شبان يتجهون نحو الحدود السورية- التركية من طرف مدينة رأس العين - 23 أيلول 2025 (عنب بلدي)
الفقر والبطالة يزيدان وتيرة الهجرة من رأس العين وتل أبيض
مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد الأعباء المعيشية، تتجه أنظار كثير من الشبان في تل أبيض ورأس العين نحو الهجرة غير الشرعية إلى لبنان أو تركيا، هربًا من ضيق الحال وتراكم الديون بعد مواسم زراعية خاسرة وأعمال متوقفة.
وباتت هذه الرحلات، رغم ما تحمله من مخاطر على حياتهم ومصير أسرهم، الخيار الوحيد أمام الشباب في ظل غياب فرص العمل والدعم المحلي.
ولم يعد في مدينتي تل أبيض ورأس العين ما يدفع كثيرًا من الشبان للبقاء، بعد أن أثقلتهم الديون وأرهقهم الغلاء وتراجعت فرص العمل بشكل حاد.
لا خيار سوى الهجرة
تنقل معتصم عز الدين (43 عامًا) من مدينة تل أبيض بين عدة أعمال، منها النجارة والحدادة والزراعة، أملًا في عدم الاضطرار للهجرة إلى مكان آخر، كونه معيلًا لأربعة أطفال، أحدهم من ذوي الإعاقة.
لم يحالف مصطفى الحظ، فتراكمت ديونه ووصلت إلى أكثر من 1450 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ يفوق قدرته على السداد في ظل الظروف الحالية.
وبيّن أن هذه الظروف دفعته إلى تأمين طريق تهريب من تل أبيض إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، ومن ثم العبور إلى لبنان بطرق غير شرعية، بحثًا عن عمل يعيله ويساعده على سداد ديونه.
الأمر نفسه ينطبق على مصطفى العامر (36 عامًا)، من مدينة رأس العين، إذ لم يعد قادرًا على البقاء في وظيفته كعامل نظافة، خصوصًا مع تزايد الحاجيات في فصل الشتاء من تدفئة وملابس.
وأوضح أنه اتخذ قرار تقديم استقالته بعد أن وعده أخيه بتكفل مصاريف وصوله إلى تركيا والعمل في المراعي بعيدًا عن الشرطة، لتجنب ترحيله.
وأضاف أن راتبه الحالي لا يتجاوز 4000 ليرة تركية (أقل من 100 دولار أمريكي)، وهو بالكاد يكفيه أسبوعًا واحدًا من المصاريف.
وذكر أنه في حال استقر في تركيا، سيجلب عائلته ليعيشوا معًا بعيدًا عن صعوبات الحياة في رأس العين، على أمل توفير حياة أفضل لأولاده.
بحسب رصد مراسل عنب بلدي، تتراوح تكلفة التهريب من رأس العين إلى تركيا بين 2000 و5000 دولار أمريكي، حسب الطرق التي يسلكها المهربون ومدى خطورة المناطق التي يعبرونها.
أما التهريب إلى لبنان فتكلفته أقل، نظرًا إلى عدم ضبط الحدود السورية- اللبنانية، حيث تصل تكلفة وصول الشخص من رأس العين وتل أبيض إلى بيروت حوالي 900 دولار.
وتعد المبالغ مرتفعة مقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي، إذ يتقاضى عمال المياومة في رأس العين وتل أبيض بين 80 و100 ألف ليرة سورية (الدولار يعادل 11530 ليرة سورية)، ويقطن في المدينتين 253,000 شخص.
980 حالة هجرة خلال شهر
الناشطة في تجمع الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في رأس العين وتل أبيض، حلا تركمان، قالت لعنب بلدي، إن الهجرة إلى لبنان وتركيا تزداد مع دخول كل فصل شتاء، معبرة عن قلقها من تصاعد ظاهرة تهريب الشباب بسبب الضغوط المعيشية.
وأوضحت أن فريقهم الميداني وثّق خلال أيلول الماضي 980 حالة هجرة لشباب من مدينتي تل أبيض ورأس العين، معظمهم بين عمر 18 و30 عامًا، بحثًا عن فرص عمل تغطي مصاريفهم اليومية وتساعدهم على سداد الديون المتراكمة.
وأضافت أن الأسباب الرئيسة للهجرة تتمثل في الفقر وقلة فرص العمل وانخفاض الدخل اليومي، إلى جانب غياب دعم كافٍ للمزارعين والعمال، ما يدفع الشباب للمخاطرة بالطرق غير الشرعية.
وأشارت إلى أن الحلول تكمن في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل مستدامة، مع دعم المشاريع الصغيرة وبرامج الطوارئ للأسر الأكثر هشاشة، لتقليل الاعتماد على الهجرة غير القانونية وضمان حياة كريمة للشباب وأسرهم.
بحاجة لدعم الحكومة والمنظمات
من جانبه، قال المتحدث باسم المجلس المحلي لمدينة رأس العين، زياد ملكي، لعنب بلدي، إن المجلس عمل منذ عام 2019 على توفير فرص عمل ضمن الإمكانيات المتاحة.
وأوضح أن المجلس وفّر حتى اليوم نحو 1050 وظيفة ضمن قطاع الخدمات والإدارة، إضافة إلى 1420 وظيفة في قطاع التعليم، بينما تجاوز عدد العاملين في الشرطة المدنية 1150 شخصًا.
وأضاف أن المدينة بحاجة إلى دعم حكومي ومنظمات دولية بشكل أوسع لتخفيف موجة الهجرة من المنطقة، مشيرًا إلى أن الحصار المفروض على المنطقة أسهم في تراجع النشاط الاقتصادي وخسارة العديد من فرص العمل.
وأكد ملكي أن استمرار الأوضاع الحالية دون دعم فعلي سيؤدي إلى ازدياد الهجرة وفقدان الكفاءات المحلية، داعيًا إلى تنفيذ مشاريع تنموية تخلق فرص عمل حقيقية وتنعش الاقتصاد المحلي.
تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي في المجلس المحلي بمدينة تل أبيض، الذي أوضح أن إمكانيات المجلس محدودة بسبب الحصار المفروض على المنطقة وانعدام الدعم المنظماتي، ما تسبب بارتفاع معدلات الهجرة نتيجة ضعف فرص العمل وقلة المشاريع التنموية.
تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :