بعد استهداف قوات النظام للمدارس في الشمال السوري 

أهالٍ يفضلون التعليم عن بعد حرصًا على حياة أبنائهم

قوات النظام السوري تستهدف مدرسة "مصيبين 2 النموذجية" للتعليم الأساسي في قرية مصيبين جنوبي إدلب – 18 من كانون الثاني 2024 (الدفاع المدني السوري)

camera iconقوات النظام السوري تستهدف مدرسة "مصيبين 2 النموذجية" للتعليم الأساسي في قرية مصيبين جنوبي إدلب – 18 من كانون الثاني 2024 (الدفاع المدني السوري)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رزام السوادي

لم يسلم قطاع التعليم شمال غربي سوريا، مؤخرًا، وعلى مدار عام 2023، من حمم وقذائف قوات النظام السوري وحلفائها، التي طالت البنى التحتية والكوادر من معلمين وطلاب، خصوصًا في المناطق القريبة من خطوط التماس.

وبدا القصف على المؤسسات التعليمية ممنهجًا، مع ازدياد وتيرته، خصوصًا خلال الدوام المدرسي، تاركًا خلفه ضحايا من الطلبة والمعلمين، إذ استهدفت أربع مدارس منذ بداية العام الحالي، و30 مدرسة خلال عام 2023.

استهداف متكرر يعطّل العملية التعليمية، ويدفع الأهالي للامتناع عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، خوفًا عليهم من القصف، في حين لا يزال معلمون رغم الظروف الصعبة مستمرين بالعمل، مع غياب الأفق لحلول تضمن استمرار التعليم.

المدارس هدف

صباح 21 من كانون الأول 2023، تلقت مدرسة “شهداء آفس” خبر وفاة المعلمة رانيا المحيميد، متأثرة بإصابتها جراء القصف المدفعي الذي استهدف المدرسة في بلدة آفس شرقي إدلب.

قضت رانيا 19 يومًا تحت العناية الطبية قبل وفاتها، ونعاها “معلمو الشمال السوري”، ومدرسة “شهداء آفس”، على “فيس بوك”.

تأثر المعلم إياد أحمد زريق، مدرس للصف الثالث في مدرسة “شهداء آفس”، بمقتل المعلمة رانيا، وكان مشهد الأقلام المغطاة بدمائها لا ينسى، بحسب ما وصفه لعنب بلدي.

وقال إياد، إن رؤية السبورة المكتوب عليها اسم المدرسة مملوءة بشظايا القصف من المواقف الخالدة في ذاكرته بعد استهداف المدرسة.

ويشكّل القصف تهديدًا لحياة المعلمين، فوق الظروف الصعبة التي يواجهونها، من تدني الرواتب والتأخر بتسليمها، والعمل الإضافي الذي يمارسه أغلبهم.

وحسب إياد، فإن ما يدفع المعلمين للاستمرار، حرصهم على تأدية مهنة التعليم بكل أمانة، كونها مهنة إنسانية بالدرجة الأولى.

وقال، “كلنا مشروع شهداء، وهذا ما يزيدنا إصرارًا على متابعة التعليم، لأن إرهابهم لن يصمت أقلامنا، ولا ينبغي أن نترك أطفالنا دون تعليم ونحن أبناء ثورة عمرها 13 عامًا”.

وأضاف أن المعلمين والطلبة يخافون خلال القصف، ولكن يجب أن يكون المعلم أكثر قوة وصلابة، وعليه نزع الخوف، كونه الحلقة الأقوى في المدرسة.

وتزداد مهام المعلمين وسط القصف، فيظهر الدور التربوي والتوجيهي ليشغل حيزًا مهمًا من دور المعلم نحو الطلاب.

بدوره، قال مدير مدرسة “الأبزمو” بريف حلب الغربي، عبد اللطيف درو، لعنب بلدي، إن على المعلم أن يتحلى بالصبر لاتخاذ الإجراءات اللازمة من تطبيق خطة الإخلاء وتوزيع الأدوار والمهام.

وبعد القصف، تأتي مهام أخرى لتهدئة الطلاب وطمأنتهم، وتقديم جلسات دعم نفسي لتحسين حالتهم النفسية.

لا طلبة في الصفوف

بسبب المواقف “الرهيبة” التي تعرضنا لها، من الطبيعي أن يقل عدد الطلبة، كانت إجابة إياد زريق بعد سؤاله عن تأثير القصف على حضور الطلاب.

وتشهد المدارس الواقعة بالمناطق القريبة من خطوط التماس من سرمين، وآفس، والنيرب شرقي إدلب، ودارة عزة والأتارب بريف حلب الغربي، تعليقًا للدوام بشكل متكرر.

ويمتنع الأهالي عن إرسال أطفالهم إلى المدارس بعد تكرار القصف من قبل قوات النظام، ووقوع ضحايا من الطلاب والمعلمين.

هبة المحمد (24 عامًا)، معلمة لغة إنجليزية بإحدى مدارس سرمين، قالت لعنب بلدي، إن المدرسة تعاني تراجعًا ملحوظًا في عدد الطلاب، وصارت المعلمة مطالبة بتكرار شرح الدروس لمرات عدة، وتسجيل الدروس لإرسالها لأهالي الطلاب الغائبين عبر “واتساب”، موضحة أن عدد طلاب الصف لا يتجاوز الثمانية بينما هو بالأصل يفوق الـ20 طالبًا.

وأضافت هبة أنه لا يمكن لوم الأهالي لعدم إرسال أطفالهم، كون القصف المتكرر على المدارس خلق حالة من الذعر الشديد.

محمد مسحر، مشرف في مدرسة “بدر حاج عثمان” بسرمين قال لعنب بلدي، إن الوضع الأمني في المدينة يؤثر على أعداد الطلاب، ويسهم في تراجع تركيزهم مع خوفهم المستمر من القصف.

وأضاف أنه منذ بداية العام تقريبًا، لم يصل عدد الطلاب في المدرسة إلى النصاب المسجل فيها، وهناك دائمًا غيابات متكررة، ولا يمكن اتخاذ أي إجراءات بحق الطلاب الغائبين.

وتابع المشرف أن ساعات الدوام دائمًا منقوصة، لا سيما أن مسؤولية صرف الطلاب أو تعليق دوامهم تقع على عاتق مشرفي المدرسة، لذلك يختارون إرسالهم إلى المنازل باكرًا، ومع أول تحذير من قبل مجموعات مراصد القصف.

التعليم عن بعد

نتيجة حملة قصف استهدفت السوق الرئيس في سرمين منذ أسبوعين، أعطت مديرية التربية والتعليم في إدلب موافقة لمناطق سرمين والنيرب وآفس لتطبيق التعليم عن بعد، وتعليق الدوام لمدة أسبوع واحد فقط، بحسب ما صرح به مدير التربية والتعليم، أحمد الحسن، لعنب بلدي.

وقال الحسن، إن قرار العطل المؤقتة كان أنجع الحلول للحفاظ على الطلاب والكوادر، وسيجري تعويض الفارق العلمي في نهاية العام الدراسي.

وأوضح أنه ضمن الإمكانيات المتاحة، تسعى مديرية التعليم للحفاظ على ربط الطالب بالمدرسة، وهو الهدف الأساسي، كون التعليم عن بعد يحقق فائدة علمية دُنيا.

ولا توجد خطة لتحويل الدوام عن بعد بشكل كامل، وإنما جاء القرار كاستجابة طارئة استثنائية في حالة التصعيد على تلك المناطق.

ترجيح الإغلاق

في تصويت أجراه ناشطون في سرمين عبر مجموعة “واتساب” تضم أكثر من 300 شخص من أهالي المدينة، صوّت أغلب المشاركين لمصلحة إغلاق المدارس وجعل التعليم عن بعد.

يرى محمد قدحنون (38 عامًا)، من أهالي مدينة سرمين، أن إغلاق المدارس في المدينة لهذا العام هو الحل الوحيد، مع تكرار تعمد قوات النظام القصف على محيط المدارس وفي أوقات انصراف الطلاب.

وأوضح محمد أنه امتنع عن إرسال ولديه إلى المدرسة منذ حوالي شهر، وتعكف والدتهما على تعليمها عبر التواصل مع المدرسين بالمدرسة، لافتًا إلى أن قضية التعليم عن بعد لم تعد قابلة للنقاش، بل هي أمر واقع لسلامة الأطفال والمعلمين.

ويرى محمد أن المنزل مكان غير مستهدف بشكل مباشر كما المدارس، وفي حال تعرض للقصف فرب الأسرة قد أخذ بالأسباب، بعكس إرسال الأطفال إلى المدارس وانتشارهم في الطرقات.

ولا تخفي السيدة فاطمة عبد الرحمن، والدة لإحدى الطالبات بالصف الرابع في مدرسة سرمين، تأييدها للتعليم عن بعد، ولكن توضح أنه أثر سلبًا على مستوى ابنتها، بسبب عدم توفر خدمة الإنترنت بشكل جيد، واعتماد المعلمين برامج غير مخصصة للتعليم عن بعد، كتطبيق “واتساب”.

وأوضحت أن الدرس يكون عبارة عن صوتيات وصور، لا يجري تحميلها أو الاستماع إليها من قبل الطالب في بعض الأحيان.

وقالت فاطمة، إنها في كل مرة ترسل طفلتها إلى المدرسة وتسمع صوت القصف، تنتابها حالة من الذعر، سببت لها مرض ضغط الدم وتشنجات عصبية.

وأضافت أن عائلتها مضطرة للبقاء في المدينة، لأن الوضع المادي لا يسمح بالنزوح إلى منطقة أخرى.

ولم تعتمد مديرية التربية مع تكرار القصف على مدينة سرمين والبلدات المجاورة قرار العطل الجزئية وتعليق الدوام، وخولت مشرفي المدارس اتخاذ هذه القرارات، كونهم أكثر اطلاعًا على أوضاع الطلاب والمعلمين.

قطاع يعاني

يعاني قطاع التعليم في إدلب على مستوى البنية التحتية والخدمات المقدمة للطلاب ومستوى رواتب المعلمين، الذين يطالبون عبر وقفات احتجاجية متكررة بزيادة رواتبهم، في وقت لا يهدأ فيه القصف رغم وجود اتفاقيات لوقف إطلاق النار.

في تشرين الثاني 2023، قال مدير التربية والتعليم في مدينة إدلب، أحمد الحسن، لعنب بلدي، إن مدارس المنطقة تشهد نقصًا بالكتب المدرسية، وإن 500 ألف طالب يحتاجون إلى الكتب.

وأرجع الحسن أسباب النقص إلى انتهاء مذكرات التفاهم مع جهات مانحة لتقديم الكتب في السنوات السابقة، إذ انتهت أواخر عام 2022.

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الطلاب الفعلي في مدارس إدلب وأريافها، إذ تأثرت مدارس بالقصف من قوات النظام وروسيا على المنطقة والتصعيد الذي شنته خاصة خلال تشرين الأول 2023.

وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أن التصعيد العسكري في مناطق شمال غربي سوريا أثّر بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم لـ2.2 مليون طفل في سن المدرسة.

وأضاف أن 2.2 مليون طفل في سن المدرسة يقيمون شمال غربي سوريا، منهم مليون واحد على الأقل خارج المدرسة، لافتًا إلى أن الوضع مأساوي بشكل خاص في مخيمات النزوح.

في 5 من آذار 2020، وقع الرئيس التركي مع نظيره الروسي اتفاق “موسكو”، وجاء في بنوده إعلان وقف إطلاق النار اعتبارًا من 6 من الشهر نفسه على طول خط المواجهة بين النظام السوري والمعارضة.

سبق هذا اتفاق آخر وقعته روسيا وتركيا ضمن اتفاقية “أستانة” عام 2017، لـ”خفض التصعيد”، تبعته اتفاقية “سوتشي” في أيلول 2018، ونصت على وقف إطلاق النار في محيط إدلب، لكن النظام وروسيا ينتهكان هذه الاتفاقيات باستمرار.


شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب شمس الدين مطعون




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة