تقرير صادم لأثر صناع المحتوى: الإعلام التقليدي عاجز عن المواجهة
علي عيد
تعالوا نقرأ في الأرقام ونقارنها، لنفهم أين يتجه الإعلام في مواجهة صناع المحتوى والمؤثرين، في سوريا والعالم العربي، والعالم عمومًا، وفي ذلك فائدة لفهم التوجهات، ومزاج الجمهور.
قبل قراءة الأرقام، دعونا نلقِ نظرة على تقرير “رسم خريطة صنّاع الأخبار والمؤثرين في الشبكات الاجتماعية والمرئية” الصادر عن معهد “رويترز لدراسة الصحافة- جامعة أكسفورد” (2025)، الذي يظهر تحولًا جذريًا في الطريقة التي يستهلك بها الجمهور الأخبار والمعلومات.
يشير التقرير إلى أن الشخصيات الرقمية، وليس المؤسسات الصحفية، باتت المصدر الرئيس للأخبار في كثير من المجتمعات، خاصة بين فئة الشباب.
التقرير تضمن بيانات مسح الأخبار الرقمية وأنماط التفاعل عبر المنصات الكبرى مثل: “يوتيوب”، “تيك توك”، “إنستجرام”، “إكس” (تويتر سابقًا)، “فيسبوك”، لعامي 2024 و2025، شملت 24 دولة عبر خمس قارات، حللت أكثر من 40 ألف اسم من صناع المحتوى والمؤسسات.
وتشير الأرقام بشكل مختصر إلى أن صناع المحتوى أظهروا تفوقًا وانتشارًا يضاهي وسائل الإعلام التقليدية، وبينهم تاكر كارلسون في القطاع الإخباري المباشر (The News)، وجوني هاريس (الولايات المتحدة)، ومعتز عزايزة، الذي أصبح رمزًا دوليًا في توثيق الحرب على غزة عبر “إنستجرام”.
في مجالات أخرى خارج السياسة، يظهر فابريتسيو رومانو (25 مليون متابع على “إكس”)، عبر تغطية أخبار انتقالات كرة القدم عالميًا.
أما الفئة القريبة من الأخبار (News-Adjacent)، والتي تقدم محتوى يمزج الترفيه بالأخبار، فبرزت فيها أسماء أخرى يتابعها الملايين، وتعالج مجالات الترفيه المعلوماتي والألعاب والموسيقا وأسلوب الحياة والدين، وهؤلاء رغم الطابع غير الصحفي، يؤثرون بشكل واضح في النقاش العام والسياسي بسبب حجم جمهورهم وثقته بالمؤثرين.
في سوريا مثلًا، وهذا مسح أجريته سريعًا دون تدقيق في مختلف وسائل التواصل، ظهرت أسماء مؤثرة، في غير قطاع الأخبار خارج الإطار المحلي، مثل:
- نارين عمارة (الأزياء ومستحضرات التجميل): 16.5 مليون مشترك على “يوتيوب”.
- هيلا غزال (محتوى حول تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين): 10 ملايين مشترك على “يوتيوب”.
وفي محتوى يمزج الأخبار بالحياة العامة، يظهر فيصل قاسم، مع 13 مليون متابع على “فيسبوك”.
بالانتقال إلى المستوى المحلي، يمكن ملاحظة تأثير أشخاص على وسائل التواصل، مثال ذلك في “فيسبوك”:
- جميل الحسن: 4 ملايين متابع.
- سمير متيني: 1.9 مليون متابع.
- موسى العمر: 1.5 مليون متابع.
يمكن فهم أهمية هذه الأرقام وتأثيرها، عند المقارنة مع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة التي تصرف عليها مبالغ طائلة، مثل:
- تلفزيون سوريا (قطاع خاص): 10 ملايين متابع على “فيسبوك”.
- قناة الإخبارية السورية (قطاع حكومي): 2.6 مليون متابع على “فيسبوك”.
- الوكالة العربية السورية للأنباء- سانا (قطاع حكومي): 840 ألف متابع.
الأرقام والمقارنات على المستوى المحلي تقود إلى النتائج التي خلص إليها تقرير معهد “رويترز لدراسة الصحافة- جامعة أكسفورد”، وأهمها:
التحوّل من المؤسسات إلى الأفراد:
ما بين 20 و40% من مستخدمي وسائل التواصل في العالم يتلقّون أخبارهم بانتظام من مؤثرين أو صناع محتوى، وليس من مؤسسات إعلامية (الولايات المتحدة 21% من البالغين و37% فئة ما دون الـ30، دول الجنوب العالمي، البرازيل، إندونيسيا، الفلبين، نيجيريا، كينيا، تايلند، تتجاوز النسبة 50%).
ويرى التقرير في خلاصته أن هذا التحول يرتبط بانخفاض الثقة في الإعلام التقليدي، وتفضيل الجمهور الأصوات الشخصية واللغة المباشرة على الخطاب المهني الرسمي، وأن المؤثرين نجحوا في بناء ما يسميه الباحث نِك نيومان “رأسمال الثقة الفردية”، القائم على العلاقة المباشرة مع المتابعين.
المنصات المهيمنة:
- “يوتيوب”: المنصة المركزية للأخبار الرقمية في العالم.
- “تيك توك” و”إنستجرام”: تزداد أهميتهما لدى الفئة الشابة.
- “فيسبوك”: تحتفظ بدور مهم في إفريقيا وآسيا.
- “إكس” (تويتر): المنصة الأهم للمحتوى السياسي والنخبوي.
ما ورد في تقرير معهد “رويترز لدراسة الصحافة- جامعة أكسفورد” يقود إلى خلاصات منها:
- صناعة الأخبار لم تعد حكرًا على المؤسسات، بل بات يقودها الأفراد.
- المعايير المهنية تلقى منافسة من قبل المصداقية الشخصية.
- لا حدود بين الخبر والترفيه والسياسة والدين، والأفراد الذين يقدمون محتوى ترفيهيًا يمكنهم أن يلعبوا دورًا في الانتخابات بأهم التجارب الديمقراطية في العالم.
- الإعلام التقليدي بات عاجزًا عن مواكبة ديناميات المنصات.
- سوريا العالم العربي ليست في منأى، بل تدخل هذه المرحلة سريعًا.
ما سبق يستدعي سياسات تربوية وتشريعية جديدة تعيد تعريف الإعلام والمواطنة الرقمية، وينبغي الاعتراف محليًا بأن المستقبل له أدواته غير التقليدية.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :




