الأرض تنقذ أهالي اللاذقية من تكاليف الطبخ

نبتة الخبيزة بعد طهيها داخل منزل في اللاذقية - كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

camera iconنبتة الخبيزة بعد طهيها داخل منزل في اللاذقية - كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

tag icon ع ع ع

في مشهد اعتيادي بغالبية الريف الساحلي من طرطوس وحتى اللاذقية، تجتمع الجارات بشكل شبه يومي تقريبًا، لتنظيف ما حصدته أيديهن من خيرات الأرض المجانية، ثم إعدادها كطعام رئيس لوجبة الغداء وحتى الإفطار أحيانًا.

الهندباء، والخبيزة، إضافة إلى القريصة والسلبين ولسان الثور، والبلغصون وغيرها كثر من أنواع النباتات البرية، التي تنمو في الأراضي الجبلية ويستخدمها السكان المحليون في غذائهم، خاصة حاليًا مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير مثل البطاطا التي يبلغ ثمن الكيلوجرام منها 8000 ليرة، والبندورة 8500 ليرة.

“أم إبراهيم” سيدة ستينية، تقيم في إحدى قرى اللاذقية، ترى في الهندباء والخبيزة اللتين تنموان بكثرة في منطقتها، وسيلة إنقاذ حين لا تعرف ماذا تطبخ، ولا تمتلك المال الكافي لشراء احتياجاتها.

تزور السيدة الأرض القريبة وتحضر كمية كبيرة تكفي لعدة أيام، خاصة حين يكون الجو صحوًا قبل سقوط الأمطار، حيث توحل الأرض ولا تستطيع زيارتها حتى تجف قليلًا.

قالت السيدة إنها تحرص على قطع النباتات دون قلعها، كي تضمن استمرار جذورها في الأرض فلا تخسر موسمها العام المقبل، بعد ذلك تبدأ عملية تنظيفها وإزالة الأتربة والأوراق الصفراء، بعملية تحتاج وقتًا طويلًا حسب الكمية.

لاحقًا تأتي مرحلة الغسل ثم تقطيع الهندباء والخبيزة كل على حدا، وبعد ذلك سلقها وطبخها، إما مع البصل أو الثوم مع زيت الزيتون، والمرحلة النهائية تتطلب إضافة عصير الحامض لتعزيز النكهة.

أضافت السيدة التي تنحدر من محافظة طرطوس وتزوجت في محافظة اللاذقية قبل عدة عقود، أن طرق طهي المادتين تختلفان، ففي طرطوس يتم سلق الهندباء ومن ثم إضافة الزيت والثوم والحامض عليها، أما في اللاذقية فيتم تحمير البصل أولًا ومن ثم إضافة الهندباء عليه وتقليبها قليلًا حتى تنضج.

كذلك ذكرت السيدة أن السلبين ولسان الثور متوفران بكثافة في طرطوس، بينما في اللاذقية فإن العثور عليهما ليس سهلًا، ويتم طهيهما بذات الطريقة مع البصل أو الثوم أيضًا.

بعيدًا عن الريف وداخل مدينة اللاذقية، ينتشر مشهد السيدات اللواتي يحضرن معهن سكينًا وكيسًا إلى المساحات الخضراء والحدائق داخل المدينة، بحثًا عن الهندباء والخبيزة والحميضة، وهذه الأخيرة، تغسل وتقطع ويصنع منها حشوة للفطائر التي تخبز في الفرن.

ويبدأ موسم تلك النباتات منذ هطول أول قطرة مطر ويستمر حتى فصل الربيع، وكانت السيدات قبل عدة سنوات يلجأن إلى تفريزها لطهيها خلال الصيف، لكن هذه العادة انقرضت نتيجة التقنين الكهربائي الكبير في المحافظة.

اللوف طبق رئيس في طرطوس

في طرطوس يعتبر طبق اللوف رئيسيًا، ويجب أن يطهى عدة مرات خلال الموسم الواحد، وأخذ اسمه من اسم النبتة التي تعتبر مكونًا رئيسًا فيه.

وتحوي النبتة درجة سمية معينة، يتم التعامل معها من خلال طهيها على نار الحطب لعدة ساعات قد تمتد لأربع، ويضاف إليها الثوم والحمّص الحب المسلوق إضافة إلى السمّاق والحامض بكميات أكبر.

أولادي لا يحبونها

لا يتوقف أطفال ناديا (40 عامًا)، وهي موظفة حكومية قس اللاذقية، عن التذمر في كل مرة يدركون أن طعام الغداء عبارة عن هندباء وخبيزة، فهي من الأنواع التي لا يستسيغونها، إلا أنها تجبرهم على تناولها ولو على مضض.

قالت السيدة، إنهم يطالبونها بصنع البطاطا المقلية عوضًا عنها، وغالبًا ما تتذرع أمامهم بأنها مفيدة لهم ولصحتهم، مخفية عجزها حتى عن إعداد صحن بطاطا مقلية أحيانًا.

وتشكل النباتات البرية فرصة مهمة لكل العائلات التي أنهكها الفقر في الساحل السوري، فهي مجانية لا تكلفهم سوى عناء إحضارها وطهيها، كما أن مستلزماتها الأخرى من بصل وثوم وزيت زيتون، غالبًا متوفرة في المنازل الريفية من المواسم التي تمتلكها العائلات.

ويلجأ بعض السكان لاستثمار موسم تلك النباتات حيث يحصدونها من الطبيعة، ثم يصنعونها على شكل باقات لبيعها على بسطات ضمن المدينة سواء في جبلة أو اللاذقية، ويتراوح سعر الباقة الصغيرة بين 2000 إلى 3000 ليرة، ويحتاج إعداد صحن متوسط الحجم إلى باقتين بالمتوسط تقريبًا.

اقرأ أيضًا: بعد الاستغناء عن اللحم والفروج.. اللاذقية تواجه الشتاء دون مؤونة




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة