تتعارض مع وحدة وسيادة الدولة

مفاوضات باريس تصطدم باشتراطات “قسد” ورفض دمشق

لقاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك - 25 تموز 2025 (سانا)

camera iconلقاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك - 25 تموز 2025 (سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد كاخي

أعادت المعركة التي بدأتها الحكومة السورية على الفصائل المحلية في السويداء التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على ضبط قواتها والمناطق التي تسيطر عليها، إذ ارتكبت قوات ترتدي زي وزارة الدفاع انتهاكات بحق مدنيين من محافظة السويداء، بحسب ما أعلنته الوزارة في بيان لها في فيسبوك.

وتوعدت بمحاسبة كل من شارك بالانتهاكات الأخيرة في محافظة السويداء. 

المتحدث الرسمي باسم “قسد”، أبجر داود، أعلن رفض “قسد” تسليم أسلحتها للدولة السورية، في ظل ارتفاع وتيرة أعمال العنف في محافظة السويداء جنوب البلاد، واستمرار تهديدات تنظيم “داعش”. 

بينما ذكرت الحكومة السورية أن “الحوار الوطني الحقيقي لا يكون تحت ضغط السلاح أو عبر استقواء بأي طرف خارجي”، وأنها لن تقبل بأي خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية.

أحداث السويداء.. خطوة إلى الخلف

مستشار الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد، قال في وقت سابق على حسابه في منصة إكس، إنه “على الحكومة الانتقالية أن تبادر لمراجعة شاملة لنهجها في التعامل مع الداخل السوري”، وتابع “لا يمكن فرض سيادة الدولة عبر أدوات القمع والترهيب، فجميع الأنظمة التي سلكت هذا الطريق سقطت بفعل إرادة شعوبها”.

يرى الباحث السياسي، لؤي صافي، أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك يخشى من أن يؤدي تمرد السويداء و”قسد” ورفضهما الانضواء الكامل تحت الدولة السورية إلى إضعاف حكومة دمشق، وتوسيع دائرة التمرد من قبل فصائل أخرى.

صافي، وفي حديثه لعنب بلدي، اعتبر أن ذلك يفسر رغبة براك في إقناع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، بالعمل مع حكومة دمشق، بعد أن وجه الهجري دعوة إلى قسد لفتح طرق برية مع محافظة السويداء.

ويرى صافي، أن أحداث السويداء تعطي الفصائل العسكرية المنضوية تحت مظلة “قسد” ذريعة جديدة للاحتفاظ بموقفها الحالي، وتعقد عملية توحيد الأرض السورية، ووضع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا تحت مظلة الدولة. 

والمشكلة في مطالب قسد، بحسب صافي، أنها تتجاوز مفهوم اللامركزية الإدارية (الفدرالية) إلى اللامركزية السياسية (الكونفدرالية)، وتساهم في إبقاء الدولة السورية ضعيفة أمام جهود إسرائيل لتقسيم سورية إلى دويلات يمكن التحكم بها من الخارج.

لا تنازلات من الطرفين

الحكومة السورية اعتبرت أية شروط تتضمن رفض تسليم سلاح “قسد” والتمسك بتشكيل كتلة عسكرية داخل الجيش السوري، أمرًا مرفوضًا، ويتناقض مع أسس الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، في آذار الماضي.

وبالنسبة لـ”قسد”، فإن تسليم السلاح أمر مرفوض، خصوصًا بعد أعمال العنف الأخيرة في السويداء، بحسب تصريح المتحدث الرسمي باسم “قسد”، أبجر داوود.
وكان الاتفاق الأول بين الحكومة السورية و”قسد” نص على أن تحتفظ “قسد” بخصوصيتها العسكرية بوصفها كتلة ضمن فيلق واحد، تتبعها فرق عسكرية عدة في الرقة ودير الزور والحسكة، على أن تبقى في مناطقها الجغرافية المنتشرة فيها حاليًا، بحسب ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادر كردية.

يعتقد الباحث السياسي، لؤي صافي، أن “قسد” في موقفها المعلن تريد أن تكون جزءًا من الدولة السورية، ولكنها تريد أن تحتفظ باستقلالية إدارية وعسكرية، كما أنها تريد الحفاظ على قدرتها في التحكم بالثروات الموجودة تحت سيطرة قواتها العسكرية. 

هذه الترتيبات شبيهة بتلك التي اعتمدها إقليم كردستان في شمال العراق، بحسب صافي، وهي ترتيبات تعطي استقلالًا سياسيًا واقتصاديًا لقسد عن الدولة، وتُصرّ “قسد” على أن الصيغة التي طرحتها هي الطريق الوحيد لضمان حقوق أبناء الجزيرة في ظل انتهاكات نظام الأسد لحقوق الأقليات غير العربية في الشمال السوري. 

ويرى الباحث في مركز عمران، أيمن الدسوقي، أن الحكومة السورية تميل للتركيز بدايةً على مسألة حل قوات “قسد” ودمجها كأفراد ضمن بنية الجيش السوري كجزء من تعزيز السيادة وضمان وحدة سورية واستقرارها.

بالمقابل، تميل “قسد” إلى تأجيل هذا الملف لنهاية المسار التفاوضي كنوع من الضمان لها، فضلًا عن محاججتها بأن هذا المسار هو الأكثر تعقيدًا ويتطلب فترة انتقالية لإتمامه، وأن الأجدى البدء بقضايا بناء الثقة في المحاور التفاوضية الأخرى، والحصول على ضمانات يعزز خطوتها لحل قواتها والاندماج بالجيش السوري.

واعتبر الدسوقي، في حديثه لعنب بلدي، أن “قسد” تحاول التأثير على الموقف الأمريكي عبر إبداء مرونة في المسارات التفاوضية الأخرى، وكسب وقت لتأجيل ملف الدمج للنهاية. 

 

تباين المواقف التفاوضية بخصوص عملية وتوقيت الدمج، وتفاوت البنى العسكرية والأمنية بين “الإدارة الذاتية” والحكومة السورية، يجعلان من مسألة حل قوات قسد ودمجها بالجيش السوري ملفًا صعبًا، يتطلب وقتًا لحلحلته. أيمن الدسوقي – باحث في مركز عمران

 

فراغ أمني ستتركه “قسد”

نفذ انتحاري هجومًا على كنيسة مار إلياس في حي القصاع بدمشق، في 22 من حزيران، خلال إقامة الصلوات التي تؤديها الديانة المسيحية أسبوعيًا، وبحضور نحو 200 شخص، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 27 شخصًا وإصابة 63 آخرين. 

وفي 20 من تموز، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، “إذا أرادت السلطات في دمشق الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وسلمية وخالية من ’داعش‘ والسيطرة الإيرانية، فعليها أن تستخدم قواتها الأمنية لمنع (داعش) والجهاديين العنيفين من دخول السويداء وارتكاب المجازر”.

يعتقد الباحث في مركز عمران، أيمن الدسوقي، أن المؤسستين الأمنية والعسكرية للحكومة السورية ما تزالان حديثتي النشأة، وقد أظهرت الأحداث الأخيرة نقاط ضعف جلية تشوب عملية إعادة بناء هاتين المؤسستين.

ولا يقتصر ملء الفراغ الناجم عن حل قوات قسد على توافر العناصر كعدد، بل يتعداه إلى صياغة استراتيجية عسكرية وعقيدة أمنية وطنية، إلى جانب بنية تنظيمية مؤسساتية، وقدرات مادية وعسكرية وموارد بشرية مؤهلة.

وهذه القضايا ما يزال العمل عليها جاريًا، الأمر الذي سوف يصعب على الحكومة السورية ملء الفراغ، ما لم تكن هناك مرحلة انتقالية لتجاوز هذه النقاط، بحسب الدسوقي.

ويتابع الدسوقي، بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل جاد على ترتيب البيئة التي تساعدها على اتخاذ قرار الانسحاب من شمال شرق سورية، بحيث يكون الانسحاب منظمًا ومتوافقًا عليه ما أمكن بين حلفائها، ولا يقوض الجهد العملياتي لمكافحة تنظيم داعش.

وبحسب الدسوقي، هناك تياران في الإدارة الأمريكية، تيار يسعى لحسم ملف التفاوض بسرعة بين قسد والحكومة السورية دون الاهتمام بالتفاصيل التقنية، وتيار آخر يقارب الأمر من منظور عملياتي أشمل يتضمن تفاصيل تقنية.

 وفي ظل عدم الحسم وتعقيد مسألة التفاوض بين الطرفين، كان لا بد من الإعلان عن تخصيص 130 مليون دولار لتمويل “قسد” كجزء من ضمان عدم تضرر عمليات مكافحة تنظيم داعش، ذلك الذي تستفيد منه قسد بحكم أنها الشريك المحلي للولايات المتحدة الأمريكية. 

 

مفاوضات متعثرة

 

في 23 من تموز جرى تأجيل اللقاء الذي كان مقررًا بين ممثلي “الإدارة الذاتية”، ومسؤولي الحكومة الانتقالية، في فرنسا، دون الكشف عن الأسباب أو موعد آخر.

فيما أعلنت دمشق، في 25 من تموز، أن الحكومة السورية ستعقد جولة من المشاورات مع “قسد”، في باريس، بأقرب وقت ممكن، في بيان نشرته عبر منصة إكس.

ويعتقد الباحث في مركز حرمون، نوار شعبان، أن نقل المفاوضات بين الحكومة السورية و”قسد” إلى باريس له دلالاته الرمزية والسياسية، لكون فرنسا أحد الداعمين الرئيسيين لـ”قسد”. وهي محاولة لنقل المفاوضات إلى بيئة بعيدة عن الضغوط الإقليمية المعهودة والمتأثرة بالضغوط التركية.

ويذهب الباحث السياسي، لؤي صافي، إلى أن الصيغة التي تطرحها “قسد” غير مقبولة من الإدارة الجديدة، لأنها تشكل تهديدًا بانفصال الشمال تدريجيًا عن الدولة السورية، خصوصًا وأن الكرد في الشمال السوري، على عكس الكرد في شمال العراق، ينتشرون في مناطق ذات أغلبية عربية، وقراهم موزعة على مناطق غير متصلة. 

وعلى الحكومة السورية أن تسمح لأبناء المحافظات السورية جميعًا بالمساهمة في إدارة مناطقهم ضمن دولة مركزية موحدة، عبر اعتماد نظام إدارة محلية يسمح لأبناء المناطق والمدن السورية جميعًا بانتخاب مجالس بلدياتهم، ومحافظاتهم، وإدارة المؤسسة الشرطية فيها، مع احتفاظها بالسياسات الأمنية المرتبطة بالجيش والسياسية الاقتصادية والخارجية، بحسب صافي. 

بينما يرى مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، معن طلاع، أن القضية ليست قضية إنهاء ملف قسد أو عدم إنهائه، بل هي قضية: كيف يمكن للدولة السورية أن تستردّ سيطرتها على الجغرافيا السورية، بما لا يلغي باقي الأطراف؟

وبالتالي، اليوم النقاشات التي تصدر سواء في فرنسا أو في مكان آخر أو حتى في الداخل السوري، ستكون محكومة في هذا الدفع الإيجابي.

 

قسد لا تزال تعوّل على التغيرات الدولية أو التغييرات المحلية، فما حدث في السويداء قد يكون دافعًا لها، لكن في نهاية المطاف، هذا ليس من صالح لا قسد ولا السويداء ولا المركز. معن طلاع ، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

ويشير طلاع إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تدفع باتجاه إنتاج مقاربة ضامنة للاستقرار الإقليمي عمومًا، والدفع باتجاه معدلات التنمية وإنهاء بؤر التوتر في المنطقة بما ينسجم مع مصالح الإقليم.

ويرى طلاع، في حديثه مع عنب بلدي، بأنه يمكن العودة لاتفاق آذار ليكون نقطة انطلاق للحديث عن أربعة مجالات رئيسية: مسار الانخراط في الجيش، وموضوع إدارة الموارد الوطنية وضبط الحدود، وموضوع التشاركية في الساحة السياسية والساحة المدنية.

ويؤكد طلاع بأنه على القيادة المركزية في سوريا ألّا تستحوذ على كافة القرارات في المركز، وأن يكون الناظم للعلاقة بين كل الأطراف هو معيارين رئيسيين:

مبدأ نقل أو تفويض الصلاحيات بين المركز والأطراف، ومبدأ إنتاج مركز قوي وأطراف قوية.

 

 

 

 



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة