يرفضه المصرف المركزي

حذف الأصفار من العملة السورية.. نتائج عكسية على اقتصاد منهار

فئات من العملة السورية- آذار 2022 (عنب بلدي)

camera iconفئات من العملة السورية- آذار 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

دفع تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية إلى البحث عن حلول اقتصادية للتخفيف من تأثير هذا التدهور، الذي تمثل بتصاعد معدلات التضخم، ومشكلة نقل الأموال التي يعاني منها المتعاملون بالليرة.

حكومة النظام السوري لم تتخذ إجراءات نقدية فعلية في هذا السياق، وسط مطالبات متكررة من قبل مسؤولين أو خبراء بضرورة تحركها تماشيًا مع متطلبات الأوضاع الاقتصادية الحالية.

ورغم اتفاق معظم الخبراء على ضرورة طرح ورقة نقدية أكبر من أعلى ورقة نقدية مطروحة حاليًا (5000 ليرة سورية)، يصر مصرف سوريا المركزي منذ سنوات على غياب الحاجة لذلك، مبررًا ذلك بأن إصدار ورقة أعلى مبنيّ على دراسة واقع الاقتصاد الوطني ومتطلباته من الجانب النقدي، وبما ينسجم مع نمو الإنتاج المحلي، وذلك من خلال متابعته للأسواق، وتأمين احتياجات التداول من فئات الأوراق النقدية جميعها.

وكخيار بديل، اقترح خبراء في أوقات متعددة سابقة حذف الأصفار من العملة، ليقابل هذا الاقتراح بالرفض أيضًا.

كما تداولت عدد من المواقع المحلية مؤخرًا اقتراب مصرف سوريا المركزي من طرح ما يسمى بـ”نيو ليرة”، وذلك بعد حذف الأصفار من العملة، الأمر الذي نفاه المصرف بحجة أن أرقام التضخم ليست بالمستوى “المرعب” الذي يتطلب هذا الإجراء.

تقليص كمية المال المتداول

خلال الفترة الماضية، اقترح الخبير الاقتصادي جورج خزام حذف صفر واحد من العملة، الأمر الذي لا يحتاج إلى سحب كل الأوراق النقدية القديمة المتداولة، وطباعة عملة جديدة، مشيرًا إلى أن التضخم لم يصل إلى مرحلة “التضخم الجامح” الأمر الذي يستدعي حذف ثلاثة أصفار أو أكثر حينها.

ونقل موقع “الاقتصاد اليوم” المحلي عن خزام قوله، إن حذف الأصفار من العملة ليس حلًا لأزمة التضخم النقدي، وإنما هو حل لتداول كميات كبيرة من النقود.

ولفت الخبير إلى أن تثبيت القوة الشرائية الجديدة لليرة بعد حذف صفر واحد من العملة، يحتاج إلى اتباع سياسة نقدية واقتصادية احترافية من خبراء باقتصاد السوق في المصرف المركزي، تهدف إلى زيادة الإنتاج وتخفيض البطالة وغيرها.

“المركزي”: لا حاجة

مصرف سوريا المركزي علق على اقتراح حذف الأصفار من العملة السورية بقوله، إن تعديل العملة وحذف الأصفار ليس إجراء بسيطًا، وإن هناك عدة دول لجأت لوسائل كهذه عندما عانت من تضخم جامح وطويل الأمد ومتضاعف، وبعضها نجح والآخر فشل، فعندما يتخذ إجراء حذف الأصفار دون دراسة تدخل الدولة بدوامة.

وقال مدير الخزينة في المصرف، إياد بلال، في تصريح صحفي، إن التضخم في سوريا ليس بالمستوى المرعب، ولا يستوجب حذف أصفار أو طرح فئات نقدية أعلى، معتبرًا أن أعلى فئة موجودة (5000 ليرة) كافية لإتمام الصفقات وإجراء التحويلات.

مؤشرات غير مناسبة

لا يعتبر إجراء حذف الأصفار من العملة عاملًا اقتصاديًا يؤثر على البنية الاقتصادية للبلد، إنما هو إجراء تتخذه السلطات النقدية لعدة أسباب، بحسب ما أوضحه الباحث الاقتصادي زكي محشي.

ويرى محشي أن الوقت غير مناسب حاليًا لحذف الأصفار، إذ يتطلب نجاح هذا الإجراء أن يتم في بيئة اقتصادية تتجه نحو النمو الاقتصادي، ونحو بطالة أقل، ونحو عملية إنتاجية أكثر كفاءة، وهي شروط اقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي غير موجودة في سوريا حاليًا.

لجأت العديد من الدول إلى إجراء حذف الأصفار، إذ نجح في بعضها وفشل في دول أخرى فشلًا واضحًا، وترك أثرًا كبيرًا على أرقام التضخم في تلك البلاد.

وفي سياق الأمثلة، شهدت تركيا عام 2005 عملية حذف للأصفار ناجحة جدًا، وذلك نتيجة إجراء هذه العملية في وقت كان يشهد فيه الاقتصاد التركي إقلاعًا في النمو الاقتصادي، وانخفاضًا في أعداد العاطلين عن العمل، وانخفاضًا في معدلات تضخم القيم الاسمية للسلع.

بينما لم تنجح عملية حذف الأصفار من العملة التي جرت عدة مرات في فنزويلا وزيمبابوي، في ظل غياب مؤشرات استقرار الاقتصاد الكلي لهذه الدول، وعادت معدلات التضخم لمستويات أعلى بكثير من المستويات التي سجلتها قبل إجراء حذف الأصفار.

مسببات التضخم.. لا حلول في الأفق

يمكن أن تكون سياسات حذف الأصفار مفيدة عندما تصاحبها سياسات أخرى داعمة للاقتصاد الوطني، ومن الواضح أن الأمر ليس كذلك، إذ يعد إجراء حذف الأصفار من العملة السورية إجراء معزولًا في حال اتخاذه، وليس جزءًا من سياسة اقتصادية جديدة، وفق ما يرى الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا في إيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” الدكتور جوزيف ضاهر.

وأوضح ضاهر أن إزالة الأصفار لن تحل المشكلات البنيوية للاقتصاد السوري، أبرزها الميزان التجاري السلبي الذي يفرض ضغوطًا كبيرة على الليرة السورية، أو تحسن وضع السوريين وقدرتهم الشرائية.

ترتبط معدلات التضخم المرتفعة بأسباب داخلية وخارجية، وفق الباحث، أبرزها الانخفاض الهائل لقيمة الليرة السورية، الذي يعكس من نواحٍ عديدة منها تدمير الاقتصاد السوري، إذ عانى قطاعا النفط والسياحة، وهما مصدران رئيسان للعملة الأجنبية قبل 2011، من دمار هائل، وكذلك توقفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد عام 2011، التي وصل مجمل حجمها إلى أكثر من 8 مليارات دولار بين عامي 2005 و2011، ما عزز انخفاض قيمة العملة السورية، كما أدى الدمار الهائل في قطاعي التصنيع والزراعة إلى انهيار الطاقة الإنتاجية المحلية وانخفاض حجم الصادرات.

وفي ظل هذه المعطيات، فقدت الدولة مصادر دخل كبيرة واضطرت إلى زيادة وارداتها لمواكبة الطلب المحلي، وأدت الحاجة المتزايدة لاستيراد المنتجات الأجنبية وانخفاض قيمة الليرة السورية إلى زيادة تكلفة السلع والخدمات في سوريا، كما بقي الميزان التجاري سلبيًا للغاية، وقد ترجم ذلك إلى ضغوط مستمرة لشراء العملات الأجنبية، خصوصًا في السوق السوداء، ما زاد من الضغوط الهبوطية على الليرة السورية، بالإضافة إلى ذلك، زادت العقوبات من تكلفة الاستيراد، لأن مجموعة كبيرة من الدول والشركات الخاصة لا تريد التجارة مع سوريا، وإذا فعلت ذلك، زادت تكاليفها لأن البلاد تعتبر في خطر، بحسب ضاهر.

وأشار الباحث إلى أن الأزمة المالية في لبنان، في تشرين الأول 2019، أثرت بشكل كبير، إذ شهدت سوريا طوال فترة الحرب هروبًا كبيرًا لرؤوس الأموال، ربما بمليارات الدولارات، إذ يصعب تحديد المبالغ خصوصًا أن رأس المال السوري موجود خارج النظام المصرفي الرسمي منذ ما قبل الحرب.

في هذا السياق، لعبت الأزمة اللبنانية دورًا في زيادة انخفاض قيمة الليرة السورية، لا سيما بعد أن فرضت البنوك اللبنانية قيودًا صارمة على الحصول على الدولار وسحبه، فمع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، اعتمد رجال الأعمال والتجار السوريون على لبنان ونظامه المصرفي لمتابعة أنشطتهم الاقتصادية، وخصوصًا التجارة والتهريب.

كما أدى دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ إلى توسيع عدم رغبة الدول في التعامل مع سوريا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي أدت العقوبات المعممة، بما في ذلك قانون “قيصر”، إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية.

وبحسب تقرير صادر في 10 من آب 2023، سجلت سوريا المرتبة الثالثة عالميًا بمستوى التضخم بنسبة 238% على أساس سنوي، بعد زيمبابوي وفنزويلا، وفق “لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي” في عديد من البلدان، دون الاعتماد على الإحصائيات الحكومية.

ووفق البيانات، كان آخر تحديث رسمي لمعدل التضخم بسوريا في أيلول 2019، وكان يبلغ حينها 34.50% على أساس سنوي.

إيجابي بشروط اقتصادية جيدة

تعد عملية حذف الأصفار من العملة إجراء إيجابيًا في حال كانت مؤشرات الاقتصاد الكلي مناسبة.

ومن أبرز إيجابيات هذا الإجراء إعادة العامل النفسي عند السوريين ممن يستخدمون هذه العملة، رغم أنه أثر شكلي فقط، قد يؤدي إلى إعادة الثقة بالعملة من جديد، وفق ما يرى الباحث زكي محشي.

كما تتعلق الإيجابيات الأخرى بعدة مواضيع تقنية تتعلق بتخفيف التعاملات النقدية، وتخفيف مشكلات الصرافات الآلية وغيرها.

ومنذ عام 2011، سجلت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي انخفاضًا كبيرًا، ما جعل من أكبر فئة نقدية سورية (خمسة آلاف ليرة سورية) في الأسواق اليوم تساوي أقل من نصف دولار واحد، بينما كانت قيمة أكبر فئة مطروحة مطلع 2011 (ألف ليرة سورية) تعادل نحو 20 دولارًا أمريكيًا.

ونتيجة لهذا الانخفاض الكبير من جهة، والقوانين التي تجرّم التعامل بالدولار من جهة ثانية، فضلًا عن غياب التعامل بالحسابات البنكية لعدة أسباب، يضطر السوريون اليوم إلى تداول فئات نقدية بحجم كبير من العملة السورية، لكن المبلغ قد يبدو عاديًا إذا ما قيس بالدولار.

اقرأ أيضًا: تُنقل بالشاحنات.. تعاملات الليرة تربك السوريين دون حلول




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة