معرض الفن التشكيلي للفنانة شهد الجندي في غاليري "زاوايا" بدمشق-17 حزيران 2025(عنب بلدي/كريستينا الشماس)
دعوة للاستثمار في القطاع
فنانون تشكيليون: لا صدام مع المرحلة بل قلق من فرض تغيير
عنب بلدي – كريستينا الشماس
يمر الفن التشكيلي في سوريا بمرحلة انتقالية، تعكس التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي والاجتماعي معًا.
وتعبر هذه المرحلة، وإن بدت واعدة للبعض، عن جملة من المخاوف لدى الفنانين والمعنيين بالمجال الثقافي بمن فيهم الفنانون التشكيليون، من احتمال تغيّر وجه المشهد الفني، أو طمس بعض ملامحه الراسخة.
وينتظر “التشكيل” في سوريا، كسائر الفنون، توضيح مستقبل هذا الفن وهوامش حرية التعبير للفنانين، وكيف سيكون دور الحكومة الحالية في تقديم الدعم للمجال الثقافي ككل، وهي تساؤلات ناقشتها عنب بلدي مع فنانين تشكيليين حول تطلعاتهم للمرحلة الانتقالية.
هامش الحريات
الفنانة التشكيلية شهد الجندي، أقامت لفترة في بريطانيا وقدمت هناك معارض مشتركة وفردية، وقدمت معرضها الفردي الأول في سوريا بعد سقوط النظام، تحدثت لعنب بلدي، عن مخاوفها قبل عودتها إلى دمشق، إذ كانت الجندي تخشى الاصطدام بواقع منغلق ثقافيًا وفنيًا، خاصة حول ما كانت تسمعه من تجارب سوريين عاشوا ظروفًا مماثلة.
وبعد عوتها، تعرفت الجندي إلى الواقع أكثر، واستطاعت رسم صورة مبدئية تأمل بها بواقع أكثر انفتاحًا، وهامش من الحرية يمكن البناء عليه.
تؤمن الجندي بأن هامش الحرية ضروري ولا يمكن التنازل عنه، لأن الفن التشكيلي بطبيعته يحتاج إلى فضاء مفتوح يعترف بالاختلاف ويحترم حرية التعبير.
“حرية الفنان يجب أن تُصان، كما يجب أن تُحترم حريات الآخرين، وهذا ما يجعل من الفن التشكيلي مساحة مشتركة للتعبير الفردي والجمعي في آن واحد”، قالت الجندي.
وأضافت أن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون فرصة لترسيخ هذا المفهوم، لا للعودة إلى القيود السابقة.
تخوف من تغيّر المشهد
مديرة غاليري “زوايا”، رولا سليمان، قالت لعنب بلدي، إنه منذ سقوط النظام السابق لم يحدث أي لقاء مع وزارة الثقافة للتعرف إلى تطلعات الفنانين التشكيليين وتوضيح خطوط المرحلة الانتقالية.
وأوضحت أن الخشية الكبرى تكمن في تغيّر الهوية البصرية والفكرية للفن التشكيلي السوري، فبحسب رأيها، فإن المشهد الفني في سوريا، رغم كل الضغوط السابقة، ظل محافظًا على جوهره، ويمثل تعبيرًا صادقًا عن الفنانين، لكن المرحلة الانتقالية قد تجبر بعضهم على تغيير أساليبهم تحت الضغط أو لتلبية تطلعات المؤسسات الجديدة.
وأضافت سليمان، “لا يمكننا أن نتوجه إلى الفنانين ونطلب منهم تغيير طريقة رسمهم أو التعبير عن فنهم، لأن أي محاولة لتوجيه الفن ستؤدي إلى إنتاج فن مزيف”.
شددت سليمان على ضرورة الحفاظ على استقلالية الفنان، معتبرة أن احترام جميع أشكال التعبير الفني هو أحد الشروط الأساسية لضمان تنوع الساحة التشكيلية.
وتابعت أن “الغاليري” الذي تديره، والذي توقف عن العمل في تموز عام 2024 نتيجة الضغوطات السابقة، قبل أن يُعاد افتتاحه بعد سقوط النظام، يحاول أن يحمل رسالة ثقافية واضحة وهي الدفاع عن الفن السوري كما هو، دون فرض وصاية على الشكل أو المضمون.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة الثقافة لتوضيح المشهد الثقافي الفني ومستقبل الفن التشكيلي، ولم تتلقَ الرد حتى تاريخ تحرير التقرير.
تحديات تسويقية
أشارت مديرة غاليري “زوايا”، رولا سليمان، إلى أن أكبر التحديات التي تواجه الفنان التشكيلي في سوريا اليوم تتعلق بالجانب الاقتصادي والتسويقي، فالفنان الذي لا يستطيع بيع لوحاته لا يمكنه الاستمرار، لأنه ببساطة لا يملك مصدر رزق بديلًا.
واعتبرت أن “رأس المال السوري” ما زال غير مدرك لقيمة اللوحة كاستثمار، بخلاف ما يحدث في لبنان أو الخليج، إذ يوجد مقتنون يعرفون كيف يقيّمون العمل الفني، ويستثمرون فيه كما يستثمرون في العقارات أو الذهب.
وتابعت، “نحتاج إلى بناء وعي بأن الفن ليس رفاهية، بل هو جزء من الاقتصاد، ويمكن أن يكون مصدر دخل واستثمار ناجح”.
ماذا يحتاج الفن التشكيلي للنهوض
من بين الحلول التي اقترحتها سليمان، تدخل الدولة والمؤسسات الرسمية لدعم اقتناء اللوحات الفنية، كما فعلت السعودية، إذ تم إصدار قرار يُلزم المؤسسات والبنوك باقتناء أعمال فنية لفنانين محليين، وفي حال طبق هذا القرار في سوريا سينعكس إيجابًا على الاقتصاد من جهة وعلى دعم الفنانين التشكيليين من جهة أخرى.
وتساءلت، “الفن السوري يُقدّر في الخارج، فلماذا لا نشهد هذا الدعم في الداخل؟”.
وأكدت سليمان أهمية وجود دور واضح للقطاع الخاص في دعم الفنانين، سواء من خلال الشراء المباشر أو الاستثمار في مشاريع ثقافية.
ودعت رجال الأعمال إلى النظر للفن على أنه قطاع منتج، وليس نشاطًا هامشيًا، لافتة إلى ضرورة استثمار المعارض فرصة الانفتاح على الخارج وبناء جسور وعلاقات جديدة مع مؤسسات فنية دولية، لأن العالم بدأ ينظر مجددًا إلى الفن السوري، وهناك اهتمام من السياح والمقتنين الدوليين.
حماية المشهد الثقافي
تؤمن مديرة غاليري “زوايا”، رولا سليمان، بأن على المعارض الموجودة في سوريا والبالغ عددها ما يقارب 13 معرضًا، تحمل مسؤولية أخلاقية وثقافية كبيرة، فهي ليست مجرد أماكن عرض، بل مؤسسات تحمي هوية الفن وتدافع عنه.
وختمت، “أنا أدافع عن الفن والثقافة لأنهما يعنيان كثيرًا، فإذا اختفيا، فالمجتمع يفقد جزءًا من روحه، وتفقد سوريا وجهها الحضاري”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :