خبيران يحللان الخطوة..

حذف صفرين من الليرة.. السلبيات والإيجابيات

عملة نقدية من فئة 5 آلاف ليرة سورية (عنب بلدي)

camera iconعملة نقدية من فئة 5 آلاف ليرة سورية (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

نقلت وكالة “ رويترز “، 22 من آب، عن سبعة مصادر مطلعة ووثائق، أن “المركزي” أبلغ البنوك الخاصة، في آب الماضي، بنيّته إصدار عملة جديدة.

وفي وقت سابق، علمت عنب بلدي من مصادر مصرفية أن “المركزي” السوري شكّل، منذ بداية تموز الماضي، فرق عمل بدأت مع المصارف العامة بحث ودراسة تبعات حذف صفرين من العملة على الحسابات المصرفية.

ما هو حذف الأصفار ولماذا يُطرح الآن؟

مفهوم “حذف الأصفار” أو إعادة التسمية النقدية يعني شطب أصفار من العملة الورقية لتبسيط الحسابات اليومية، مثلًا، إذا كان سعر ربطة الخبز 1000 ليرة حالية، سيصبح 10 ليرات بعد حذف صفرين، والقيمة الفعلية للخبز لا تتغير، وإنما يتغير شكل الأرقام فقط.

في سوريا، جاء طرح هذه الخطوة بعد أن فقدت الليرة أكثر من 99% من قيمتها خلال 12 عامًا من الحرب والعقوبات والانكماش الاقتصادي. 

الأرقام الضخمة باتت تعقّد الفواتير والحسابات، وتجعل التعامل النقدي متعبًا، إضافة إلى تأثيرها النفسي السلبي على الثقة بالعملة.

التأثير على التضخم والأسعار اليومية

الخبير الاقتصادي عبد الرحمن محمد، رأى أن حذف الأصفار “لا يعالج التضخم بذاته”، لأن القوة الشرائية للعملة لا تتغير، فالتضخم مرتبط بزيادة الكتلة النقدية مقارنة بالإنتاج المحلي، لا بعدد الأصفار على الورق.

لكن، لهذه الخطوة آثار نفسية قد تساعد على تهدئة الأسواق إذا شعر الناس أن الليرة الجديدة أكثر استقرارًا، كما أن الحسابات اليومية تصبح أبسط، ما يقلل من الأخطاء ويعزز السيولة، بحسب الخبير.

في المقابل، إذا لم تُرافق العملية إصلاحات مالية وإنتاجية، فقد يشهد السوق موجة تضخم جديدة بسبب ارتباك الأسعار واستغلال المضاربين.

الرواتب والمدخرات والودائع.. ماذا سيتغير؟

من الناحية الحسابية البحتة، سيُعاد حساب الرواتب والمدخرات بالأرقام الجديدة.

الموظف الذي يتقاضى مليوني ليرة سورية، سيصبح راتبه 20 ألفًا، وصاحب الوديعة بـ10 ملايين سيرى في حسابه 100 ألف ليرة جديدة.

القيمة الشرائية تبقى كما هي، لكن الخبير محمد سلّوم يحذّر من “الأثر النفسي السلبي”، إذا لم تترافق العملية مع تحسين ملموس في المعيشة.

وذكر سلّوم لعنب بلدي أن بقاء الأسعار على حالها مقابل رواتب أصغر في ظاهرها، قد يولد شعورًا بخسارة غير حقيقية.

المدخرات المصرفية بدورها لن تتأثر بالقيمة الفعلية، لكنها تحتاج إلى تعديلات تقنية واسعة تشمل أنظمة البنوك، أجهزة الصراف الآلي، العقود المالية، والفواتير التجارية.

كيف ستتم عملية الاستبدال عمليًا؟

بحسب الخبيرين (عبد الرحمن محمد ومحمد سلوم)، يجري عادة تنفيذ هذه العملية بشكل تدريجي:

  • إصدار الأوراق النقدية الجديدة بالتوازي مع سحب القديمة.
  • منح فترة انتقالية تمتد بين 6 أشهر وسنة حيث يتم قبول العملتين معًا.
  • تعديل أنظمة المصارف، البرمجيات، وأجهزة الـ”ATM” (الصرافات).
  • إطلاق حملات توعية توضح كيفية احتساب الأسعار الجديدة لتفادي البلبلة.

في حين أن التحديات الكبرى تكمن في تكاليف الطباعة (خاصة مع العقوبات وصعوبة الطباعة محليًا)، والتوعية العامة كي لا يختلط على المستهلكين والتجار.

ما الشروط لنجاح الخطوة؟

يرى الخبيران أن نجاح حذف الأصفار يحتاج إلى بيئة مستقرة تتوفر فيها عدة عناصر:

  1. إصلاحات اقتصادية شاملة تزيد الإنتاج المحلي وتقلل الاعتماد على الاستيراد.
  2. انضباط نقدي يحد من طباعة العملة دون تغطية حقيقية.
  3. استقرار أسعار نسبي يسبق التغيير، لتفادي إعادة التضخم فورًا.
  4. ثقة مؤسساتية عبر استقلالية المصرف المركزي وشفافية الإجراءات.
  5. رقابة صارمة لمنع التلاعب بالأسعار خلال الفترة الانتقالية.

تجارب دول نجحت.. وأخرى فشلت

تاريخيًا، لجأت عشرات الدول إلى إعادة التسمية النقدية، بعضها حقق نتائج إيجابية، وأخرى فشلت بسبب غياب إصلاحات اقتصادية مرافقة.

تركيا (2005) حذفت ستة أصفار (مليون ليرة قديمة = ليرة جديدة) بعد برنامج إصلاح اقتصادي ودعم من صندوق النقد، ما ساعد على استقرار نسبي لسنوات.

بولندا (1995) أزالت أربعة أصفار ضمن خطة تحرير اقتصادي ناجحة، ورسخت الثقة بعملتها الجديدة.

روسيا (1998) شطبت ثلاثة أصفار لتسهيل المعاملات، لكن الأزمة المالية العالمية آنذاك أظهرت أن الخطوة وحدها لا تكفي.

زيمبابوي أزالت الأصفار ثلاث مرات بين 2006 و2009، لكنها غرقت في تضخم مفرط بسبب غياب إنتاج حقيقي.

فنزويلا (2018 و2021) حذفت 11 صفرًا خلال 3 سنوات، لكن التضخم استمر نتيجة الانهيار الاقتصادي والعقوبات.

إيران أقرّت قانون حذف أربعة أصفار مع خطة تمتد سنوات، لكن تأثيرها محدود طالما لم تُعالج الأزمة البنيوية والعقوبات.

بدائل وإجراءات موازية

يؤكد الخبيران أن البدائل الموازية أهم من الورقة الجديدة نفسها، وتتمثل تلك البدائل في تحسين الكهرباء والطاقة لتقليل كلفة الإنتاج، دعم القطاعات الإنتاجية وخاصة الزراعة والصناعة، فتح قنوات دعم دولي لتخفيف عبء تمويل الطباعة والتوزيع، وإصدار فئات أكبر كحل مرحلي لتقليل الأرقام الكبيرة دون حذف الأصفار.

ورقة جديدة أم بداية تغيير؟

يرى السلوم أن إصدار الليرة الجديدة قد يشكّل “بداية امتحان جديد” أمام صانعي القرار، فالعملة قد تتحول إلى “مجرد ورقة أنيقة في الجيب إذا بقيت بلا قيمة فعلية، أو قد تصبح رمزًا لتحول اقتصادي حقيقي” إذا رافقها برنامج إصلاحي متكامل يطال بنية الاقتصاد السوري.

ويشير سلّوم إلى أن الثقة العامة هي العامل الحاسم في نجاح أو فشل التجربة، موضحًا أن المواطنين لن ينظروا إلى الرقم الجديد بقدر ما سينظرون إلى قدرتهم على شراء حاجاتهم اليومية.

فإذا بقيت الرواتب ضعيفة والأسعار مرتفعة، فإن العملية ستُفقد قيمتها سريعًا وتتحول إلى مجرد تعديل شكلي.

أما إذا جرى ضبط التضخم وتحسين القدرة الشرائية تدريجيًا، فقد تسهم الخطوة في إعادة بعض الاستقرار المفقود.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة