رأس العين تميل إلى الحكم العشائري في فض النزاعات

عقد صلح عشائري بين عشيرة الشيخ عيسى والقرعان برأس العين – 5 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي)

camera iconعقد صلح عشائري بين عشيرة الشيخ عيسى والقرعان برأس العين – 5 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رأس العين

يلجأ سكان مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة إلى مرجعياتهم من القبائل والعشائر لحل الخلافات والمشكلات التي تنشأ بينهم، بدل اللجوء إلى المحاكم في المدينة التي تضم نحو 115 ألف نسمة.

يرى بعض السكان أن هذه الظاهرة إيجابية، لأنها تسهم في حل المشكلات بشكل سلمي، وتجنب اللجوء إلى العنف، وتخفف الاحتقان المجتمعي، بينما يرى آخرون أنها ظاهرة تحمل آثارًا سلبية، أبرزها ضياع بعض الحقوق، وضغط العشيرة على الشخص.

العشيرة بديل للقضاء

تحمل رأس العين طابعًا عشائريًا مثل معظم مناطق الجزيرة السورية، وتقع على الحدود التركية، حيث يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي، وتتبع إداريًا لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، وتحيط بها جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتُعتبر الحدود التركية نقطة الوصول الوحيدة لها إلى العالم الخارجي.

وتتعدد أسباب الخلافات، بينما زادت جرائم الاحتيال في رأس العين بنسبة 60% خلال الأشهر الستة الأخيرة من عام 2023 عن الأشهر الستة التي سبقتها، وفق تقرير سابق أعدّته عنب بلدي، ما رفع مستويات التوتر بين عائلات وعشائر في مدينة رأس العين، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى حد التهديد والوعيد.

وبدعوى تجنب أي اصطدام عشائري، قرر قسم من المتورطين بخلافات من هذا النوع مغادرة مدينة رأس العين، بينما اضطر القسم الآخر إلى التخلي عن جميع أملاكه فيها بما في ذلك الأراضي والمنازل، لتسديد التزامات لأحد أفراد عائلاتهم أمام أشخاص آخرين عبر عمليات احتيال مشابهة.

معمر اليوسف، وهو طرف بخلاف على عقار مع عمه في رأس العين، قال لعنب بلدي، إن الخلاف بدأ منذ أكثر من 30 عامًا، على أرض زراعية مساحتها 25 دونمًا.

وأضاف أن الخلاف استمر أكثر من 20 جلسة قضائية في المحكمة دون التوصل إلى حل، ما دفعه للجوء إلى قانون العشائر، موضحًا أنه توصل إلى اتفاق بأقل من شهر بعد لجوئه للحل العشائري، يقضي بتنازل عمه عن 25 دونمًا لمصلحته.

وذكر معمر أنه لجأ إلى القانون العشائري نتيجة ضعف القانون المدني، وعدم القدرة على تطبيقه، إلى جانب المكانة الاجتماعية والعشائرية لوجهاء العشيرة، وتأثيرهم على الطرف المتنازل.

ولجأ مازن السيد، أحد سكان مدينة رأس العين، إلى العشائر لحل خلافه مع جاره، وهو خلاف على حدود منزليهما، وأوضح أن الخلاف بدأ عندما ادعى جاره أن الحدود بين منزليهما غير دقيقة، وأضاف أنه حاول حل الخلاف معه بشكل ودي، إلا أنه رفض ذلك، وهدده باللجوء إلى السلاح.

في هذه الحالة، لم يكن أمام مازن سوى اللجوء إلى العشائر، باعتباره الخيار الأكثر “تجاوبًا وسرعة” في إيجاد الحلول مقارنة بالمحاكم.

وذكر مازن في حديثه لعنب بلدي أن جلسة الصلح التي عقدت بينه وبين جاره حضرها شيوخ العشائر ووجهاؤها، وبعد جلسة نقاش طويلة توصلوا إلى حل عادل يرضي الطرفين، وهو أن يتم رسم حدود المنزلين بشكل جديد بينهما.

مجتمع عشائري لا يخلو من السلبيات

عضو اللجنة الشرعية في مكتب الصلح بين العشائر والقبائل في رأس العين، عبد الله السالم، قال لعنب بلدي، إن اللجوء إلى القبائل والعشائر في حل النزاعات هو أمر شائع في المنطقة لعدة أسباب، أهمها أن مجتمع المنطقة ذو طابع عشائري، لذلك تُحال الخلافات إلى العشائر عادة.

وأضاف أن سكان المنطقة غالبًا ما يكونون من المسلمين، وبالتالي فهم يؤمنون بالحكم الشرعي أكثر من الحكم الوضعي الذي وضعه البشر، لافتًا إلى أن صلح العشائر يتميز بسرعة إنجازه، حيث لا يتجاوز الجلستين، بينما قد يستغرق الحكم في المحاكم العادية أشهرًا أو سنوات.

وتحدث السالم عن وجود فكرة سائدة في المجتمع، هي أن المحاكم ليست محل ثقة وهي مكان للرشوة، وهذا يدفع السكان إلى اللجوء إلى العشائر والقبائل لفض نزاعاتهم.

من جانبه، أوضح المحامي أحمد العلي من رأس العين، أن حل المشكلات بين السكان عن طريق القبائل والعشائر يُعد تقليدًا اجتماعيًا قديمًا، لكنه يحمل في طياته عديدًا من المساوئ، أهمها ضياع بعض الحقوق، وعدم ضمان تطبيق القانون المدني بشكل عادل.

وأوضح العلي أنه في بعض الأحيان قد يتم حل المشكلة بطريقة تضر بأحد الأطراف، أو قد يتم التغاضي عن بعض الحقوق، بسبب سيطرة القبائل والعشائر على المجتمع، ونفوذها الكبير على القضاء.

عجز القانون

تواصلت عنب بلدي مع المكتب القانوني في المجلس المحلي برأس العين، للاستفسار عن انتشار ظاهرة الحكم العشائري، وجاء الرد بأن إقبال السكان على النظام العشائري أو القبائلي في المدينة ومنطقة الجزيرة بشكل عام ليس جديدًا بل يعود إلى عقود، وأن سبب هذا الإقبال هو غياب النُظم والدولة، وفراغ السلطة القادرة على تطبيق القانون.

وأشار رد المكتب إلى أن الإقبال زاد بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، لاستمرار ظروف التوترات السياسية والعسكرية، وأن سكان منطقة الجزيرة يلجؤون إلى شيوخ العشائر والقبائل لحل خلافاتهم، لأنهم يعتقدون أن النظام العشائري قادر على توفير حل عادل وسريع للنزاعات، كما أنه يستند إلى العادات والتقاليد التي يحترمها المجتمع.

المكتب القانوني اعتبر أن النظام العشائري له مزايا إيجابية وسلبية، فمن ناحية يُسهم في حل النزاعات بسرعة وبشكل سلمي، كما أنه يستند إلى العادات والتقاليد التي يحترمها المجتمع، ومن ناحية أخرى، فإنه قد يكون وسيلة للضغط الاجتماعي، إذ قد يتم إجبار أحد الأطراف على التنازل عن حقه تحت التهديد بالطرد من العشيرة، أو قطع العلاقات معه أو نفيه من العشيرة.

يصل عدد السكان في رأس العين إلى نحو 115 ألف شخص، عدد المهجرين منهم 6500 شخص، وفق إحصائيات حصلت عليها عنب بلدي من “مركز الخدمات الاجتماعية”، ويعمل غالبية السكان بالزراعة وتربية الماشية أو بأعمال يومية، وبأجر لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية يوميًا (نحو دولارين أمريكيين).




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة