمن مناطق سيطرتها، ما يعرض المزارعين لخسائر كبيرة، نتيجة اضطرارهم لتخفيض أسعار المبيع.

اقرأ أيضًا: قطن رأس العين.. تجار يخفضون الأسعار والمؤقتةلا تشتري

وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، قال لعنب بلدي، إن الحكومة تحاول تسهيل تصدير القطن فقط، دون وجود قدرة لديها على شراء المحصول.

ويصدّر معظم إنتاج القطن في مناطق سيطرة “المؤقتة” إلى تركيا وفق الأسعار العالمية، بحسب المصري.

إدلب.. تشجيع غير مسبوق

في إدلب شمالي سوريا، حيث تسيطر حكومة “الإنقاذ”، عادت زراعة محصول القطن هذا العام إلى أفضل أحوالها خلال السنوات الماضية بدعم حكومي غير مسبوق لمزارعي المحصول، إذ دعمتهم بـ”القرض الحسن”، وحددت سعر شراء الطن الواحد منه بـ700 دولار أمريكي، وقررت شراء المحصول منهم.

المدير العام للزراعة، تمام الحمود، قال لعنب بلدي، إن وزارة الزراعة والري في حكومة “الإنقاذ” تحرص على النهوض بالواقع الزراعي، إذ تسعى منذ تأسيسها للاهتمام بالمزارعين، وتقديم الخدمات الزراعية، وتعتبر إعادة زراعة القطن من بين المشاريع التي تحظى باهتمامها.

وقدّر الحمود المساحة المزروعة بالمحصول حيث تسيطر “الإنقاذ” بـ1814 دونمًا، مع توقعات بوصول الإنتاج إلى نحو 500 طن.

فيما تقدّر كمية الأقطان التي ستتسلمها المراكز المخصصة في مناطق سيطرة النظام بنحو 56 ألف طن، وهي الكميات التي تشمل إنتاج جميع مناطق السيطرة، وفق تصريح رئيس “الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج”، محمد عزوز.

قطاف القطن في مدينة إدلب شمال غربي سوريا - تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

قطاف القطن في مدينة إدلب شمال غربي سوريا – تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

استهتار بالمحصول

يعد القطن محصولًا استراتيجيًا في سوريا بعد القمح، ووسط الشكوك بالبيانات السورية، تشير بيانات دراسة نشرتها وزارة الزراعة السورية عام 2006، إلى أن إنتاج سوريا من القطن بلغ عام 2004 ما يزيد على مليون طن، بينما تشير بيانات قسم تقييم الإنتاج الدولي في وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن محافظة الحسكة تنتج 38% من مجمل إنتاج القطن في سوريا، تليها الرقة بـ24%، ثم حلب بـ16%.

وانخفض الإنتاج خلال سنوات الحرب، إذ لم يتجاوز 56 ألف طن لعام 2023 في مناطق سيطرة النظام، وفق تصريح رئيس “الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج”، محمد عزوز.

ووفق تقديرات اطلع عليها الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، كان هذا القطاع يسهم في توفير فرص عمل للفلاحين والعمال في معامل الحلج ومعامل النسيج، فعلى مستوى صناعة القطن كان يستقطب هذا القطاع 20% من اليد العاملة الصناعية في سوريا.

ويشهد هذا القطاع تدهورًا حادًا، إذ تراجع الإنتاج المحلي لدرجة لا يغطي فيها الاحتياجات، وفق حديث السيد عمر لعنب بلدي، ما اضطر حكومة النظام عام 2021 لاستيراد القطن، وهذه المرة الأولى التي تستورد بها سوريا القطن، ولولا الاستيراد لتوقفت معامل النسيج في سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة عشرات الآلاف من العمال لوظائفهم.

ويرى السيد عمر أنه في ظل هذا الواقع، ووسط الأهمية الكبيرة للقطن، تبدو الجهات الرسمية في مختلف مناطق السيطرة غير مهتمة بما فيه الكفاية بهذا المحصول الاستراتيجي.

وفسر الباحث غياب رغبة “الإدارة الذاتية” و”الحكومة المؤقتة” بتسلم محصول القطن من المزارعين، بأن هذه الجهات لا تمتلك مصانع نسيج كافية لاستيعاب الإنتاج، فغالبية معامل النسيج في مدينة حلب تحت سيطرة النظام، إضافة إلى ذلك، هذه الجهات لا تستطيع تصدير الإنتاج في حال اشترته من المزارعين كونه غير معترف بها دوليًا، وهو ما دفعها للتباطؤ في تسلم المحصول.

أما على مستوى حكومة النظام، فقد افتتحت عدة مراكز لتسلم القطن، وحددت سعره بـ10 آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد، وهو سعر مقبول نسبيًا، لكن الأزمة التي تواجه المزارعين هي في نقله إلى مراكز التسلم، فعدد المراكز قليل، وهو ما يتطلب من المزارعين نقل محصولهم لمسافات بعيدة نسبيًا، إذ يفرض هذا الأمر عليهم دفع تكاليف عالية، لا سيما في ظل ندرة المحروقات وارتفاع سعرها في السوق السوداء.

ونتيجة لهذه المعطيات، تراجعت عوائد المزارعين، ليصبح السعر غير متناسب مع التكلفة، إضافة إلى ذلك، فإن حكومة النظام تتباطأ في دفع ثمن القمح للمزارعين، بسبب نقص السيولة لديها، والتأخير في الدفع الذي ينعكس سلبًا على المزارعين، فضلًا عن مخاطر انخفاض قيمة الليرة، الذي يعني تراجعًا في القيمة الفعلية لثمن القطن، وفق الباحث.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة