متخصصون يفسرون

رغم قيمتها الصفرية.. النظام يحافظ على فئات نقدية صغيرة

عملات ورقية سورية - 28 شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

camera iconعملات ورقية سورية - 28 شباط 2024 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام السوادي

لا تزال إمكانية تداول العملات النقدية ذات الفئة الصغيرة أو الإصدار القديم في التعاملات قائمة في مناطق سيطرة النظام، بعد طرح أوراق نقدية جديدة وأخرى ذات فئة كبيرة (2000 و5000 ليرة سورية).

وفي حين لا تقبل معظم المصارف وشركات الاتصال وحتى متاجر البقالة والسيارات التعامل بالفئات الصغيرة، معدنية أو ورقية، انتشرت شائعات حول سحب بعض الفئات من التداول، وهو ما نفاه مصرف سوريا المركزي، منوهًا إلى إمكانية استخدام جميع الفئات النقدية في التعاملات، وتقديم شكوى في حال عدم قبول أي فئة نقدية.

لا يمكن تداولها

على الرغم من نفي المصرف المركزي لسحبها، غير أن دوائر الدولة لم تعد تتعامل مع الفئات الصغيرة، مثل المئة والمئتي ليرة، في المعاملات والطوابع وغيرها.

وترفض المصارف الخاصة قبول عملات قديمة أو أقل من 2000 ليرة، وبعضها لا يقبل سوى فئة الـ5000، وفي حال قبولها تحصل على عمولة لقاء الإيداعات.

موظف في مصرف “بيمو” الخاص، تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن المصارف لا تقبل بالفئات الصغيرة.

وتنطبق الحال على آلات الدفع المتنقلة لشركات الاتصال، والتي يدفع السوريون عبرها الفواتير، بعد التوجه الحكومي للدفع الإلكتروني، الذي بدأ تطبيقه بداية العام الحالي، إذ لا تتعامل تلك الآلات مع الفئات الصغيرة من العملة.

المحاضر في العلوم المالية والمصرفية منهل العثمان، قال لعنب بلدي، إن رفض المصارف ومحال الصرافة في سوريا العملات ذات الفئة الصغيرة يعود إلى تكلفة تخزينها.

وأوضح أن تكلفة تخزين فئة العملات ذات القوة الشرائية المنخفضة أعلى من قيمتها، ما يجعلها غير مجدية للمصارف ومعرضة للتلف والضياع.

ويوجد في مناطق سيطرة النظام إصداران بشكلين مختلفين، لفئة الـ100 والـ500 ليرة سورية.

وبعد طباعة العملات ذات الإصدار الأحدث، وإصدار عملتي الـ2000 والـ5000 من الفئة الكبيرة، في عامي 2017 و2021، لم يلغِ النظام التداول بالعملات القديمة، ما نتج عنه زيادة في الكتلة النقدية، دون انخفاض في سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

ووصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء إلى 14500 للمبيع و14300 للشراء، حسب موقع “الليرة اليوم“.

ما الكتلة النقدية

يقصد بالكتلة النقدية (money in circulation- money supply) مجموع الأوراق النقدية المصدرة والنقود المعدنية الموجودة خارج الخزينة والمصارف، والودائع تحت الطلب لدى المصرف المركزي والمصارف المتخصصة.

وبإضافة الودائع لأجل وودائع التوفير والودائع بالقطع الأجنبي والصناديق المختلفة في الأسواق النقدية، يتكون ما يسمى بالعرض النقدي.

والوديعة لأجل هي وديعة في مؤسسة مالية ذات تاريخ استحقاق محدد بفترة زمنية، وتختلف عن الودائع تحت الطلب، مثل حسابات التوفير التي يمكن سحبها في أي وقت، دون إشعار أو عقوبة.

ويشار إلى مفهوم الكتلة النقدية في مصطلحات صندوق النقد الدولي بـ”M1″، بينما يشار إلى المفهوم الأوسع للعرض النقدي بـ”M2″.

وتوجد علاقة وثيقة بين مقاييس العرض النقدي والمتغيرات الاقتصادية المهمة، مثل الناتج المحلي الإجمالي ومستوى الأسعار، إذ يحدد العرض النقدي مسار الاقتصاد على المدى القريب، ويحدد مستوى الأسعار والتضخم مسار الاقتصاد على المدى البعيد.

وبلغت كتلة الـ”M1″، في كانون الأول 2011، تريليونًا و69 مليارًا و826 مليون ليرة سورية، بينما كتلة الـ”M2″ بلغت تريليونًا و906 مليارات و372 مليون ليرة سورية، حسب المسح النقدي للمكتب المركزي للإحصاء.

وتعد هذه أحدث إحصائية رسمية أعلن عنها مصرف سوريا المركزي.

المسح النقدي لعام 2010-2011 (مصرف سوريا المركزي)

المسح النقدي لعام 2010-2011 (مصرف سوريا المركزي)

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، يقدر الكتلة المطبوعة فقط بين 2012 و2023 بحدود 17 مليار دولار أمريكي، نظرًا إلى الكميات المطروحة في كل عام.

وقال شعار لعنب بلدي، إنه وفقًا لهذه الأرقام، فإن ثلث تمويل حكومة النظام يعتمد على طباعة النقد، وتشكل الضرائب ومواد أخرى بقية النسبة.

النظام يستمر بالطباعة

أصدر مصرف سوريا المركزي عملات نقدية ورقية أكبر، على مرحلتين، الأولى الـ2000 ليرة، التي بدأت طباعتها في 2015، وتم وضعها في التداول بالنصف الثاني من عام 2017، والثانية هي فئة الـ5000، التي بدأ تداولها مع باقي الفئات النقدية المتداولة في كانون الثاني 2021.

وفي كانون الأول 2018، طرح “المركزي” قطعة نقدية معدنية من فئة 50 ليرة سورية.

وبرر المركزي طباعة فئات نقدية أكبر، بتسهيل المعاملات النقدية وتخفيض تكاليفها ومساهمتها بمواجهة آثار التضخم خلال السنوات الماضية، والتخفيف من كثافة التعامل بالأوراق النقدية بسبب ارتفاع الأسعار، والتخلص التدريجي من الأوراق النقدية التالفة.

ويدفع ازدياد الكتلة النقدية المستهلكين إلى شراء المزيد من السلع والخدمات، وبالتالي رفع النشاط الاقتصادي في البلاد، إذا كانت هذه السلع والخدمات متوفرة ويمكن إنتاجها في الأمد القصير.

وفي حال كانت كمية هذه السلع والخدمات محدودة كما في سوريا، فإن زيادة حجم الكتلة النقدية، مع القوة الشرائية، يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

مركز “دراسات قاسيون” اعتبر أن الأموال التي موّل بها مصرف سوريا المركزي حاجات الحكومة في 2015، هي أموال مطبوعة، وتعتبر كتلة مضافة إلى كتلة السيولة الموجودة بالليرة السورية.

وبحسب المركز، فإن الكتلة النقدية بالليرة السورية الموجودة في بداية عام 2015، كانت 5900 مليار ليرة تقريبًا، وتشكل الزيادة نسبة 8.3% عن عام 2014.

وفي نهاية 2016، تضاعفت كتلة النقود ثلاثة أضعاف كتلة النقود الموجودة في 2010، أي ازدادت كتلة الليرات المتداولة في السوق بنسبة تفوق 280%.

ومع ازدياد حجم الكتلة، شهد إجمالي النشاط الإنتاجي المحلي تراجعًا حتى نهاية 2016، بمقدار يفوق 60%، حسب “قاسيون“.

يرى شعار أن سياسة طباعة العملات النقدية، التي يتبعها النظام، هي السبب الأساسي، بجانب عوامل أخرى، للتضخم “المهول” في سوريا، وارتفاع سعر الصرف.

ويبلغ معدل التضخم السنوي لسوريا 105% سنويًا، بحسب تقرير “مؤشر هانكي” للتضخم، في 22 من شباط 2024.

ولطباعة فئات نقدية أكبر دون استبدالها بالفئات الأصغر “أثر سلبي”، لأن العملة الرديئة دائمًا ما تطرد الجيدة، والأمر نفسه في حال العملات الكبيرة والأصغر، إذ يتداول الأشخاص بالعملات الصغيرة لتصريفها، ويحتفظون بالعملات من الفئة الكبيرة.

وسيستمر التخلص من العملات الصغيرة عبر التداول، دون وجود قرار يلغي استخدامها، حسب شعار.

دوافع سياسية واقتصادية

يطلق الاقتصاديون عادة على العملات الصغيرة اسم “العملات المساعدة”، كونها تسهم بتسهيل عملية التداول في الأسواق، لكن عندما تساوى قيمتها مع الصفر، تصبح قيمة العملة المعدنية كمعدن أعلى من قيمتها الشرائية، وفق العثمان.

إلا أن إلغاء التداول لا يتم بشكل فوري، بسبب الضرر الذي يلحق بمدخرات الناس وفقدان ثرواتهم، بل تدريجيًا عبر الإيداع المصرفي، حتى امتصاص الكتلة النقدية لهذه الفئات من السوق، وإتلافها بمحاضر رسمية.

وفي حال سوريا، فإن هذه العملية “صعبة”، بسبب تشتت مناطق النفوذ التي تتداول بالعملة السورية، إضافة إلى عدم كفاءة الجهاز المصرفي، لذلك يلجأ النظام لـ”الحل السهل”، وهو انتظار تلفها للتخلص منها.

ويعتقد العثمان أن هناك بعدًا سياسيًا دعائيًا يستخدمه النظام لنفي فرضية “انهيار العملة السورية”، ويعطي انطباعًا أنها ما زالت محتفظة بقوتها الشرائية.

في حين يرى شعار أنه على الرغم من أن الاحتفاظ بالفئات الصغيرة يعتبر “سياسة خاطئة”، لما يخلفه من مشكلات اقتصادية ومشكلات ثقة بين الأطراف المتداولة بين بعضها، فإن الأمر ليس من أولويات النظام، الذي لا يملك حاليًا تكلفة إلغائها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة