مفعولها ضعيف والأجنبية بعيدة عن المتناول

سوريا.. الطلب يزداد على الأدوية النفسية

مضاد اكتئاب في صيدلية سورية - 29 تشرين الثاني 2023 (عنب بلدي)

camera iconمضاد اكتئاب في صيدلية سورية - 29 تشرين الثاني 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

تعرض الزبونة الوصفة الطبية، التي تحتوي على أحد أنواع أدوية الاكتئاب، على الصيدلانية نور، وعند سؤالها عن السعر، تترك الزبونة الدواء والوصفة وتخرج دون عودة.

موقف يتكرر بشكل شبه يومي أمام الصيدلانية نور (50 عامًا)، فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية، تزاول نور المهنة منذ 25 عامًا في مدينة دمشق، عايشت خلالها تغير أوضاع الشعب السوري صحيًا وماديًا أيضًا.

تختلف طلبات المرضى وأوضاعهم الصحية والنفسية والمادية، وترتبط الحالات الثلاث ببعضها، ومهما حاولت مساعدة الزبون تبقى الحاجة أكبر من أن يسدها دعم من الصيادلة، قالت نور.

الطلب يزداد.. لا فعالية

عام 2012، أي بعد عام ونصف فقط على اندلاع الثورة السورية التي قوبلت بالقمع والعنف، ازداد استهلاك الأدوية المهدئة ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل ذلك، وفق مانشرته وكالة “الأناضول”.

لاحظت نور ذلك خلال السنوات الأخيرة، إذ ازداد الطلب على الأدوية العصبية والمهدئات، وبالتالي فإن زيارات السكان للأطباء النفسيين ازدادت أيضًا.

يشهد قطاع الأدوية عامةً في سوريا حالة من عدم الاستقرار لأسباب عديدة، ويعزوها مسؤولون إلى التغير المستمر بسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية ما يسبب خسارات لأصحاب معامل الأدوية، وآخرون يبررونها بصعوبات استيراد المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري.

نتج عن هذه الحالة، نقص ببعض الأدوية وارتفاع أسعارها بفترات زمنية متقاربة، إذ رفعت وزارة الصحة أسعار الأدوية ثلاث مرات خلال العام الحالي (2023)، آخرها في 6 من كانون الأول، حيث ارتفعت الأسعار بنسب تتراوح بين 70 إلى 100%.

إضافة إلى الأسعار، يشتكي عدد من المواطنين من ضعف فعالية بعض الأدوية، الأمر الذي فسرته الصيدلانية نور بأنه لا بد لمستخدمي الدواء ملاحظة الفرق بين الأدوية الأوروبية ومحلية الصنع، فالدواء المحلي ذو فعالية لكنها لا تقارن بالدواء الأجنبي إطلاقًا.

تحدثت رزان (38 عامًا)، طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب اجتماعية، وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال تعيش في محافظة حماة، إلى عنب بلدي، عن اختلاف تفاعل جسمها مع أدوية الاكتئاب التي اعتادت استخدامها طوال سنوات.

شُخصت رزان بالاكتئاب المزمن منذ خمسة أعوام، وبدأت استخدام الأدوية وفق ما يصفه الطبيب وبجرعات محددة، إلا أنها تنقطع عن تناول الدواء أحيانًا لعدم توفره في صيدليات المنطقة، سواء الأجنبي منه أو المحلي، ويترتب على ذلك أعراض انسحاب دوائي من جسدها وانتكاس نفسي.

أسعار رخيصة.. لكن دون المتناول

تعتبر الأدوية العصبية والمهدئات الوطنية رخيصة السعر بالنسبة لأي بلد آخر غير سوريا، كدواء “بروزياك” الوطني الذي يباع بنحو سبعة آلاف ليرة سورية (نصف دولار تقريبًا)، بينما لا يتعدى سعر غالبية الأدوية النفسية المحلية الدولارين، بحسب الصيدلانية.

ومع السعر المنخفض نسبيًا للدواء المحلي، لا يزال صعب المنال بالنسبة لمن يعتمد على الراتب الشهري وحسب، الذي وصل الحد الأدنى منه للعاملين بالقطاع العام في مناطق سيطرة النظام حوالي 185 ألف ليرة (13 دولارًا)، فيما بلغ متوسط تكاليف المعيشة أكثر من 10.3 مليون ليرة، وبالتالي فإن متوسط تكلفة المعيشة في سوريا يقارب 55 ضعف الحد الأدنى للأجور.

ويختلف ارتفاع أسعار الأدوية الطبية عن ارتفاع أسعار المكملات الغذائية وحليب الأطفال والأدوية التجميلية وغيرها، إذ تحدد وزارة الصحة أسعار الأدوية الطبية وفق نشرات أسعار رسمية تعلن عنها الوزارة، أما ما تبقى من منتجات كالمكملات والمواد التجميلية والترميمية ترتفع أسعارها وفق ما تطلبه شركات الأدوية التي تتعاقد معها الصيدلية، فترفع الشركة الأسعار بفترات متفاوتة وغير محددة مسبقًا وتبررها بالتغيرات المستمرة لسعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، وفق ما بينته الصيدلانية نور.

وتُباع الأدوية الأجنبية التي تصل مهربة إلى الصيدليات بأضعاف سعر المحلي منها، وفي حال وصف الطبيب نوع دواء أجنبي، يعمد بعض المرضى إلى اختيار البديل المحلي لرخص سعره، بينما يفضل آخرون شراءه أو انتظار توافر الدواء الأجنبي نظرًا لتأثيره.

كيف تؤثر الحروب على صحتنا العقلية

يعاني شخص واحد من كل خمسة أشخاص، في أماكن النزاعات، من أحد أشكال الاضطرابات النفسية، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

ولا يقتصر علاج هذه الحالات على تأمين الأدوية والأخصائيين النفسيين وحسب، بل على تأمين بيئة آمنة تساعد على التعافي.

وبحسب المنظمة، ازداد الاعتراف بالرعاية الصحية النفسية في سوريا بعد الحرب، في حين كانت تقتصر على المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب.

ويحتاج حوالي 7.5 مليون طفل ومراهق سوري حاليًا إلى الدعم بسبب الحرب، ويظهر على أكثر من نصفهم علامات الاضطراب العقلي والعاطفي وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة