
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يلتقي السفير الصيني لدى سوريا شي هونغوي بدمشق - 6 أيلول 2025 (وزارة الخارجية السورية)

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يلتقي السفير الصيني لدى سوريا شي هونغوي بدمشق - 6 أيلول 2025 (وزارة الخارجية السورية)
عنب بلدي – أمير حقوق
تدخل سوريا مرحلة إعادة تقييم لعلاقاتها الخارجية مع الدول التي كان يحظى نظام الأسد بدعمها كقوى إقليمية ودولية، مثل الصين وروسيا، إذ تسعى دمشق لانفتاح دولي تبرره ظروف سياسية واقتصادية.
وفي خطوة تحمل دلالات كبيرة بالنسبة إلى مسار العلاقات بين سوريا والصين، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عزمه القيام بزيارة رسمية إلى بكين مطلع تشرين الثاني المقبل، مشيرًا إلى أن “الحكومة أعادت تصحيح العلاقة معها، خاصة أنها كانت تدعم النظام السابق سياسيًا وتستخدم الفيتو لمصلحته”.
عبر أكثر من عقد، ارتبطت العلاقات بين دمشق وبكين بتحالف سياسي أكثر منه تعاونًا اقتصاديًا، إذ قدمت الصين دعمها السياسي للنظام السابق، واستخدمت حق النقض في مجلس الأمن مرات عديدة.
لكن سقوط النظام السابق في كانون الأول 2024، يفتح نافذة أمام دمشق لإعادة بناء علاقاتها السياسية مع الصين، أسوة بروسيا.
بعد سقوط نظام الأسد، حاولت الإدارة السورية إعادة كل قنوات الاتصال مع الدول التي دعمته، باستثناء إيران، وذلك عبر الزيارات الرسمية التي جرت بين روسيا والسلطة الحالية، وكذلك نية الصين فتح مكتب دراسات صينية في دمشق، وفق ما قاله الكاتب السياسي درويش خليفة لعنب بلدي.
وأضاف أنه في ظل تغير المشهد السياسي في سوريا، يمكن القول إن سوريا الحالية بحاجة لتنويع علاقاتها سواء مع دول الغرب أو الشرق، وبالتالي تظهر حاجتها للصين، باعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويمكن الاستفادة من صوتها في رفع العقوبات عن سوريا مستقبلًا.
الباحث في الشؤون العربية علي فوزي، يعتقد أن الإعلان عن زيارة وزير الخارجية السوري إلى العاصمة الصينية بكين مطلع الشهر المقبل، “يضع علامة فارقة في مسار إعادة ضبط العلاقات بين دمشق وبكين”.
إن ما يجري هو “إعادة تموضع دبلوماسي عملي، وليس مجرد إرجاع علاقات رمزية”، لأن الصين كانت خلال السنوات الماضية شريكًا سياسيًا استراتيجيًا للنظام السابق في سوريا، والمرحلة الراهنة تعبر عن محاولة لإقامة علاقة جديدة مبنية على مصالح ملموسة، خاصة بعد دخول دمشق مرحلة انتقالية تتطلب شراكات لإعادة الإعمار والاستقرار، بحسب ما قاله علي فوزي في حديث إلى عنب بلدي.
مع سعي الحكومة السورية لإعادة تموضعها دوليًا، تبرز الصين كوجهة محتملة لإحياء شراكات قديمة وتأسيس أخرى جديدة، هذه العودة لا تأتي بمعزل عن سياق دولي متغير، بل تقف خلفها مجموعة من المحركات السياسية والاقتصادية التي تدفع الطرفين إلى إعادة النظر في شكل العلاقة وحدودها.
أشار الباحث علي فوزي إلى محركات أساسية تقود هذا التقارب بين الجانبين، أبرزها الضغوط الاقتصادية الهائلة على سوريا وحاجتها إلى تمويل لإعادة الإعمار، إلى جانب رغبتها في تأمين شركاء قادرين على تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى.
كما لفت إلى مصلحة بكين في توسيع نفوذها الاستثماري والجغرافي في الشرق الأوسط، فضلًا عن الحسابات الجيوسياسية التي تدفعها لتعزيز دورها الإقليمي بديلًا أو مكملًا للفاعلين الآخرين.
الكاتب السياسي درويش خليفة يعتقد أن الصين لها مصلحة بتجنيس سوريا “الأويغور”، لأنهم قدموا لها للقتال ضد نظام الأسد، ويعتبرون من المتشددين ضد الصين، والأخيرة لديها مشكلة بأنه خرج من مطاراتها حوالي 38 ألف “أويغوري” تجاه الشرق الأوسط، لكن السلطات السورية تقول إن لديها نحو 3500 “أويغوري” فقط.
ويرجح أن الصين لديها قلق من هذا الشك، وبالتالي ترغب بإعادة العلاقات لتكون على بينة بأن هؤلاء لن يعودوا إلى أراضيها، ولن يتسببوا بمشكلات أمنية مستقبلًا.
لا تقتصر زيارة الشيباني إلى بكين على البعد البروتوكولي، أو استعراض النيات السياسية، بل تحمل في طياتها ملفات تسعى دمشق وبكين إلى مقاربتها من زوايا مختلفة، وهنا يبرز السؤال حول الملفات الأساسية التي سيحملها الوفد السوري إلى طاولة الحوار، والتي ستناقش بين الجانبين، وربما يتفقان عليها.
في هذا السياق، الباحث في الشؤون العربية علي فوزي، يتوقع أن اللقاءات لن تقتصر على توقيع مذكرات تفاهم اقتصادية، بل ستتناول قضايا حساسة مثل آليات ضمان الأمن في مناطق إعادة الإعمار، وإدارة وجود الشركات الصينية في بيئة أمنية هشة، ومخاطر المقاتلين الأجانب، وقضايا المساءلة القانونية الخاصة بالعقود والاستثمارات.
وأكد أن هذه الملفات سياسية وتقنية في آن واحد، وتتطلب صيغ حماية استثمارية متبادلة.
وبيّن فوزي أن الأولوية الاقتصادية هي التي تتصدر جدول أعمال الجانبين في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن سوريا تحتاج إلى تمويل عاجل ومشروعات تنفيذية، بينما تسعى الصين إلى ضمانات سياسية واستقرار مؤسسي يحمي مصالحها.
الكاتب السياسي درويش خليفة يرى أنه بناء على أهمية تنويع علاقات سوريا، يبرز ملف التصويت في مجلس الأمن بخصوص “هيئة تحرير الشام” أو زعمائها السابقين، كالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير داخليته، أنس خطاب.
ويعتقد خليفة أن الملف أمر في غاية الأهمية، فهو يسهل حركة الشرع وخطاب في أثناء السفر، لأنهما بحاجة إلى استثناءات من قبل الأمم المتحدة قبل سفرهما لأي دولة، مضيفًا، “هي عوامل معيقة، يحاول الرئيس الشرع من خلال فريقه الدبلوماسي تجاوزها من خلال تنويع العلاقات”.
وفيما يتعلق بدور الصين في مجلس الأمن، أوضح الباحث علي فوزي أن بكين تتعامل مع التصويت في القضايا السورية وفق منطق إدارة المخاطر والمصالح، مشيرًا إلى أن المطالبة بضمانات تصويت أو شطب أسماء من قوائم العقوبات مسألة حساسة وتخضع لتوازنات سياسية وقانونية دقيقة.
ستُرسم العلاقة بين الطرفين وفق عدة مطالب ستحدد لكل منهما، إذ يحاول كل طرف استغلال الطرف الآخر بما يحقق مصالحه، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى أمنيًا، بحسب ما قاله المحللون السياسيون لعنب بلدي.
فيما يخص مطالب دمشق من الصين، قال الباحث علي فوزي، إن سوريا ستسعى للحصول على دعم سياسي في المحافل الدولية، وتسهيلات مالية وتجارية، في حين أن الطلبات العسكرية المباشرة أقل احتمالًا، لكنه لم يستبعد ترتيبات أمنية تقنية تشمل الاستشارات أو برامج تدريب مدني لحماية المواقع الاستثمارية.
وأكد فوزي أن الصين ستكسب من إعادة العلاقات مع دمشق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية مهمة، تشمل فرصًا واسعة في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، وموقعًا استراتيجيًا في شرق المتوسط يعزز مبادرة “الحزام والطريق”، إلى جانب رصيد دبلوماسي متنامٍ يجعلها لاعبًا مؤثرًا في الملفات الإقليمية.
الكاتب درويش خليفة، يرجح أن الصين ستحدد مطالبها، بعاملين:
بالمقابل، يجب أن تراعي الحكومة السورية الحالة الوطنية والمصالح الوطنية السورية قبل مراعاة مصالح الآخرين وتنفيذ العقود المبرمة سابقًا، بحسب تعبيره.
وتوقع ألا تعود العلاقة كما كانت سابقًا بين سوريا والصين خلال عهد الأسد، بل من الطبيعي أن تعود تدريجيًا وهذا يتطلب بناء الثقة بين الطرفين، خاصة أن العلاقة تخضع للضغوط الأمريكية والغربية تجاه عزل سوريا عن الصين وروسيا.
مع اقتراب استئناف العلاقات السورية- الصينية، تبرز تساؤلات حول كيفية استفادة سوريا من هذه العلاقات، ودور الصين في إعادة الإعمار، والملفات الاقتصادية التي يمكن أن تلعب فيها دورًا بارزًا.
الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة “حماة” الدكتور عبد الرحمن محمد، أوضح لعنب بلدي أنه يمكن لسوريا أن تستفيد من علاقاتها الاقتصادية مع الصين بعدة ملفات، أهمها:
إن تعزيز هذه العلاقات يتطلب أيضًا إدارة دقيقة للتحديات السياسية والاقتصادية التي قد تواجهها، ولكن الفرص المتاحة تجعل من هذه العلاقات محورًا مهمًا في المستقبل، وفق ما قاله الدكتور عبد الرحمن محمد.
وكانت الصين أكدت دعم الحكومة السورية في سعيها لتحقيق مصالح الشعب وتسوية الخلافات بالطرق السلمية، وذلك بجلسة لمجلس الأمن في 22 من تشرين الأول الحالي، معتبرة أن سوريا “دولة محورية في الشرق الأوسط”، وأن التطورات فيها سيكون لها أثر مباشر على “الاستقرار والأمن الإقليميين”، ودعت الأطراف الدولية إلى “دعم الحلول السياسية وتهيئة الظروف للتنمية المستدامة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى