حول قضية المنتمين لـ”لواء التوحيد”

tag icon ع ع ع

غزوان قرنفل

أثار إعلان محكمة العدل الاتحادية الألمانية عن توجيه اتهامات ضد ثلاثة سوريين بوصفهم أعضاء سابقين في “لواء التوحيد”، الذي تم توصيفه كمنظمة “إرهابية أجنبية” رغم عدم إدراجه ضمن قوائم الكيانات الإرهابية من قبل السلطات الألمانية حتى الآن على الأقل، انقسامًا بين السوريين ممن يعتقدون أن محاكمة هؤلاء لا تقوم على سند قانوني، وأنها تمثل خطرًا محيقًا بكثير من اللاجئين السوريين في أوروبا عمومًا، وألمانيا على وجه الخصوص، ممن كانوا منخرطين في الصراع العسكري ضد النظام السوري، إذ يعتقد هؤلاء أن تلك المحاكمة ستفتح الباب عريضًا لإعادة التدقيق في ملفاتهم، ما سيجعلهم عرضة للمساءلة لمجرد أنهم كانوا معارضين للنظام، بينما يعتقد كثير من الحقوقيين أن تلك المخاوف لا أساس لها، وأن هذا التفسير فيه كثير من الشطط، خصوصًا أن المحاكمات التي تجري في المحاكم الأوروبية وفق مبدأ الولاية القضائية العالمية تتم فقط بحق من ارتكبوا جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وسواء أكانوا من ضمن بنية النظام أو من المنتمين للكيانات العسكرية المعارضة.

يمكننا الجزم مبدئيًا بأن كل شخص لم يرتكب جرائم أو انتهاكات، ولم يكن منتميًا لكيانات أو مجموعات عسكرية أو سياسية مصنفة على أنها منظمات إرهابية، ولم يكن أيضًا ضمن كيان تحالف أو نسّق مع أو قاتل إلى جانب تلك المنظمات أو روج لها ولخطابها، فهو حتمًا بمنأى عن سياق المساءلة وليس عليه أن يشعر بالقلق، لا سيما أن كل المتهمين في تلك المحاكمات يواجهون محاكمات تتسم بأعلى معايير المحاكمات العادلة، وهذا ما أثبتته وقائع المحاكمات المنجزة، أو تلك التي لا تزال قيد النظر أمام القضاء.

يمكننا القول أيضًا إن الأحكام المتسرعة والقلق المبالغ فيه من قبل بعض السوريين المقيمين في أوروبا، بشأن تلك الاتهامات الأخيرة تحديدًا، مرده باعتقادي إلى عدم فهم الأسباب القانونية الموجبة لها، والتي أسس عليها الادعاء الألماني دعواه تجاه السوريين الثلاثة، بوصفهم أعضاء في “لواء التوحيد”.

إن القراءة القانونية الصرفة لمسألة توجيه الاتهام لهؤلاء يقودنا إلى أن ذلك لم يتم لكونهم معارضين للنظام السوري، فهناك آلاف المعارضين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي لم يتعرضوا لمثل هذا الاتهام، بل إن هؤلاء الشبان وجهت لهم التهمة لكون أحدهم تولى مهمات قتالية ضمن “لواء التوحيد”، الذي كان على علاقة تحالف وتنسيق مع “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، وهما تنظيمان مصنفان كجماعات “إرهابية”، بينما نشط المتهمان الآخران في المجال الإعلامي، إذ كانا يروجان وينتجان مواد مرئية ومكتوبة لأغراض دعائية لهذه الكيانات، وبالتالي ووفق القانون الجنائي الألماني فإن وجود روابط بين أي شخص أو كيان غير متهم أو موصوم بالإرهاب مع منظمة مدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية يجعل من صفة الأخير تمتد لتشمل الأول، وعلى هذا الأساس تم توجيه تلك الاتهامات.

إن المسار القضائي بالاستناد إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تتبناه وتنص عليه قوانين عديد من الدول الأوروبية، للمساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات المروعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي لجأت إليه المنظمات الحقوقية السورية بدعم من مؤسسات حقوقية أوروبية، يشكل ملاذًا مهمًا للناجين ولذوي ضحايا تلك الجرائم والانتهاكات، بعدما أغلقت جميع السبل لإحالة ملف تلك الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، وإجهاض أي مسعى بهذا الاتجاه بسبب تعنت روسيا واستخدامها حق “الفيتو” في مجلس الأمن 16 مرة حماية للنظام السوري. وبالتالي فعلينا كحقوقيين وكرجال قانون وكضحايا أن ندعم هذا المسعى، وألا نضع العراقيل أمامه أو نشكك فيه لمجرد أن الاتهام هذه المرة كان لأشخاص محسوبين على الطرف المعارض، رغم أننا لطالما صفقنا لنفس تلك المؤسسات القضائية وما اتخذته من إجراءات بحق متهمين ينتمون إلى النظام أو محسوبين عليه. وليس صحيحًا ما يعتقده بعضهم أو يروجون له من أن هذا الاتهام سيشرع الأبواب لمحاكمة كل من هو منتمٍ للقوى أو التيارات المناهضة للنظام السوري، بل سيطول فقط من ارتكب جرائم وانتهاكات أو تحالف أو قدم دعمًا لمنظمات أو قوى مسلحة مصنفة كمنظمات “إرهابية”، بصرف النظر عما إذا كان منتميًا أو محسوبًا على النظام أو على القوى المعارضة.

لقد خسرنا كمعارضين معظم معاركنا في صراعنا مع سلطة الاستبداد، خسرنا في الصراع العسكري، كما خسرنا في معركة الإعلام والعلاقات العامة بنفس القدر الذي خسرنا فيه بإدارة الصراع السياسي، بسبب تهافت المعارضة وارتهانها وشعبويتها، فحري بنا إذًا ألا نخسر المعركة القانونية، فهي الوحيدة التي تمكنا فيها من تحقيق بعض المكاسب والانتصارات، ويتعين علينا تاليًا العمل على تكثيف جهود أكبر لتوسيع نطاق المساءلة، لتشمل كل من يستبيح حياة وحقوق السوريين من أولئك المحسوبين على ميليشيات “قسد” أو ميليشيات “الجيش الوطني” أيضًا، فكل القوى صارت تتشابه بالإجرام وتتشبه بفظاعات النظام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة