الأسد يضبط سوق العملات الأجنبية بالمرسومين “5” و”6″

ورقة نقدية من فئة 100 دولار أمريكي- 31 من تموز 2023 (عنب بلدي)

camera iconورقة نقدية من فئة 100 دولار أمريكي- 31 من تموز 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

يحاول النظام السوري ضبط حركة العملات الأجنبية، وحصرها بالقنوات الرسمية، لتحقيق أكبر مكاسب منها، وبدا ذلك من خلال المرسومين “5” و”6″، الذين يحددان عقوبات التعامل بغير الليرة السورية، ومزاولة الصرافة دون ترخيص، ونقل أو تحويل العملات الأجنبية خارج سورية من جهة أخرى.

المرسومان حملا معهما تعديلات لمراسيم سابقة كانت قد أدت إلى موجة سخط وخوف مطلع 2020، نصا على تشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية، نشطت عقبهما دوريات الأمن الجنائي، واعتقلت أشخاصًا بتهمة التعامل بالعملات الأجنبية.

لكن حكومة النظام ألحقت مراسيم الأسد حينها، يجملة من الإجراءات لتخفيف وطأة المراسيم، وخاصة بالنسبة للتجار الذين اعتبروها معرقلة ومهددة في بعض الأحيان لنشاطهم التجاري والصناعي، إذ رصدت عنب بلدي في تقرير تبع إصدار المراسيم، مطالب من كبار الصناعيين والتجار، لتسهيل حصولهم على القطع الأجنبي لتمويل مستورداتهم.

ما الجديد؟

في 20 من كانون الثاني الحالي، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسومين تشريعيين، حول التعامل بغير الليرة السورية من جهة، ومزاولة الصرافة دون ترخيص، ونقل أو تحويل العملات الأجنبية خارج سورية من جهة أخرى.

وجاء في المرسوم رقم “5” للعام 2024، تأكيد على سابقه الذي منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافَظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، لكنه أتاح للمدعى عليهم حق “التسوية” أمام القضاء لتسقط عنهم عقوبة السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من سبع سنوات.

ولا يسري ما جاء في المرسوم “5” على الأجنبي غير المقيم، أو المستثمر الأجنبي في سوريا، إذ لا تعد أعمال التجارة الخارجية جرمًا معاقبًا عليه في تطبيق أحكام هذا المرسوم، ولا تعد حيازة القطع الأجنبي والمعادن الثمينة جرمًا يعاقب عليه القانون.

وفيما يتعلق بالصرافة، وتحويل الأموال للخارج، أظهر المرسوم رقم “6” للعام 2024 تشديدًا على العقوبات لمن يزاول مهنة الصرافة دون ترخيص، ومَن يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو المحلية بين سوريا والخارج دون ترخيص.

ويعاقب المرسوم على مزاولة الحوالات المالية بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، وبغرامة قدرها ثلاثة أمثال المبالغ المصادرة على ألا تقل الغرامة عن 25 مليون ليرة سورية، ومصادرة المبالغ المضبوطة نقدًا، وأي مبالغ مدونة في القيود الورقية أو الإلكترونية، ولا يجوز إخلاء السبيل في هذين الجرمين.

تعديل لمراسيم سابقة

جاء المرسومان التشريعيان لتعديل نسختيهما الأقدم، التي حملت اسم “المرسوم التشريعي رقم 3“، إذ نص هذا المرسوم على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية.

تبع ذلك عام 2020، مرسوم آخر شدد عقوبة التعامل بالقطع الأجنبي، من السجن لثلاث سنوات كحد أقصى، إلى السجن لسبع سنوات مع الأعمال الشاقة.

كما نص على أن يعاقب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.

المرسوم رقم “4” لعام 2020 أيضًا فرض “عقوبة الاعتقال المؤقت، وغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل، لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.

اقرأ أيضًا: مليون ليرة فقط.. سقف الحوالات الداخلية يرهق السوريين

بحثًا عن مكاسب

القرارات المتعلقة بضبط التعامل بالعملات الأجنبية لطالما كانت متواترة على جدول أعمال الحكومة السورية على مدار السنوات الماضية، وزادت وتيرتها بعد عام 2021، عندما سجلت الليرة السورية سلسلة من الانخفاضات في قيمتها.

وتجلى هذا التركيز في سلسلة من القرارات أحدثها كان في 27 من حزيران 2023، عندما أصدر مصرف سوريا المركزي قرارًا لضبط حيازة العملات الأجنبية للمقيمين في سوريا، وإدخال وإخراج الليرة السورية والعملات الأجنبية للقادمين والمغادرين.

حدد القرار الحد الأعلى للمبالغ المسموح إدخالها و إخراجها بالليرة السورية والعملات الأجنبية، بالنسبة للمغادرين والقادمين السوريين أو المقيمين في سوريا أو الأجانب، بالإضافة إلى تأكيده السماح بحيازة جميع وسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية والبطاقات المصرفية مهما بلغت قيمتها، شرط التعامل بها عبر المصارف ومؤسسات الصرافة العاملة في سوريا، وجميع الجهات المرخص لها بالتعامل بالقطع الأجنبي.

الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” عبد العظيم المغربل، قال لعنب بلدي إن المراسيم المتعلقة بضبط التعامل بالعملات الأجنبية تهدف للتأكيد على منع التعامل بالعملات الأجنبية ضمن العمليات المالية التي لا تعود بنفع اقتصادي حقيقي، مثل معاملات الصرافة اليومية، ونشاط مكاتب الحوالات المالية.

ويرى الباحث أن نشاط حكومة النظام يركز على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، من خلال الاستفادة من عوائد الغرامات والتشديد النقدي لضمان عدم تسرب العملات الأجنبية خارج مصرف سوريا المركزي.

تهم معلبة: إرهاب وغسيل أموال

خلال ندوة حوارية عرضتها القناة “السورية” الرسمية، حول المرسومين الأخيرين، قال مدير الشؤون القانونية في مصرف سوريا المركزي، مجدي أبو الفخر، إن قرارات الأسد هي “استمرار الحفاظ على السيادة الوطنية”، معتبرًا أن العملة السورية جزء من هذه “السيادة”.

أبو الفخر أضاف أن سوريا تمر حاليًا بـ”مرحلة انتقالية” إذ تتجه نحو مرحلة “إعادة الإعمار”، وتعمل على استقطاب مستثمرين أجانب، معتبرًا أن هذه المرحلة تتطلب تشديد الإجراءات “ولو كانت عبر أسلوب الملاحقة”، على اعتبار أن الشركات غير المرخصة التي تعمل على تحويل القطع الأجنبي، تضع الدولة والحكومة والمصرف المركزي بعيدًا عن “الإحصائيات”.

واعتبر أن العمل دون ترخيص “يقيم شبهات بجرم غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، لأن الحوالات خارج الرقابة تؤدي إلى هذا النوع من الشبهات”، وتحقيقًا لما وصفه أبو الفخر بـ”الردع العام، والردع الخاص” جرى التشديد على قانون “الرقابة”.

خلال الندوة نفسها، تحدث قاضي التحقيق المالي الأول في دمشق، فؤاد سكر، عن أن أهم التعديلات التي حملها المرسومان، هي إلغاء العمل بالمرسومين التشريعيين “53” و”54″، إذ حدد العقوبات بشكل تدريجي بناءً على حجم تداول العملة الأجنبية.

وفي تفاصيل التعديلات جاءت مجموعة من البنود لتحديد عقوبات متداولي العملات والقطع الأجنبية على الشكل التالي:

  • يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا لم يبلغ مجموع التعامل أو العرض عشرة آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة.
  • تكون العقوبة السجن المؤقت إذا بلغ التعامل أو العرض عشرة آلاف دولار أمريكي ولم يتجاوز 50 ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة.
  • تكون العقوبة السجن المؤقت سبع سنوات على الأقل إذا تجاوز التعامل أو العرض خمسين ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة.
  • يحكم في جميع الحالات المنصوص عليها في البنود (1-2-3) الفقرة نفسها بغرامة تعادل ضعفي قيمة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المسددة محل الجرم أو السلع والمنتجات والخدمات المعروضة.
  • يعد مصرف سوريا المركزي مدعيًا شخصيًا في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة، ويترك تقدير التعويض المدني للمحكمة.

ووصف القاضي فؤاد سكر التعديلات الجديدة بأنها حملت “معيارًا تصنيفيًا” لجرم التعامل بالعملات الأجنبية، بناءً على حجم التعامل نفسه.

ونص المرسوم التشريعي رقم “5” على أنه في حال قيام المدعى عليه بإجراء “تسوية” أمام القضاء قبل صدور حكم قضائي مبرم في الجرائم المنصوص عليها، تسقط الدعوى العامة بحقه ويعفى من التعويض المدني.

‌وتجري “التسوية” أمام المرجع القضائي الناظر في الدعوى، ويحدد مبلغ “التسوية” بقرار من المرجع نفسه بما يساوي قيمة المدفوعات والمبالغ المتعامل بها المضبوطة عينًا، والمدونة في القيود الورقية والإلكترونية، وفي الأسناد والأوراق التي تحمل قيمًا مالية، أو قيم السلع والمنتجات والخدمات والتعاملات التجارية المعروضة بغير الليرة السورية، ويعد ما ضُبط عينًا جزءًا من قيمة “التسوية”، وتؤول المبالغ والمضبوطات الناجمة عن “التسوية” إلى الخزينة العامة للدولة.

هل يترك أثرًا؟

انعكست رؤية حكومة النظام السوري، ولو جزئيًا، بما تريده من مرسومي الأسد، إذ تحاول وضع حركة القطع الأجنبي في سوريا تحت الرقابة، بحسب ما جاء على لسان مدير الشؤون القانونية في مصرف سوريا المركزي، مجدي أبو الفخر.

لكن القانون لم يترك أثرًا واضحًا على سعر صرف العملة خلال السنوات الماضية، كما لم يفرض نفسه على الأسواق المحلية، إذ استمر التجار والمواطنون بالتعامل بالعملات الأجنبية نظرًا لتدهور سعر صرف الليرة السورية، وتذبذبه المستمر.

وبلغ سعر صرف الليرة السورية 14900 مقابل كل دولار أمريكي واحد، لحظة تحرير هذا التقرير، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد حركة العملات الأجنبية.

الباحث المساعد بمركز “جسور للدراسات” عبد العظيم المغربل، لم يتوقع أن تترك التغييرات أثرًا فعليًا، فيما يتعلق بضبط أسعار العملة المحلية، إذ يرى أن الإجراءات غير كافية لوقف التدهور المستمر لليرة السورية كون السياسات المالية والنقدية غير فعالة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.

وأضاف أن التعاملات بالعملات الأجنبية في السوق السوداء مستمرة حتى من قبل النظام السوري نفسه.

المغربل أشار إلى أن هذه القرارات قد تشجع بعض التجار على التوجه نحو السوق السوداء، بعد نقل صلاحية “التسوية” من الأفرع الأمنية إلى القضاء، وسقوط الدعوة العامة بحق المتعامل، والإعفاء من التعويض المدني في حال تمت “التسوية” قبل صدور حكم قضائي.

قانون لضبط الحيازة

في حزيران 2023، أصدر مصرف سوريا المركزي قرارًا لضبط حيازة العملات الأجنبية للمقيمين في سوريا، وإدخال وإخراج الليرة السورية والعملات الأجنبية للقادمين والمغادرين.

ووفق القرار الصادر عن مجلس النقد والتسليف في المصرف، يسمح بحيازة جميع وسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية والبطاقات المصرفية مهما بلغت قيمتها، شرط التعامل بها عبر المصارف ومؤسسات الصرافة العاملة في سوريا، وجميع الجهات المرخص لها بالتعامل بالقطع الأجنبي.

سمح القرار لأي قادم إلى سوريا باستثناء العابرين في مناطق الترانزيت في المطارات والموانئ بإدخال مبالغ بالليرة السورية مهما بلغت قيمتها، شرط التصريح عنها لدى الأمانة الجمركية السورية.

وسمح للمغادر السوري ومن في حكمه، ولغير السوري المقيم، بإخراج مبلغ لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية فقط، بينما لا يتجاوز هذا المبلغ خمسين ألف ليرة سورية للمغادرين من العرب أو الأجانب غير المقيمين.

أوضح المصرف المركزي ضمن القرار، أن المبالغ الزائدة عن تلك المحددة المسموح بإدخالها وإخراجها من العملات الأجنبية تعامل معاملة الشحن، وتخضع للقرارات الصادرة عنه.

وأشار إلى أن الأمانات الجمركية في مراكز الحدود والمطارات والموانئ ستلتزم بتنظيم ضبط بالمبالغ الزائدة عن الحدود المسموح بإدخالها وإخراجها سواء بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية.

وتوعد المصرف بتطبيق العقوبات المنصوص عنها بالأنظمة والقوانين النافذة ذات الصلة، دون ذكرها، في حال ارتكاب أي مخالفة لأحكام هذا القرار.

وخلال العامين الماضيين، تباينت السياسات التي تتبعها حكومة النظام السوري بالتعامل مع العملات الأجنبية، بين تسهيلات للتجار والصناعيين لشرائها، ودعوات إلى المواطنين للحصول عليها عبر المنافذ الرسمية لتفادي المزوّر منها، وطلبات بوقف شراء الدولار لدعم الليرة، في ظل تجريم ذلك التعامل وتجريم الحديث عنه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة