المقداد ينسحب قبل كلمة فيدان.. رسائل لأنقرة وللعرب

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يلقي كلمة خلال اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة- 10 من أيلول 2024 (aydinlik)

camera iconوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يلقي كلمة خلال اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة- 10 من أيلول 2024 (aydinlik)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

انعقد، في 10 من أيلول الماضي، اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، بمشاركة تركية هي الأولى من نوعها منذ 13 عامًا، ومثّلها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان.

ومع بداية كلمة فيدان خلال الاجتماع، غادر وفد النظام السوري الذي رأسه وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، القاعة، في حركة أعادت الإشارة مجددًا إلى عدم تحقيق تقدم ملموس في مسار التقارب التركي مع النظام السوري.

مغادرة وفد النظام للقاعة جاءت بعد موافقته على مشاركة تركيا في الاجتماع، فقبل يوم من الاجتماع الوزاري الذي انعقد في العاصمة المصرية، القاهرة، وبالتزامن مع إعلان المشاركة التركية، نقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصدر له، أن سوريا (في إشارة إلى النظام السوري) وافقت على حضور فيدان.

من جانبه، علّق المقداد على هذه الحركة السياسية، في 12 من أيلول الحالي، حين أكد أنه لن يكون هناك أي تعامل مع الجانب التركي إلا بعد الاستجابة لمطالب النظام.

وفي معرض تعليقه على انسحاب وفد النظام مع بداية كلمة فيدان، أوضح المقداد أنه إذا أرادت تركيا أن تكون هناك خطوات جديدة في التعاون السوري- التركي، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها، فعليها أن “تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في شمالي سوريا وغربي العراق”.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، اعتبر مقاطعة المقداد لكلمة وزير الخارجية التركي خطوة سياسية استعراضية مصممة لإرسال رسالتين، الأولى إلى أنقرة، وتنص على أن دمشق مستعدة للشروع في مفاوضات التطبيع مع تركيا، لكنها ليست بصدد التخلي عن مطلب الانسحاب التركي من سوريا.

والرسالة الثانية وجهها المقداد للدول العربية، وتحمل في طياتها امتعاضًا من التقارب العربي مع تركيا، فالنظام كان يراهن على عدم تطبيع العرب مع تركيا قبل الانسحاب التركي من الشمال السوري، وفق ما أوضحه الباحث لعنب بلدي.

خلافًا لتصريحات لافروف

حديث المقداد عن مسألة الاستجابة للمطالب جاء مخالفًا لتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أعلن، نهاية آب الماضي، التحضير لاجتماع جديد لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام، مؤكدًا أنه سيعقد في وقت قريب.

وفي مقابلة مع قناة “RT” الروسية، قال لافروف، “بشق الأنفس تمكنا العام الماضي من عقد مباحثات حاولنا عبرها بحث شروط تسهم في الوصول إلى تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وكانت المباحثات مفيدة رغم أننا لم نتمكن من الاتفاق على المضي قدمًا”.

وبحسب الوزير الروسي، فالحكومة السورية (في إشارة إلى النظام) تعتقد أن الاستمرار في عملية التطبيع يتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سوريا، أما الأتراك فهم مستعدون لذلك، لكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن.

حديث لافروف الذي منح إشارات إلى حلحلة في المسار العالق عند نقطة انطلاقته الأولى في 28 من كانون الأول 2022، والثانية، في أيار الماضي، قابلته رسائل مضادة غير رسمية من قبل النظام السوري، حين أكدت مصادر سورية لقناة “الميادين“، في 4 من أيلول، غياب أي تطمينات أو ضمانات تركية بشأن إمكانية استعداد أنقرة لمناقشة سحب قواتها من شمالي سوريا.

كما أشارت المصادر إلى غياب أي مؤشر يستدعي عقد أي لقاء على مستوى وزراي أو رئاسي بين تركيا والنظام السوري في وقت قريب.

موقف النظام السوري من مسألة الانسحاب و”المرجعية” التي حددها الأسد لتطبيع العلاقات بدا بعيدًا بالتصريحات على الأقل عن خطاب أنقرة الذي لا يلتفت إلى حالة “الامتعاض” لدى النظام، إذ قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، نهاية آب الماضي، إن من مصلحة دمشق وأنقرة إنهاء الصراع وعودة العلاقات، مستبعدًا وجود مشكلات لا يمكن حلها.

ويرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن الخطوات الجديدة التي تتخذها بلاده مع مصر وسوريا تهدف إلى خلق تضامن ضد “التهديد المتزايد للتوسعية الإسرائيلية”.

وقال أردوغان، في 7 من أيلول، إن “إسرائيل لن تتوقف في غزة، وإذا استمرت على هذا المنوال بعد احتلال رام الله فسيكون الدور على الدول الأخرى في المنطقة، لبنان وسوريا، وسوق يستقرون فيها، ويوجهون أنظارهم إلى تركيا”.

وفي 10 من أيلول، وبعد حديث أردوغان عن تشكيل “تحالف إسلامي” ضد إسرائيل، أعرب وزير الخارجية السوري عن أمله في تحقيق ما قاله أردوغان عن تشكيل محور تضامني سوري- مصري- تركي، لمواجهة التهديدات، مشيرًا إلى أهمية تراجع الرئيس التركي عن سياسته المتبعة، لأن ذلك يصب في مصلحة الطرفين لتوحيد الجهود، وفق قوله.

رسائل متبادلة.. ما الجديد؟

لا يعتبر انسحاب وزير الخارجية السوري ومغادرته للقاعة بالتزامن مع كلمة فيدان حدثًا فريدًا في إطار الرسائل المتبادلة بين طرفي مسار التقارب، فبالتزامن مع كلمة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في القمة العربية الطارئة التي تحولت إلى قمة عربية إسلامية مشتركة، في 11 من تشرين الأول 2023، غادر أردوغان القاعة، ليتابع التمثيل التركي وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي نزع سماعات الترجمة، وانشغل بهاتفه المحمول، تعبيرًا عن عدم الاكتراث، لكن ما يبدو مختلفًا في المسار ككل وجاء على لسان المقداد تعقيبًا على الموقف، هو تطرق رسمي للنظام لمسألة الانسحاب التركي ليس من الشمال السوري فقط، بل ومن العراق أيضًا، رغم وجود تفاهمات تركية- عراقية بشأن التنسيق العسكري بين الطرفين.

في 22 من آب الماضي، نفت الرئاسة التركية صحة المزاعم التي تتحدث عن اتفاق بين بغداد وأنقرة لإنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية، وذلك بعد أنباء تحدثت عن أن الاتفاقية الأمنية الأخيرة المبرمة بين البلدين، تنص على إنهاء وجود القوات التركية في العراق، وفق ما نقلته وكالة” الأناضول” التركية.

وأكدت أنقرة أنه لم يرد مثل هذا البند في “مذكرة التفاهم بشأن التنسيق العسكري والأمني ​​ومكافحة الإرهاب” الموقعة بين تركيا والعراق في 15 من آب، مع الإشارة إلى أن البلدين سينشئان بموجب مذكرة التفاهم مركز تدريب وتعاون مشترك في بعشيقة (شمالي العراق)، “يتيح إمكانية القضاء على التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على سيادة البلدين وأمنهما والأمن الإقليمي”.

وتنص المذكرة أيضًا على انشاء مركز للتنسيق الأمني المشترك في بغداد، على أن يتولى إدارة المركز قائدان برتبة جنرال من تركيا والعراق، كما سيشمل الموظفين المدنيين، على أن يُحدَّد عدد ونوعية العاملين وأساليب العمل من خلال المشاورات الفنية.

الباحث محمود علوش لا يرى في حديث المقداد عن انسحاب تركي من الأراضي العربية، طرحًا جديدًا، فدمشق تحاول أن تضفي بعدًا عربيًا على مسألة التطبيع مع تركيا على أمل أن تنال دعم العالم العربي في هذا المسار.

وبحسب الباحث، فمطالب النظام من التطبيع لم تتغير، ورغم وجود هذه المطالب فهذا لا يعني أن دمشق غير مستعدة للشروع في التفاوض، كون رسائلها الأخيرة تشير إلى استعدادها الدخول في هذا المسار حتى قبل أن توافق تركيا على جدول زمني للانسحاب من سوريا.

وحاولت بغداد قبل أشهر القيام بوساطة بين أنقرة ودمشق، وصولًا إلى مساعي رئيس حكومتها، محمد شياع السوداني، استضافة اجتماعات بين مسؤولين من الطرفين في بغداد، وذلك بعدما كشف في 31 من أيار الماضي، عن دور عراقي مستقبلي لتحقيق “مصالحة” بين تركيا والنظام السوري، لكن الحديث عن دور عراقي انحسر تدريجيًا مع عودة الوساطة الروسية إلى الواجهة، ومساعي إيران للحضور مجددًا في المسار.

لقاء الأسد وأردوغان؟

بعد تقديم رئيس النظام السوري، خلال كلمته في مجلس الشعب قبل أسابيع، لما اعتبرها “مرجعية” لتطبيع العلاقات، تلقّفت وسائل الإعلام التركية حديث الأسد وقرأت فيه انفتاحًا على التقارب، وصولًا إلى التكهن بلقاء قريب يجمع أردوغان بالأسد.

الحديث عن اللقاء، وبعدما كان موضوع وسائل الإعلام التركية والروسية ومحطة في تصريحات السياسيين الأتراك خلال الفترة الماضية، انحسر حضوره العلني في الآونة الأخيرة، رغم بقاء مسألة التقارب حاضرة بالتصريحات والتلميحات المتبادلة.

الباحث محمود علوش لا يرى أن هناك تراجعًا في الحديث عن اللقاء، مقدار مراعاة الواقعية السياسية التي تبديها أنقرة في هذا الإطار، فلا يمكن تصور لقاء بين الطرفين دون وجود تفاهم بينهما على مبادئ التطبيع على الأقل، دون أن يعني ذلك استحالة حصول لقاء بين الطرفين مستقبلًا، فالتصريحات شيء والواقع شيء، وبين التصريحات والواقع هناك جهود ووساطات تقوم بها روسيا، مع انخراط دول عربية كمصر والإمارات في دبلوماسية القنوات الخلفية بين الطرفين، لتسهيل حصول لقاء أو تسهيل إطلاق المسار التفاوضي بين الطرفين.

“الأهم من اللقاء الاتفاق على مبادئ عملية التطبيع، فالاتفاق على المبادئ يعني استعداد الطرفين للانخراط في هذه العملية”، قال علوش.

بدأ مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري بشكل رسمي معلن في 28 من كانون الأول 2022، لاستعادة العلاقات السياسية بين الطرفين، إثر قطعها منذ 2011، على خلفية التعاطي الأمني للنظام السوري مع الثورة الشعبية عام 2011، ودعم تركيا للاحتجاجات ثم دعمها لفصائل المعارضة وانتشارها في الشمال السوري إلى جانب تشكيلات عسكرية مدعومة منها.

وبعد سلسلة لقاءات على مستوى وزار الخارجية ونواب وزراء الخارجية، ولقاء بحضور وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات لأطراف المسار الأربعة حينها (تركيا والنظام السوري وروسيا وإيران)، أعلنت موسكو،  في 29 من كانون الثاني الماضي، انهيار مسار التقارب بين الجانبين بشكل رسمي، إذ يتمسك طرفا العملية بحزمة شروط ينشد كل منهما تحقيقها من هذا التقارب.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة