عودة منشآت هربت في الحرب

مصانع حلب.. نشاط تدريجي بانتظار التشريعات

عودة إنتاج معمل للألبسة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار بمدينة حلب بعد سقوط نظام الأسد - 23 كانون الثاني 2025 (سانا)

camera iconعودة إنتاج معمل للألبسة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار بمدينة حلب بعد سقوط نظام الأسد - 23 كانون الثاني 2025 (سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد ديب بظت

على الرغم من سنوات الحرب، لم تتوقف المصانع في حلب بالكامل، لكنها واجهت تحديات أثرت في قدرتها الإنتاجية.

وبينما استمرت بعض المنشآت الصناعية في نشاطها، أعادت منشآت أخرى تنظيم خطوط إنتاجها بعد عودة بعض الصناعيين من الخارج، وسط تفاوت في مستوى الإنتاج، إذ تدور بعض المعامل بكامل طاقتها فيما تنشط أخرى جزئيًا جراء صعوبات التشغيل، وارتفاع التكاليف، وضغوط المنافسة الخارجية، ما يعكس تحديات الصناعيين في إعادة تنظيم خطوط إنتاجهم واستعادة استقرار العمل اليومي.

نحو 770 معملًا في “الشيخ نجار”

في المدينة الصناعية بالشيخ نجار، يعمل اليوم نحو 550 معملًا بكامل طاقته، بينما يعمل حوالي 200 معمل بطاقة جزئية نتيجة مشكلات مستمرة في البنية التحتية وارتفاع تكلفة التشغيل، بحسب ما كشفت عنه إدارة المدينة لعنب بلدي.

وذكرت الإدارة أن القطاعات الصناعية في الشيخ نجار تتنوع بين الكيماوية والتحويلية إلى الغذائية والهندسية، وصولًا إلى الصناعات النسيجية.

وأضافت إدارة المدينة الصناعية أن أبرز التحديات التشغيلية تشمل ارتفاع أسعار الكهرباء وتأثيرها على تكلفة الإنتاج، إضافة إلى إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية الرخيصة، ما يضعف المنتج المحلي ويحد من قدرته على المنافسة.

كما شددت الإدارة على ضرورة دعم الصادرات عبر تقديم مزايا وإعفاءات، وتفعيل نظام الإدخال المؤقت لتسهيل استيراد المواد الخام وإعادة تصدير المنتجات المصنعة بكفاءة، إلى جانب إعادة دراسة التشريعات الضريبية للوصول إلى حالة عادلة تشجع الإنتاج المحلي، بدلًا من إرهاقه بالرسوم الإضافية.

“العرقوب” تضم 1400 منشأة

في منطقة العرقوب الصناعية، قال رئيس اللجنة الصناعية، تيسير دركلت، إن المنطقة تضم حاليًا نحو 1400 منشأة بين معامل وورشات حرفية صغيرة.

وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يقارب 10% من القوة الصناعية التي كانت موجودة قبل الحرب عادت إلى العمل بعد “فترة التحرير”، أي ما يعادل نحو 100 إلى 150 منشأة جديدة دخلت الخدمة من جديد بعد عودة بعض الصناعيين من الخارج.

ورغم هذه العودة، يرى دركلت أن الصناعة في العرقوب لا تزال تواجه صعوبات كبيرة تعوق استعادة عافيتها، في مقدمتها تأخر صدور بعض القوانين والتشريعات المهمة مثل القانون المالي الجديد، الذي ما زال قيد التشاور حتى الآن.

وأشار إلى أن هذا التأخير ينعكس سلبًا على رغبة الصناعيين في العودة أو الاستثمار مجددًا، لأن القرارات غير الواضحة تجعل التخطيط للإنتاج طويل الأمد محفوفًا بالمخاطر.

وقال دركلت، إن عددًا كبيرًا من المنشآت في العرقوب يعمل اليوم بـ“طاقة مقنّعة”، بمعنى أن المصانع تفتح أبوابها ثم تتوقف أو تعمل بحدود 10% فقط من طاقتها الإنتاجية، في حين اضطرت منشآت أخرى إلى تسريح جزء من العمالة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.

السوق المفتوح وتحدي المنافسة

انتقد رئيس لجنة العرقوب الصناعية سياسة السوق المفتوح التي تبنتها الحكومة، معتبرًا أنها “شعار إيجابي من حيث المبدأ، لكنه لا يناسب الظروف الحالية للصناعة المحلية”.

وأوضح أن الصناعي ليس ضد المنافسة، لكنه يحتاج إلى شروط متكافئة، منوهًا إلى أنه لو أتيح للصناعي المحلي نفس ظروف الدول المحيطة، سينافس بجودة مقبولة كما كان الحال في سنوات سابقة.

وقال إن أبرز الأزمات التي تواجه الصناعيين المحليين والمنشآت الصناعية اليوم هي قدم خطوط الإنتاج، وارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات، والترهل الإداري، وتأخر القوانين الاقتصادية التي من المفترض أن تنظّم العمل الصناعي وتمنح الصناعيين أدوات للمنافسة.

وأضاف أن التهريب يمثل مشكلة رئيسة، إذ تدخل إلى السوق بضائع أجنبية بأسعار منخفضة دون أن تمر بالإجراءات الجمركية النظامية، ما يضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة حتى ضمن سوقه الداخلية.

الحاجة إلى بيئة قانونية مستقرة

عودة الصناعة في العرقوب، كما في باقي مناطق حلب، مرهونة بوجود بيئة قانونية مستقرة تحمي المستثمرين وتوضح التشريعات الضريبية والتسعيرية، بحسب دركلت.

وقال إن أصحاب المنشآت بانتظار إصدار قوانين مالية وضريبية جديدة تضمن عدالة المنافسة، وتساعدهم على إعادة تشغيل منشآتهم بطاقة كاملة.

وأضاف أن فتح السوق أمام المنتجات الأجنبية يمكن أن يكون مفيدًا للاقتصاد المحلي، لكن بعد أن تحصل الصناعة الوطنية على نفس الشروط والدعم الذي تتمتع به الصناعات في الدول المجاورة.

بدوره، قال رئيس لجنة الكلاسة الصناعية في حلب، محمد قزموز، لعنب بلدي، إن المنطقة تفتقر حاليًا إلى بيانات دقيقة حول عدد المنشآت العاملة فيها.

وأضاف قزموز أن الصناعات النسيجية تشكل النسبة الكبرى من النشاط الصناعي في الكلاسة، إذ تمثل نحو 55% من إجمالي المعامل والورشات، تليها الصناعات الهندسية بنسبة تقدّر بـ30%، ثم الصناعات الغذائية والكيماوية بفئات أصغر لا تتجاوز 10%.

وأضاف أن المنطقة تضم مزيجًا واسعًا من الحرفيين والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إلى جانب ورشات تقليدية تعتمد على مهارات يدوية متوارثة.

أكثر من عشرة آلاف منشأة مسجلة

بحسب تقرير مجلس إدارة غرفة صناعة حلب المقدّم لاجتماع الهيئة العامة السنوي لعام 2024، الذي انعقد في أوائل آب الماضي، بلغ عدد المنشآت الصناعية المسجلة في الغرفة 10,501 منشأة صناعية حتى نهاية عام 2024.

ويصنف التقرير المنشآت الصناعية إلى خمس درجات بحسب الأداء والتصنيف الداخلي، وهي على النحو التالي:

  • الممتازة: 51 منشأة.
  • الأولى: 285 منشأة.
  • الثانية: 387 منشأة.
  • الثالثة: 2,482 منشأة.
  • الرابعة: 4,313 منشأة.
  • الخامسة: 1,700 منشأة
  • إضافة إلى ذلك، سجل التقرير وجود 13 مكتب شحن، و54 مشروعًا صغيرًا.

أما بالنسبة للتوزع القطاعي، فتقسم المنشآت الصناعية إلى أربعة قطاعات رئيسة، نسيجية وكيماوية وهندسية وغذائية، بحسب التقرير الذي حصلت عنب بلدي على نسخة منه.

وتتصدر الصناعات النسيجية بواقع 4,670 منشأة وتشكل 45% من إجمالي المسجلين، تليها الصناعات الكيماوية بـ2,203 منشآت وتشكل 21%، ثم الصناعات الهندسية بـ2,121 منشأة وتشكل 20%، وأخيرًا الصناعات الغذائية بـ1,507 منشآت تشكل 14% من إجمالي المسجلين.

وفي ظل التحديات التي تواجه الواقع الصناعي بالمدينة، تبذل إدارة الشيخ نجار جهودًا لجذب المستثمرين وتسهيل العمل الصناعي.

وذكرت الإدارة لعنب بلدي أنها تسعى لجذب المستثمرين من خلال إصدار نظام استثمار حديث ألغى الزيادات السابقة على الأقساط وسمح بالتقسيط والدفع بالدولار، إلى جانب إعفاء الآلات وخطوط الإنتاج المستوردة من الرسوم الجمركية.

كما تسعى إلى تحسين البنية التحتية للكهرباء والمياه، وإنشاء مبنى النافذة الواحدة لتسهيل الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى وجود فرص استثمارية متنوعة تشمل إقامة “مولات” تجارية، ومحطات محروقات، ومحطات طاقة كهروضوئية، ومشاريع بنية تحتية، وتوسعة احتياطية للمدينة الصناعية لاستيعاب المزيد من المعامل المستقبلية.

احتجاجات معامل الأحذية

رغم المبادرات، يبقى المستقبل الصناعي في حلب هشًا، إذ لا تزال التحديات المتعلقة بالأسعار والتشريعات وترهل البنية التحتية والمنافسة غير النظامية قائمة، ما يجعل استعادة المدينة لمكانتها الاقتصادية السابقة رهنًا بمدى قدرة السلطات على معالجة هذه المشكلات، وتنظيم السوق، وتقديم حوافز للاستثمار المحلي والأجنبي، وضمان بيئة مستقرة تسمح للصناعة الحلبية بالعودة بقوة إلى المشهد الاقتصادي.

وتجلت التحديات بشكل أكبر خلال الاحتجاجات الأخيرة لمصنعي الأحذية في آب الماضي، حيث تصاعدت الاحتجاجات وسط شكاوى من ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تأمين المواد الأولية، إضافة إلى تهديد المنتج المحلي بفعل دخول أحذية منخفضة الجودة تباع بأسعار لا تتجاوز دولارًا واحدًا.

وأكد صناعيون أن استمرار هذه المعاناة يهدد آلاف فرص العمل ويضع الصناعات المحلية على حافة الانهيار.

ووصف رئيس لجنة الأحذية والجلديات، دحام الحسين، لعنب بلدي حينها، واقع الصناعة بأنه “خرج من قسم الإنعاش وهو الآن في طريقه إلى المقبرة”.

وأشار إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في المنافسة غير المنصفة للمنتجات الأجنبية الرخيصة، ما يؤدي إلى إغلاق المصانع المحلية ويقتل القدرة التنافسية.

وبيّن الحسين أن أكثر من 1800 ورشة في حلب توقفت عن العمل، في حين كانت المدينة في السنوات السابقة تصدّر نحو 60 مليون زوج من الأحذية إلى العراق، ما يعكس حجم الخسائر وتأثير الأزمات على الصناعة المحلية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة