هل تتجه “مخدرات الأسد” إلى الشمال بدل الجنوب

عناصر من الشرطة العسكرية في الجيش الوطني بعد ضبط كمية من المخدرات شمال عربي سوريا- 24 من آذار 2024 (وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة)

camera iconعناصر من الشرطة العسكرية في الجيش الوطني بعد ضبط كمية من المخدرات شمال عربي سوريا- 24 من آذار 2024 (وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة)

tag icon ع ع ع

صدرت إعلانات متكررة من جانب “الحكومة السورية المؤقتة” عن ضبط شحنات مخدرات في مناطق سيطرتها بأجزاء من شمالي سوريا، كانت معدة للتهريب نحو تركيا، وهو ما تكرر لثلاث مرات خلال آذار الحالي.

أحدث هذه الإعلانات نشرته “المؤقتة”، في 24 من آذار، وقالت إنها ألقت القبض على أحد كبار تجار المخدرات، وبحوزته 500 ألف حبة “كبتاجون” و220 كف حشيش مخدر، قادمة من مناطق سيطرة النظام وكانت مجهزة لتهريبها إلى تركيا، وذلك في مدينة رأس العين غربي محافظة الحسكة.

إعلانات “المؤقتة” تزامنت مع أخرى نشرتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) كانت الأرقام فيها أكبر بكثير، إذ قالت إنها داهمت مستودعًا للمواد المخدرة في مدينة منبج، تمكنت خلالها من ضبط كميات من المخدرات، واتضح لاحقًا أنها قادمة من مدينة طرطوس الساحلية حيث يسيطر النظام السوري.

وأضافت عبر موقعها الرسمي، في 4 من آذار، أن قواتها داهمت مستودعًا قرب “سوق الهال” بمدينة منبج، ضبطت فيه 20 مليون حبة “كبتاجون كانت موضوعة ضمن أحجار المنصّفات الطرقية بطريقة وصفتها بـ”احترافية عالية جدًا”.

وبينما يشير الطرفان إلى النظام السوري كمسؤول عن دخول هذه المخدرات إلى مناطق سيطرتها، لم تتوقف عمليات تهريب “الكبتاجون” جنوبًا نحو الأردن ودول الخليج منذ سنوات، ويتهم النظام من قبل أطراف دولية بالوقوف خلفها.

المخدرات سلاح النظام

طوال السنوات الماضية، توالت تقارير لجهات متخصصة وتحقيقات صحفية تستند إلى أدلة تثبت ضلوع عائلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومقربين من نظامه بشكل خاص، في شبكات لتصنيع المخدرات والتجارة بتصديرها من سوريا إلى دول أخرى.

أبرزها كان تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 5 من كانون الأول 2021، أثبت أن “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر لبشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع “الكبتاجون” وتصديرها، فضلًا عن تزعّم التجارة بها من قبل رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وجماعة “حزب الله”، وأعضاء آخرين من عائلة الأسد.

سبق ذلك في نيسان 2021، أوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، أن سوريا صارت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.

وفي عام 2020 وحده، بلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاجون”، أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي، بحسب الدراسة.

وعلى الجهة المقابلة، نفى مدير مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التابعة للنظام السوري، حسام عازر، التقارير الصحفية والدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث متخصصة، التي أكّدت أن “سوريا تحولت إلى دولة مخدرات”، معتبرًا أنها تنقل “معلومات خاطئة ومُضللة”.

وأضاف عازر، خلال لقاء له مع موقع “المشهد أون لاين” المحلي، في 11 من كانون الثاني 2022، أن هذه التقارير “تختلق الأرقام” التي تذكرها حول تجارة وإنتاج المخدرات في سوريا، إذ تعتمد على “مصادر مفتوحة وغير موجودة في سوريا”، معتبرًا أن أي أحد من العاملين في مجال المكافحة العملياتية للمخدرات يستطيع “كشف زيف هذه الأرقام”.

وحققت تجارة وتهريب المخدرات بالنسبة للنظام السوري، بعيدًا عن الجدوى الاقتصادية، مكاسب سياسية تبلورت ملامحها مطلع 2023، عندما أُعيد النظام إلى مقعده في جامعة الدول العربية وفق مبادرة طرحتها الأردن لقاء مجموعة من الشروط على رأسها إيقاف تهريب “الكبتاجون” نحو الأردن ودول الخليج العربي.

تغيير في الاستراتيجية؟

ارتفاع وتيرة تهريب المخدرات في الشمال السوري أثارت التساؤل عما إذا كانت الحدود الشمالية مع تركيا ستشهد مستقبلًا سيناريو مشابه لما يحدث على الحدود الأردنية جنوبي سوريا، لكن خبراء وباحثين قللوا من أهمية ارتفاع الوتيرة.

الخبير التركي في السياسات الخارجية والأمنية عمر أوزكيزيلجيك، قال لعنب بلدي إن النظام السوري بدأ منذ فترة طويلة جهود تهريب “الكبتاجون” إلى تركيا، لكن قدرته كانت محدودة للغاية ولا تزال حتى اليوم.

وأضاف أن السيناريو الشبيه بالأردن غير مرجح على الحدود مع تركيا، إذ يشكل الوجود العسكري التركي عبر الحدود، و”التحالف” مع “الحكومة المؤقتة” و”الجيش الوطني السوري”، آليات لمنع حدوث نفس السيناريو.

ويرى الخبير أن الاستراتيجية التركية في سوريا تهدف لحماية الحدود التركية من الإرهاب والهجرة بالدرجة الأولى”، لكن مع ذلك، تخدم هذه الاستراتيجية أيضًا أمن الحدود على نطاق واسع، مثل منع تهريب المخدرات.

من جانبه يرى مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، أن تهريب المخدرات من سوريا نحو تركيا ليس الهدف منه استهداف السوق التركية المحلية، وإنما هي نقطة عبور باتجاه دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، والإمارات، والكويت.

وأضاف أن تهريب المخدرات عبر تركيا نحو دول الخليج ذو شعبية منذ نحو عامين، لكن هذه الشعبية لن تتزايد كونه طريق مكلف اقتصاديًا، بالنسبة للنظام السوري، على اعتباره أطول من حيث المسافة، ويمر بعدة مناطق سيطرة.

وأشار إلى أن خط تهريب المخدرات عبر العراق نحو الدول العربية هو الأجدى في عمليات التصدير، وسيكون الأكثر شعبية خلال السنوات المقبلة، خصوصًا أن هذه التجارة نشطة عبره أكثر من الحدود السورية الجنوبية.

ليست جديدة

عمليات تهريب المخدرات من سوريا نحو تركيا ليست جديدة، إذ سبق وضبطت السلطات التركية في نيسان 2022، 403 كيلوغرامات من “كبتاجون” بشاحنتين، في أثناء دخولهما من معبر “باب الهوى” (Cilvegözü) على الحدود السورية- التركية.

وبلغت الكمية التي ضبطتها فرق الجمارك التركية، مليونين و422 ألفًا و110 حبات “كبتاجون” بوزن إجمالي 403 كيلوغرامات، واعتقل ثمانية أشخاص من بينهم سائقو الشاحنتين. 

كما ضبطت في الشهر نفسه، كمية من المواد المخدرة مع شخصين في أثناء دخولهما الأراضي التركية من سوريا، وكمية أخرى من خلال البحث على حدود ولاية فان.

ويعتقد الباحث في الشأن السياسي بمركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن النظام السوري اعتاد على “دخل أسود” عبر تجارة المخدرات نحو دول الجوار، وهو ما يشكل دافعًا لتوسيع نطاق عمليات تهريب المخدرات نحو جيرانه، وبدا ذلك واضحًا خلال السنوات الماضية.

ونوّه الباحث إلى أن النظام السوري لا يعتبر مركز هذه التجارة وحده، إنما يعتمد قرار توسيع تصدير المخدرات على “حزب الله” اللبناني، و”الفرقة الرابعة” و”الحرس الثوري الإيراني”.

ويرى الدكتور في علم الاقتصاد كرم شعار، أن تصدير وصناعة المخدرات يتصدر في سوريا على أنه من إنتاج النظام السوري بالمقام الأول، لكن “هناك مايكفي من الأدلة” على وجود إنتاج للمخدرات ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني” المتحالف مع تركيا.

ومن بين المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، قال شعار إن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، و”هيئة تحرير الشام” هما الوحيدتان في سوريا التي لا يوجد فيها أدلة على إنتاج المخدرات.

النظام يتعلم الدروس الخاطئة

في الوقت الذي استفاد فيه النظام من عمليات تجارة وصناعة المخدرات في إعادة تعويمه سياسيًا وإعادة علاقاته مع دول عربية، يرى الخبير التركي عمر أوزكيزيلجيك أن النظام يستخدم التهريب كسلاح وكدخل مالي أساسي، إذ تحول النظام منذ فترة طويلة إلى “أكبر مافيا مخدرات في العالم”.

وأضاف أن الأسد يطمح اليوم لتوسيع دخله من المخدرات قدر الإمكان.

ويرى أوزكيزيلجيك أن النظام تعلم من التطبيع العربي الدروس الخاطئة إذ يعتقد أنه يستطيع انتزاع مكاسب سياسية من خلال خلق المشاكل لجيرانه، وهو ما يحاول فعله مع تركيا، لكنه سيفشل على الأرجح بسبب ما أسماه “الدور الإيجابي للحكومة السورية المؤقتة”.

ويواصل النظام السوري الإعلان عن إحباط عمليات تهريب أو ضبط شبكات ومتورطين في عمليات تهريب المخدرات داخليًا، مع التركيز مؤخرًا في بعض العمليات الكبيرة على إشراك دول أخرى في القضية، وتقديم الأراضي السورية كممر عبور، ومستقبِل، لا مصدّر للمخدرات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة