متطوعات سوريات غيّرن نظرة المجتمع السلبية إلى دور المرأة

متطوعات في "الدفاع المدني السوري" عائدين من الاستجابة لحريق بريف إدلب - 21 من كانون الأول 2023 (الخوذ البيضاء)

camera iconمتطوعات في "الدفاع المدني السوري" عائدين من الاستجابة لحريق بريف إدلب - 21 من كانون الأول 2023 (الخوذ البيضاء)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريم حمود

وسط احتياج أكثر من 15 مليون شخص للخدمات الصحية في سوريا، يواجه القطاع الطبي في شمال غربي سوريا أزمات عديدة أثر عليها انخفاض الدعم الإنساني وتفشي الأمراض، خصوصًا بعد الزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية وجنوبي تركيا، في شباط 2023، رغم الوضع المتوتر سابقًا بفعل الحرب.

الاحتياجات المرتفعة للخدمات الصحية أدت إلى توجيه منظمة الصحة العالمية نداء طارئًا حول الوضع الصحي في سوريا لعام 2024، فبلغت متطلبات التمويل للعمليات في سوريا بالكامل أكثر من 79 مليون دولار أمريكي، بينما تحتاج المنظمة إلى 53 مليونًا و428 ألف دولار لعمليات الطوارئ.

في ظل هذه الاحتياجات والأرقام الصادرة عن منظمات دولية، تعمل متطوعات سوريات في منظمات مجتمع مدني بالقطاع الطبي في شمال غربي سوريا، بخطوة منهن للإسهام بتغطية الحاجة والنقص وتلبية الأهالي في المنطقة.

ولم يكن التطوع ضمن القطاع الطبي على وجه الخصوص متاحًا ومقبولًا بشكل كامل من المجتمع، إذ واجهت بعض المتطوعات مواقف كانت “مزعجة” من أشخاص حولهم، في حين لقيت أخريات قبول ودعم المحيط عبر التحفيز للاستمرار بتقديم المساعدة.

رغبة المتطوعات السوريات في شمال غربي سوريا بتلبية نداء المستغيثين كانت أقوى من بعض المواقف المعارضة، ولم تكن دوافع اختيار القطاع الطبي مختلفة لدى ثلاث متطوعات تحدثت معهن عنب بلدي خلال إعداد التقرير، رغم اختلاف المهمات ومنظمات المجتمع المدني التي يعملن فيها، بينما جمعهن هدف إنقاذ الأرواح، وفق قولهن.

كتلة مشاعر متحركة

المشاعر والأحاسيس عند تلبية نداء الاستغاثة أو رؤية حالات بحاجة للمساعدة الطبية تلعب دورًا مهمًا بالتأثير على المتطوعات، لكنها ليست مبررًا لضعف المتطوع إن كان ذكرًا أو أنثى، أو التخفيف من سرعة استجابته للحدث، بل يجب أن تزيد من عزيمته، بحسب ما قالته خديجة خطيب، المتطوعة في قسم الإسعافات الأولية ضمن فريق “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، لعنب بلدي.

خديجة خطيب، تنحدر من مدينة معرة النعمان بريف إدلب، أوضحت لعنب بلدي أنها أتمت ست سنوات من العمل ضمن فريق “الدفاع المدني”، ولم تشعر يومًا بالانكسار والضعف من هول ما ترى من مشاهد، بل على عكس ذلك، فهي تستغلها لتجد سببًا آخر يؤكد صحة اختيارها هذا الطريق الذي لا عودة منه.

في غالبية عمليات الإسعاف الأولي التي تعمل عليها المتطوعة خديجة وتنجح، تتلقى من بعدها دعوات من المريض أو نظرات فرح تعبر عن فرحة النجاة من الموت، تنعكس نتائجها على المتطوعة بطريقة إيجابية، ما يعزز إحساسها بالدور والإسهام في إنقاذ الأرواح.
تستمد خديجة، خريجة معهد تخدير، قوتها من مساعدة الأطفال والكبار في العمر خلال عمليات الإنقاذ بعد قصف قوات النظام السوري وحليفه الروسي مناطق في شمال غربي سوريا، عبر إجراء أحاديث تخفف عنهم هول المشهد ولحظات الرعب والألم التي عاشوها.

عاطفة الأمومة تؤثر على عزيمة المتطوعة خديجة خطيب، البالغة من العمر 24 عامًا، وتعد دافعًا لاستمرار التطوع بالقطاع الطبي، مشيرة إلى أن أمنيتها ببقاء ابنتها بخير تشعر به تجاه بقية الأطفال، وفق ما قالته المتطوعة خديجة لعنب بلدي.

في نقطة “الخوذ البيضاء” بمنطقة الكفير غرب بابسقا، تساعد المتطوعات مع خديجة أهالي المخيمات لتغطية احتياجاتهم الطبية، إذ تقع وسط مخيمات تضم مئات المدنيين المحتاجين للمساعدة الطبية، وفق ما تحدثت به خديجة.

سوريا الخالد، المنحدرة من معرة النعمان، خضعت لدورات تدريبية عدة قبل أعوام، ومنها دورة تمريض مدتها ثلاثة أشهر في معهد “بصمات” عام 2015، ودافعها الأساسي للتطوع في القطاع الطبي هو تقديم المساعدة، وإن كانت بسيطة، للنازحين.

وعن شغفها بمهنتها، قالت لعنب بلدي، إن دخولها مجال التطوع والتخصص بالقسم الطبي كان سببه وفاة والدها عام 2018 إثر الإصابة بشظية صاروخ، ليتوفى أمام أعينها دون أن تتمكن من إنقاذه، لتقطع وعدًا أن تكون “سندًا” للمرضى، لعدم تكرار ما حصل لوالدها.

تُقيم سوريا في مخيمات حربنوش منذ عام 2017 مع طفلتها البالغة من العمر 11 عامًا، وانضمت لفريق “اليمامة التطوعي” عام 2023 في القطاع الطبي ومتابعة الحالات بعد جمع التبرعات، دون حصول المتطوعة على أي مبالغ تعويضية، لغياب الدعم المالي للفريق، وفق ما تحدثت به سوريا.

استكمال للأحلام

انضمام النساء المتطوعات للمجالات الإسعافية والقبالة والتمريض، أسهم في نجاح عديد من المنشآت الطبية، إذ أثبتن وجودهن في هذا المجال، وغيره من المجالات الإغاثية والتعليمية والتربوية التي تكمل بعضها، بحسب المتطوعات.

ومن النجاحات التي حققتها المتطوعات في منظمات المجتمع المدني بشمال غربي سوريا، تصنيف المتطوعة أمينة البش، بحسب قائمة صادرة عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، كواحدة من 100 امرأة ملهمة حول العالم لعام 2023.

قررت أمينة، عام 2017، أن تصبح واحدة من أوائل المتطوعات في “الدفاع المدني السوري”، الذي يعرف أيضًا باسم “الخوذ البيضاء”، في سبيل إنقاذ الأرواح وتقديم المساعدة للمدنيين الذين يتعرضون للإصابة.

رؤى كناوي، قالت لعنب بلدي، مبرزة دور المرأة في المجال الطبي الذي يواجه تحديات كبيرة بفعل الحرب في شمال غربي سوريا، إن للمرأة دورًا لا يمكن تجاهله أو نكرانه، بقدرتها على سد الفراغ في تغطية الحاجة للكوادر الطبية في منطقة تملؤها المخيمات والأمراض.

لم تكن حاجة رؤى كناوي (30 عامًا) إلى العمل وحدها ما دفعها لقضاء مناوبات تستمر لأربعة أيام أحيانًا، إذ تعتني بالمرضى والنساء المقبلات على الولادة، بعد تطوعها كممرضة مخاض نسائي وإسعاف في مستشفى خاص بالحوامل والتوليد تابع لمنظمة “بنفسج” في مدينة اعزاز، بل كان حبها لمهنة التمريض ويقينها بأهمية المهنة الدافع الأهم والأقوى بالنسبة لها.

تنحدر رؤى من ريف اعزاز شمالي محافظة حلب، وتخرجت في جامعة “حلب” من فرع دبلوم تقاني في العلوم الطبية عام 2019، بعد انقطاع عن الدراسة استمر سبعة أعوام، بهدف زيادة خبراتها والحصول على شهادة تقوي من خلالها خبرتها بالمجال الطبي، الذي مارسته ضمن فرق شبابية تطوعية ظهرت بالأعوام الأولى من أحداث الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011، وفق ما قالته لعنب بلدي.

النتائج “تغير” الأفكار

بناء على شهادات المتطوعات في القطاع الطبي، فإن الدور الذي تقدمه النساء في شمال غربي سوريا أسهم في تغيير الصورة النمطية عن المرأة ودورها لدى الأهالي.

ومنذ بداية الاحتجاجات في سوريا، أُسست عديد من الفرق التطوعية من قبل شباب وشابات اندفعوا للتطوع في مجال العمل الإنساني.

وبحسب المتطوعات، فإن مواجهة أفكار المجتمع “السلبية” ومحاولة تجاوزها لم تأتِ إلا عبر النتائج المحققة على أرض الواقع، والاقتناع بدور المرأة الفعال ضمن هذه المنظمات.

ولم تكن دوافع إصرار المتطوعات الثلاث على الاستمرار في القطاع الطبي والمجال الإنساني مختلفة، وكانت الرغبة بالمساعدة أقوى من جميع التحديات، ومن نظرة المجتمع “المحافظ” التي تغيرت مع مرور الوقت.

سوريا الخالد أشارت في حديثها لعنب بلدي إلى أن رفض المجتمع المحيط لعملها وتوجيه الأحاديث “المبهمة” من ذكور وإناث كان أكثر انتشارًا في الفترات الأولى، إلا أنها اليوم تُطلب من أهالي المخيم الذي تقيم فيه، لحقن الإبر والمساعدة بتغيير الضمادات، وغيرها من الأمور التخصصية في المجال الطبي، ولا يقتصر عملها في المجال الطبي، بل تساعد العائلات في كل ما أمكن لدعم سكان المخيمات والأماكن القريبة من منطقة عملها.

بداية عمل المتطوعة خديجة خطيب مع “الخوذ البيضاء” لاقت انتقادات واسعة من المحيط، وسط توقعات بعدم قدرة النساء على العمل ضمن منظمات المجتمع المدني، في ظل القصف وعمليات الإنقاذ والإسعافات الأولية التي تعمل فيها الشابة خديجة.

النظرة المجتمعية لم تؤثر في رغبة خديجة بمتابعة نشاطها لسببين، الأول عدم التخلي عن مبادئها التي بدأت من أجلها، والثاني تفكيرها المطول بأن المجتمع الذي يرفض عمل المرأة يفضّل ذهاب الزوجة أو الابنة إلى طبيبة.

وختمت خديجة أن من كان يرفض وجود متطوعات نساء في المستشفيات والمستوصفات الطبية وغيرها، بات يمتدح دورها ويدعمها، مشيرة إلى أن الوصول لهذه النتيجة لم تكن سهلة، ولكن الاستمرار والإصرار أعطى نتائجه الإيجابية في النهاية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة