سوريا على خطى رواندا.. محاكاة تتطلب الاستقرار وإدماج المجتمع

أنت صورة تذكارية لرؤساء أجهزة التقييس العرب مع الدكتور خالد صوفي الرئيس القادم لمنظمة الآيزو.المؤتمر الدولي للمنظمة الدولية للتقييس (ISO) - 10 تشرين الأول 2025 (هيئة المواصفات والمقاييس السورية)

camera iconسوريا تشارك بالاجتماع السنوي للمنظمة الدولية للمعايير (ISO) - 10 تشرين الأول 2025 (هيئة المواصفات والمقاييس السورية)

tag icon ع ع ع

شاركت هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية للمرة الأولى في تاريخ سوريا بالاجتماع السنوي للمنظمة الدولية للمعايير (ISO) لعام 2025، الذي أقيم في مدينة كيغالي عاصمة دولة رواندا، ضمن سعي المؤسسات السورية للعودة إلى المنصات الدولية بعد سنوات طويلة من العزلة.

وأثارت هذه المشاركة في الاجتماع، الذي عقد بين 6 و10 من تشرين الأول الحالي، تساؤلات حول مدى إمكانية استفادة سوريا من التجربة الرواندية في مسار إعادة الإعمار وبناء مؤسساتها، خاصة أن رواندا عانت قبل عقود من حرب إبادة مأساوية، لكنها استطاعت التحول إلى نموذج تنموي لافت في القارة الإفريقية.

ورغم اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية بين التجربتين، فإن المقارنة تفرض نفسها عند الحديث عن إعادة الإعمار، والاستثمار في رأس المال البشري، وبناء مؤسسات قادرة على قيادة التنمية.

التشابه والاختلاف في التجربتين

بعد عقود من الصراع في سوريا، برزت رواندا كمثال لبلد استطاع النهوض من مأساة مشابهة، ما جعل المقارنة بين التجربتين محط اهتمام الخبراء والمراقبين، وتشير التجربتان إلى نقاط التقاء واختلاف تعكس طبيعة كل أزمة ومسار التعافي منها.

مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، ياسر عليوي، قال إن هناك أوجه شبه واضحة بين التجربتين السورية والرواندية، إذ عانى البلدان من دمارٍ واسع للبنية التحتية وتراجع اقتصادي وفقدان للكفاءات البشرية، ما فرض تحديات كبيرة أمام جهود إعادة البناء.

وأضاف أن كلا البلدين احتاج إلى تخطيط وطني طويل الأمد يربط بين الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

ونوه عليوي إلى أن الأزمة السورية أكثر تعقيدًا من حيث طول مدتها وتعدد أطرافها وتأثيرها على مختلف القطاعات، موضحًا أن رواندا استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا أن تؤسس لإدارة مركزية مستقرة أعادت الثقة بالمؤسسات، بينما لا يزال المشهد السوري بحاجة إلى مزيد من التوحيد والاستقرار لضمان تنفيذ فعّال للخطط الاقتصادية.

أما الأستاذ المساعد في الاقتصاد الدولي بكلية العلوم السياسية بجامعة “دمشق” الدكتور قاسم أبو دست، فاعتبر أن العامل الحاسم في نجاح رواندا كان تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، الذي مهد الطريق أمام التنمية الاقتصادية. وأكد أن غياب هذا الاستقرار في سوريا ما زال يعرقل أي نهج إصلاحي شامل.

هل تصلح رواندا نموذجًا يحتذى في سوريا

اعتبر ياسر عليوي أن التجربة الرواندية تقدم نموذجًا ملهمًا من حيث وضوح الرؤية والتخطيط، لكن نقلها إلى سوريا “بحذافيرها” غير ممكن، بل يتطلب تكييفًا دقيقًا مع الخصوصية السورية من حيث البنية المؤسسية والاقتصادية، ويرى أن البداية يجب أن تكون من بناء مؤسسات قادرة على تطبيق خطط التنمية بفعالية.

من جانبه، قال قاسم أبو دست، إن الدرس الأهم من رواندا هو تمكين المبادرات المحلية والمجتمعية، مشيرًا إلى تجربة محاكم “الغاكاكا” التي أنشأتها رواندا لتحقيق المصالحة والمساءلة بعد الحرب، ومنحت المجتمعات دورًا مباشرًا في العدالة الانتقالية.

الاقتصاد الأخضر والتنمية الريفية

شدد العليوي على أن فكرة “الاقتصاد الأخضر” تمثل فرصة واقعية لسوريا لتبني نموذج جديد للتنمية قائم على تمكين المجتمعات الريفي، وكشف عن لقائه بوزيرة البيئة الرواندية، برناديت أراكويا، على هامش المؤتمر، حيث جرى تبادل الرؤى حول دور المواصفات القياسية في تعزيز الاقتصاد الأخضر وحماية البيئة.

ويرى أن تنوع الموارد الطبيعية في سوريا يتيح إمكانية بناء برامج للزراعة المستدامة، ومشاريع طاقة شمسية صغيرة، مع وضع مواصفات وطنية للمنتجات الصديقة للبيئة لضمان جودتها وتسهيل وصولها إلى الأسواق.

ويتفق معه أبو دست في أن التنمية الريفية تمثل محورًا رئيسًا لأي نهوض اقتصادي، ويؤكد أن معالجة تهميش الريف السوري وتمثيله الحقيقي في صنع القرار خطوة لا غنى عنها في أي مشروع تنموي مستقبلي، مشيرًا إلى ضرورة تبني سياسات متوازنة تركز على تطوير القطاع الزراعي وتوفير التمويل الميسر والتكنولوجيا الحديثة، إلى جانب الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين جودة التعليم والصحة في المناطق الريفية، وتمكين المرأة كما فعلت رواندا بتخصيص نسب مرتفعة لتمثيلها في مؤسسات الدولة.

عقبات بنيوية أمام نقل التجربة الرواندية

ذكر مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، ياسر عليوي، العقبات البنيوية التي قد تحول دون تكرار التجربة الرواندية في سوريا، أبرزها الانقسام الإداري والسياسي، والدمار الواسع للبنية التحتية، ونقص الكفاءات الوطنية نتيجة الهجرة والحرب، فضلًا عن العقوبات الاقتصادية وضعف البيئة القانونية والمؤسساتية.

وأكد أن تجاوز هذه العقبات يتطلب رؤية وطنية موحدة وإرادة سياسية قادرة على إدارة عملية إعادة الإعمار.

بينما أشار أبو دست إلى أن غياب الاستقرار الأمني، واستمرار الفساد الإداري، وعدم وجود بيئة تشريعية محفزة، تشكل عوائق أساسية أمام أي إصلاح حقيقي، معتبرًا أن “الاستقرار والمصالحة الوطنية هما الشرطان الأولان قبل أي خطة تنموية”.

آفاق التعاون بين سوريا ورواندا

يرى عليوي أن التعاون بين البلدين يمكن أن يشمل تبادل الخبرات في مجال المواصفات والجودة، وتطوير البنية التحتية للمختبرات والاعتمادية، والاستفادة من تجربة رواندا في دعم الاقتصاد الأخضر والزراعة المستدامة، إضافة إلى تعزيز التنمية المحلية بمشاركة المجتمعات في إدارة مواردها.

أما أبو دست فيقترح توسيع آفاق التعاون لتشمل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، مثل مكافحة الجريمة المنظمة وتبادل التدريب والخبرات، وربط شبكات النقل الجوي والسكك الحديدية، وتشجيع الاستثمار عبر اتفاقيات توفر الحوافز والضمانات لرأس المال الأجنبي.

ويرى عليوي أن وضع معايير جودة وطنية فعالة سيكون مدخلًا لاندماج الاقتصاد السوري في الأسواق الإقليمية والدولية، بينما أكد قاسم أبو دست أن الدرس الأكبر من رواندا هو أن المصالحة الوطنية وتمكين المجتمعات المحلية هما الركيزتان الأساسيتان للنهوض من تحت الركام.

ويتفق الخبيران على أن سوريا تمتلك المقومات للاستفادة من التجربة الرواندية، لكن نجاح أي نموذج يعتمد على قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي، وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات، وصياغة رؤية وطنية تنموية موحدة.

البنك الدولي: التحديات الأمنية تعرقل نمو الاقتصاد السوري



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة