“وصفة للإفقار”.. ما أثر رفع دولار “الجمارك” في سوريا

مبنى مديرية الجمارك العامة بدمشق- (الوطن)

camera iconمبنى مديرية الجمارك العامة بدمشق- (الوطن)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

مرت سبعة أشهر على آخر مرة رفع فيها مصرف سوريا المركزي سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية ضمن نشرة أسعار “الجمارك والطيران”، إذ رفعها بقيمة 30%، وهو ما يثير التساؤل حول أسباب وآثار هذا الإجراء.

ورفع مصرف سوريا المركزي، دون إعلان رسمي، سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بنشرة “الجمارك” في 7 من كانون الأول الحالي، ليصبح 8500 ليرة سورية بدلًا من 6500 ليرة، وسعر اليورو 9144 ليرة.

وعادة ما يحدّث المصرف المركزي نشرة “الجمارك” كل أسبوع بلا تغيير، دون نشرها على الموقع الرسمي، بينما تتداولها وسائل إعلام محلية.

توجد في سوريا عدة نشرات لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة، منها نشرتان يعلَن عنهما بشكل يومي، هي نشرة “السوق الرسمية”، ونشرة “الحوالات والصرافة”، بالإضافة إلى سعر إضافي غير رسمي هو سعر “السوق السوداء”.

وبحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف والعملات النقدية، وصل سعر مبيع الدولار في “السوق السوداء” إلى 14100 ألف ليرة سورية، وقت تحرير هذا التقرير.

“وصفة لإفقار الناس”

صرح رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، في أيلول الماضي، أن قيمة الصادرات السورية بلغت 520 مليون يورو حتى نهاية آب الماضي، فيما بلغت قيمة المستوردات 2161 مليون يورو حتى ذات الفترة، وهو ما يشير إلى وجود عجز في الميزان التجاري بنحو 1641 مليون يورو.

هذه الأرقام تعكس الاعتماد على المواد المستوردة التي تخضع معظمها لتأثير الرسوم الجمركية، وهو ما يؤثر بدوره على تكلفتها وسعرها النهائي المطروح بالسوق.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن رفع سعر الصرف بنشرة “الجمارك” بنسبة 30%، هو مؤشر على أن الأسعار كلها سوف “تتضاعف بشكل كبير”، ومؤشر على تدهور الوضع الاقتصادي.

ومن آثار هذه الزيادة، وفق شعبو، استنكاف التجار عن العمل أو الاستثمار في البلد، كون الموضوع أصبح غير مجدٍ، مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل كبير وانخفاض القوة الشرائية للمواطن الذي ليس لديه دخل يسمح له بالاستهلاك.

كشفت غرفة تجارة دمشق عن خروج أكثر من 100 ألف تاجر لديهم سجل تجاري من السوق السورية، مرجعة السبب لنقص الدعم الحكومي للتجار.

وقال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم لصحيفة “الوطن” المحلية، في 5 من كانون الأول الحالي، إن عدد السجلات التجارية الموجودة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نحو 110 آلاف سجل، في حين أن السجلات الفاعلة منها حاليًا ضمن غرفة تجارة دمشق نحو سبعة آلاف سجل.

وانتقد أكريم تراجع أعداد التجار بما يمثله من خسارة للاقتصاد، مشيرًا إلى وجود قوانين أسهمت بأذية التجار.

ووصف أكريم وضع التاجر في سوريا حاليًا بأنه “في أسوأ حالاته”، نتيجة عدم توجه الحكومة لدعمه بالشكل المطلوب، وأضاف أن الأسواق في حالة “جمود”، وتعد في “أسوأ حالاتها بسبب الفرق الكبير بين دخل الموظف وقيمة سعر الصرف الذي لا يتناسب مع الدخل”.

الدكتور السوري في الاقتصاد عماد الدين المصبح، قال لعنب بلدي، إن زيادة رسوم الجمارك ستنعكس على شكل ارتفاع في المستوى العام للأسعار، كما أن مشكلة التضخم مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر مع تضاؤل مصادر الدولار.

وأفاد بأن تعديل سعر الصرف سواء بنشرات مصرف سوريا المركزي ومنها “الجمارك”، له آثار غير جيدة تفاقم التضخم بشكل أساسي.

ومن الآثار أيضًا ارتفاع أسعار المستوردات مع تراجع الإنتاج المحلي، وينتج عن ارتفاع أسعار المستوردات تضخم محمول على المستوردات أو ما يسمى “التضخم المستورد”، وفق المصبح.

وقدّر الباحث الاقتصادي بلوغ نسب “التضخم المستورد” نحو 15 أو 20%، وهو ما يرسم بالنتيجة “وصفة حقيقية لإفقار الناس”، بحسب تعبير المصبح.

ما الأسباب؟

خلال السنوات الماضية، لجأ النظام السوري إلى خلق عدة أرقام لسعر صرف الدولار في سوريا لجملة أسباب، أبرزها الاستفادة من الفروق بين الأسعار التي يفرضها والأرقام الواقعية لقيمة الليرة السورية أمام الدولار في “السوق السوداء”.

ومنذ مطلع العام الحالي، اتخذ مصرف سوريا المركزي عددًا من القرارات، مبررًا ذلك بأنه “خطوة باتجاه تقليص عدد نشرات أسعار الصرف الصادرة عنه، ضمن سعيه لتوحيدها”.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، يعتقد أن النظام يعيش حالة تخبط منذ عدة سنوات، تتمثل بفرض قرارات ثم إلغائها، وهو ما يترك تأثيرًا مزدوجًا على السكان، وأن حالة “التخبط والعشوائية” في القرارات تشير إلى أنه لا توجد إدارة “مؤسساتية”.

وشدد على أن وجود عدة أسعار صرف في الدولة هو بحد ذاته مشكلة، مثل سعر صرف نشرة “الحوالات والصرافة” و”السوق الرسمية” و”الجمارك والطيران”، وهو ما يؤدي إلى “خلل كبير”.

الدكتور المصبح يرى أن النظام حاليًا يعاني ضغوطًا كبيرة فيما يتعلق بتجارة “الكبتاجون” التي تعد المصدر الأساسي للدولار بالنسبة له، إضافة إلى ضغوط أخرى فيما يتعلق بالدول “الصديقة” التي تعمل على استرداد أموالها مثل إيران، التي هي بحاجة للقطع الأجنبي أيضًا، ومع عدم استعداد الخزينة للإيفاء يعوضهم النظام بمنح الاستثمارات.

سبق صدور الزيادة بنسبة 30% على نشرة “الجمارك” الحديث عن مشروع قرار وافقت عليه اللجنة الاقتصادية لرفع المبالغ والغرامات المنصوص عليها في قانون الجمارك رقم “38” لعام 2006، إذ كانت الغرامات الجمركية تستند إلى سعر الصرف حينها، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية في 6 من كانون الأول الحالي.

وبموجب مشروع القرار الحكومي الجديد، ستحسب الغرامات المالية الجمركية وفق سعر الصرف الحالي، أي ستصبح أكبر بنحو 250 ضعفًا، إذ إن الغرامات التي قيمتها من ألف إلى ألفي ليرة ستصبح مع القرار الجديد من 250 ألفًا حتى 500 ألف ليرة، والتي تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ليرة سترتفع وفق القرار الحكومي الجديد لتكون من 750 ألف ليرة حتى 1.5 مليون ليرة.

وفي أيار الماضي، رفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار الأمريكي في نشرة “الجمارك” التي كانت تسمى حينها نشرة “الجمارك والطيران” إلى 6500 ليرة سورية بدلًا من أربعة آلاف ليرة سورية.

وعلّق حينها الخبير الاقتصادي علي محمد، في تصريح لموقع “صاحبة الجلالة” المحلي، أن تعديل سعر الصرف في النشرة يعني ارتفاعًا في قيمة (وليس نسبة) الرسوم الجمركية التي تُدفع على المستوردات بنحو 62%، ما قد يعني ارتفاعًا في أسعار السلع المستوردة بالسوق المحلية، لكون المستورد سيرفع قيمة بضائعه لتغطية الارتفاع الحاصل في قيمة الرسوم الجمركية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة