زيارة الأسد للصين.. هل تفتح ممرًا للتمدد في سوريا

الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس النظام السوري بشار الأسد (تعديل عنب بلدي)

camera iconالرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس النظام السوري بشار الأسد (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

يستعد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للتوجه إلى مدينة هانغتشو الصينية، تلبية لدعوة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في زيارة تعد الثانية بعد عام 2004، والأولى في عهد الرئيس الصيني الحالي، وسط توقعات بأن تكون زيارة “رمزية”، بالنظر إلى توقيتها المتزامن مع افتتاح دورة الألعاب الآسيوية في المدينة ذاتها وبحضور العديد من رؤساء الدول.

وجاء في بيان صادر عن صفحة “الرئاسة السورية” في “فيس بوك“، 19 من أيلول، أن الرئيس الأسد وزوجته أسماء الأسد سيتوجهان إلى الصين، غدًا الخميس، حيث سيجريان عددًا من اللقاءات والفعاليات في مدينتي هانغتشو والعاصمة بكين.

ويرافق رئيس النظام السوري وفد سياسي واقتصادي، مكون من وزير الخارجية ومعاونه ووزير الاقتصاد ومستشارتي الرئاسة، بثينة شعبان، ولونه الشبل، وسفير سوريا في الصين، محمد حسنين خدام، وفق الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).

كما سيحضر الأسد حفل إطلاق النسخة الـ 19 من دورة الألعاب الآسيوية التي ستنطلق في 23 من أيلول المقبل في مدينة هانغتشو، برفقة عدد من ملوك ورؤساء دول آسيوية.

“مصادر مطلعة في دمشق” قالت لصحيفة “الوطن” المقربة من حكومة النظام، إن الأسد وجين بينغ سيعقدان جلسة مباحثات ثنائية موسعة على هامش هذه الألعاب، قبل أن ينتقل الأسد والوفد المرافق له إلى العاصمة بكين للقاء “كبار المسؤولين الصينيين”، والبحث في آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين.

تعزيز النفوذ في الشرق الأوسط

تسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية والسورية بشكل خاص، بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أعلن عنه في آذار الماضي، وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.

وتمثلت التغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية ما تلاه من استئناف دول عربية عدة علاقتها مع النظام، على رأسها السعودية التي ألقت بثقلها في دعم عودته إلى “الحضن العربي” واستعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، ثم مشاركة الأسد في القمة العربية بجدة في أيار الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عامًا.

وتلعب بكين دورًا متناميًا في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لتفعيل طريق الحرير الجديدة المعروفة رسميًا بـ”مبادرة الحزام والطريق”، وهو مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وأعلنت سوريا في كانون الثاني 2022، انضمامها لهذا المشروع، وذلك بعد زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، لدمشق في تموز عام 2021، حين بحث مع الأسد إمكانية مشاركة سوريا في “مبادرة الحزام والطريق”.

مدير وحدة الدراسات في “مركز أبعاد”، محمد سالم، قال لعنب بلدي، إن الصين تهدف إلى الاستفادة من الصراع الروسي في أوكرانيا لملء الفراغ الذي خلفته روسيا في أفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما يفسر جهود الصين في التوسط بين السعودية وإيران على سبيل المثال.

وأضاف، أن هناك مؤشرات واضحة تشير إلى مساعي الصين لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا وفي مختلف أنحاء القارة الأفريقية.

وفيما يتعلق بسوريا، يرى سالم أن هناك تحولًا ملحوظًا في الخطاب الدبلوماسي الصيني، إذ على سبيل المثال، اتخذت الصين موقفًا ضد الأنشطة التركية في سوريا لأول مرة، ما يدل على إعادة تموضع الصين الاستراتيجي في الشرق الأوسط في سعيها للتوجه نحو نظام دولي متعدد الأقطاب.

وتتبنى الحكومة الصينية موقفًا “دبلوماسيًاً جديدًا” يتسم بالتحدي للسياسات الأمريكية، وذلك بتعزيز العلاقات مع الدول التي سعت الولايات المتحدة إلى عزلها، وفق رأي الأكاديمي في كلية الدراسات الدولية بجامعة “صن يات صن” الصينية، وأستاذ كلية العلوم السياسية السابق بجامعة “دمشق”، شاهر الشاهر.

واستند الشاهر في تحليله إلى أن بكين استقبلت مؤخرًا الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ونتج عن هذه الزيارة الإعلان عن الارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى “شراكة استراتيجية للصمود”.

وتشكل هذه المكانة ذروة العلاقات الدبلوماسية بين الصين، وحتى الآن لم تحصل على هذا التمييز سوى ثلاث دول هي، باكستان، وروسيا، وبيلاروسيا، وفق الشاهر الذي تساءل حول إمكانية أن تكون سوريا التالية.

وتعد الصين من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع النظام السوري، ودعمته سياسيًا وماليًا منذ انطلاق الثورة السورية، ولعبت دورًا نشطًا من حيث التحركات الدبلوماسية في سوريا، إذ شاركت في عملية “أستانة” (مسار تسيّره روسيا وتركيا وإيران)، وأعاقت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، لتأكد موقفها الداعم لدمشق.

واستخدمت الصين حق “النقض” (الفيتو) في الأمم المتحدة ثماني مرات لوقف قرارات ضد النظام، كان أحدثها في تموز 2020 حين عارضت تمديد إيصال المساعدات إلى سوريا عبر تركيا.

وفي عام 2012، استخدمت الصين حق “النقض” ضد قرار اقترحته واشنطن يدعو إلى انسحاب جميع القوات العسكرية من المدن والبلدات السورية.

وفي شباط 2017، استخدمت “بكين” “الفيتو” ضد مشروع قرار يسعى إلى فرض عقوبات على النظام، بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية.

وفي أحدث تصويت في مجلس الأمن بما يخص سوريا، امتنعت الصين عن التصويت لصالح قرار يطالب بتمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي لمدة عشرة أشهر في تموز الماضي.

وتنسق السلطات الصينية بشكل وثيق مع أجهزة الأمن السورية بشأن وجود مئات المقاتلين الصينيين في سوريا، ومعظمهم متواجدين في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، خارج مناطق سيطرة النظام.

رئيس النظام السوري بشار الأسد يستقبل وزير الخارجية الصيني وانغ بي في دمشق - 17 من تموز 2021 (منصة رئاسة الجمهورية)

رئيس النظام السوري بشار الأسد يستقبل وزير الخارجية الصيني وانغ بي في دمشق – 17 من تموز 2021 (منصة رئاسة الجمهورية)الصيني – 17 من تموز 2021 (منصة رئاسة الجمهورية)

“زيارة رمزية”

تطرح دعوات متكررة في الإعلام المحلي لزيادة مشاركة الصين في الاقتصاد السوري، وبالأخص بعد كارثة الزلزال في شباط الماضي، والحاجة للخبرة الصينية في إعادة الإعمار، وفق رئيس الغرفة الصناعية بحلب، فارس الشهابي.

وقال مدير وحدة الدراسات في “مركز أبعاد”، محمد سالم، إن الصين تواجه حاليًا أزمة اقتصادية، لذلك فمن غير المرجح أن يقدموا دعمًا كبيرًا للنظام السوري المتعثر.

ويعتقد سالم أن الجوانب “الرمزية” لهذه الزيارة لها أهمية قصوى، في حين أن الأنشطة الاقتصادية قد تكون “محدودة”، مع أن النظام على استعداد لتقديم “تنازلات كبيرة” للصينيين، وكذلك للجهات الفاعلة الدولية الأخرى، دون النظر إلى سيادة سوريا، على غرار تأجير الموانئ السورية للروس.

ويتوقع سالم زيادة التدخل الصيني في سوريا، خاصة بعد إبرام اتفاق طويل الأمد بين إيران والصين العام الماضي، إذ بالنسبة للنظام السوري، يريد أن يستفيد من رغبة الصين في التوسع ومد النفوذ مقابل دعمه.

ونشر موقع “Oil price” المتخصص بأخبار النفط والطاقة، تقريرًا في أيار الماضي، أوضح فيه أن مشروع إيران في المنطقة، والممتد بين إيران ولبنان مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى اليمن، يخدم الرؤية الصينية.

وأشار التقرير إلى الاتفاقيات الاقتصادية وخطوط النقل بين إيران والصين، بما فيها عقد وقعه الطرفان في 2019 لمشروع خط سكة حديد رئيسية بطول 900 كيلومتر بين مدينتي مشهد، شمال شرقيّ إيران، وطهران.

ومن المقرر أن يكون هذا الخط، جزءًا رئيسيًا من “طريق الحرير الجديد”، على أن تجري توسعته لاحقًا، ليشمل المناطق الغنية بالنفط والغاز والبتروكيماويات، وفق التقرير.

وتعد الصين ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد منذ عام 2011، بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء النظام.

وأدى وزير الخارجية السوري الراحل، وليد المعلم زيارة إلى بكين في 2019، وسط تأكيد الصين بأنها تدعم بقوة إعادة بناء الاقتصاد السوري وجهودها لمكافحة الإرهاب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة